مقالات تأملات في مسيرة اتحاد الإمارات ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 01/12/2013 تحتفل الإمارات هذه الأيام بالذكرى الثانية والأربعين لتأسيس الاتحاد، وهذه المناسبة الوطنية الجليلة تستحق دائماً التوقف عندها، ليس من أجل الاحتفال والتغني بالإنجازات فقط، وهو شيء نفتخر به، ولكن كذلك من أجل دراسة التجربة وتحصينها ودفعها إلى الأمام عن طريق إجراء التقييم بين الوقت والآخر . ورأيت أن نتوقف في البداية عند الماضي ثم نعرج على الحاضر، ونحاول في الختام استشراف المستقبل في هذه المسيرة المباركة . لقد شكل الثاني من ديسمبر/كانون الأول 1971 نقطة تحول تاريخية ليس بالنسبة للإمارات وشعبها فقط، ولكن للمنطقة بأكملها كذلك . وكان الثاني من ديسمبر نهاية مسيرة وبداية أخرى، نهاية مسيرة المفاوضات التي استمرت ثلاث سنوات لأجل إنشاء الاتحاد التساعي، وبداية مسيرة الاتحاد كما نعرفه اليوم . ولا بد أن نتوقف دائما عند هذا اليوم لنقدم الشكر إلى اولئك الرجال الذين وعوا المسؤولية وتحملوا الأمانة في لحظات حرجة من تاريخ هذه المنطقة، من أجل خلق هذا الوطن الذي نتمتع به الآن . وبالطبع، كان على رأس هؤلاء وفي مقدمتهم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، وبقية إخوانهم المؤسسين، وكذلك عدد كبير من الرجال والنساء الذين ربما لا نعرف اسماءهم ولم نقرأ عنهم ولكنهم كانوا هناك يعملون بصمت ويقفون بثبات لدعم إنشاء الاتحاد ودعم مسيرته . كان زايد، رحمه الله، يملك حلماً يسعى من أجل تحقيقه، وكان ذلك الحلم تعبيراً عن ضمير أي مواطن، وهو كذلك تعبير عن الحالة الذهنية والثقافة التي تكرست في الفكر السياسي العربي في تلك المرحلة، باعتبار أن الوحدة والاتحاد هما طريقنا إلى المستقبل ومخرجنا من الضعف والتبعية، لذلك كان زايد، رحمه الله، منسجماً مع انتمائه العربي، ومعبّراً عن ذلك الحلم الذي يراودنا جميعاً . وعلى الجانب الآخر كان هناك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، الواقعي الذي ينطلق من تجربة السوق والتجارة والبناء، فكانا، رحمهما الله، يكمل كل منهما الآخر . ذاك رجل يملك الحلم وعلى استعداد لتقديم كل شيء من أجل تحقيقه، وهذا الرجل يضيف البعد الواقعي لذلك الحلم، ولا شك في أن ذلك الحلم لقي رجالاً متحمسين له هم حكام الإمارات وشعبها . وقد أثبتت الأيام صحة ذلك الحلم أو تلك الرؤية وصحة المقولة إن الاتحاد هو القوة وهو المخرج، وقد جاءت تجربة الوحدة في الإمارات أول تجربة وحدوية ناجحة في التاريخ العربي . ولكن قد يسأل سائل لماذا أتحدث عن الماضي، ونحن ننعم بكل مقومات الحياة الكريمة والرخاء في الحاضر؟ أتحدث عن الماضي لأن كثيرين من أبناء هذا الجيل يعتقدون أن هذا الاتحاد كان حاضراً، وأنه حقيقة مسلم بها، ولا يعرفون أن هذا الاتحاد ولد من رحم المعاناة، وقد عاش لحظات صعبة سواء في البداية أو خلال مسيرته لولا حكمة الحكماء، وبروح صادقة مؤمنة . وسيظل هذا الاتحاد في حاجة دائماً إلى حمايته والذود عنه وتعزيز أركانه، ومن هذه النقطة بالذات أريد الانتقال إلى الحاضر . لو ألقى أي منا نظرة على الجوار لوجد الخراب ينتقل من دولة إلى أخرى والدمار ينهش المواطنين الأبرياء، والفوضى ضاربة أطنابها، وهناك أوطان كانت موجودة منذ آلاف السنين وشعوب كانت مستقرة وهانئة ولكن حل بها ما حل لأنها لم تتمكن من حماية أوطانها والدفاع عن استقرارها ورخائها . كان كثير من المحللين العرب يعزون الاستقرار في دول الخليج إلى وفرة النفط والمال، وهذا صحيح إلى حدٍ ما، ولكنه لا يكفي لخلق حالة من