الإنسان الذي لا يستطيع أن يبصر نهاية وجوده المؤقت يستحيل عليه أن ينظر إلى ختام هدفه في الحياة. لكن، هل الإنسان بالفعل يبحث عن معنى في الحياة، أم أنه يسير وفق ما يقتضيه القدر، ويمليه عليه تفكيره المجرد؟! أسئلة عديدة كهذه يتعين الإجابة عنها بعد المرور على محكات التجربة الشديدة، والتعرض للضغوط الكثيرة، ثم دفع فاتورة ذلك. في أحد الأيام وجد الطبيب فيكتور فرانكل نفسه في السجون النازية، دون أن تكون جريرته سوى معارضته لهتلر، فشاهد كثيراً من أصدقائه يحترقون في أفران الغاز بعد حفلات التعذيب، ورأى كيف يساق المرضى وكبار السن إلى الموت، ثم حكى نجاته من الموت والحرق أكثر من مرة، ودوَّن هذه التجربة بعد أن قضى في السجن أربعة أعوام، وذلك في كتابه (الإنسان يبحث عن معنى)، يقول فيها: إني أجرؤ على القول بأنه لا يوجد في الدنيا شيء يمكن أن يساعد الإنسان بشدة على البقاء، حتى في أسوأ الظروف، مثل معرفته بأن هناك معنى لحياته. والمعنى قد يكون في النفس، ويكون أحياناً في خارجها، غير أن الأول أمضى وأبقى. ووفق هرم ماسلو للحاجات الإنسانية فإن حاجات الإنسان الفسيولوجية، مثل الأكل والشرب