الانسجام السياسي والاستقرار الاقتصادي، وخذ مثالاً على ذلك مايجري في العراق وليبيا وهما من كبريات منتجي النفط، بينما نأخذ على الجانب الآخر، إمارة دبي التي استطاعت أن تبني افضل نظام حضري، ليس في المنطقة فقط ولكن في العالم من دون إمكانات نفطية، ولكن بقيادة رجل آمن بدوره ويملك الرؤية اللازمة والإرادة، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله . لذلك فإن الأوطان في حاجة إلى عقول وسواعد أبنائها، لأنه سيكون هناك دائماً من يتربص بالوطن سواء من الداخل جهلاً، أو الخارج غدراً . وأقول بكل أمانة وصدق إنه لا يمكن لأي بلد أن يبني رخاءً اقتصادياً أو تقدماً علمياً أو استقراراً اجتماعياً من دون بناء الوعي السياسي اللازم لحماية منجزات أي وطن، فالتنمية السياسية هي المفتاح الضروري، لأن الوعي السياسي يعني ليس أن يدرك المواطن حقوقة ويطالب بها فقط، ولكن أن يدرك كذلك واجباته ويؤديها . ولذلك فقد تلقى مواطنو الإمارات مبادرة التمكين لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بكثير من الترحيب والأمل في خلق ذلك الوعي الذي لابد أن يشكل السياج المنيع لحماية الوطن ورفع روح المسؤولية بين أبنائه، ونأمل أن يتم استكمال أركان تلك المبادرة . لابد هنا أن نتوقف قليلاً عند الحاضر، ونحن نشاهد نضوج التجربة في أربعينياتها، فالإنجازات التي تحققت على أرض الواقع تتحدث عن نفسها حتى أصبحت الإمارات وطناً يتمنى الجميع الانتماء إليه بفضل هذا الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي، والشعور بالطمأنينة والأمن، بفضل هذا الانسجام القائم بين القيادة والشعب . ليس هذا فقط، بل استطاعت الإمارات عن طريق تبني سياسات الانفتاح والاعتدال والحداثة خلق مثال يحتذى به في المنطقة وغيرت الصورة النمطية السائده عن العرب والدولة العربية . وأصبحت قيم العمل والتعاون والجدية والتفاؤل وروح المستقبل هي القيم السائدة، والإمارات اليوم بلد خير، وعندما أقول ذلك فإنني أعني أن الجميع يسعى فيه إلى عمل الخير، وخير شاهد على ذلك تلك المبادرات التي يطلقها أصحاب الخير على الصعيدين الداخلي والخارجي وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ومشاركة الجميع فيها . أعرج أخيراً على محاولة قراءة المستقبل، أن هذا الحاضر الزاهي يجب ألا يمنعنا من التحوط لتحولات المستقبل، والإنسان الواعي لابد أن ينظر إلى المستقبل والاحتياط لتقلباته، خاصة في منطقة لم تشهد الاستقرار منذ أكثر من ستين عاماً، بل إن أكثر الحروب التي جرت خلال هذه الفترة جرت في الشرق الأوسط، كما أن المنطقة تعاني برمتها اختلالات هيكلية كبيرة يزيدها تدهوراً حركات التطرف التي انتشرت في كل الاتجاهات في السنوات الأخيرة ولا تستطيع أي دولة أن تقول إنها في مأمن مما يجري . فإذا أضفنا إلى ذلك حجم المصالح الأجنبية والصراع بين الدول على خيرات المنطقة التي تملك ثلثي الاحتياطي العالمي من الطاقة وأكبر احتياطي نقدي وإمكانات مالية واقتصادية هائلة جداً، ويكفي هنا أن أشير إلى صفقات معرض الطيران الدولي الذي تحقق في الأسبوع الماضي في دبي، وتلك الأرقام المهولة للاتفاق على قطاع واحد هو قطاع الطيران، من هنا يمكننا تخيل الأهمية التي تحتلها المنطقة في الاقتصاد العالمي، خاصة في الوقت الحاضر حيث تعاني أغلب اقتصادات العالم، خاصة الدول المتقدمة، مشكلات كبيرة . إن هذه المصالح الأجنبية الكبرى يمكن أن تكون عامل استقرار ولكنها يمكن كذلك إذ اشتدت المنافسة أن تكون عامل تهديد، ومن هنا وجب مرة أخرى قراءة كل ذلك في إطار الاحتياط للمستقبل .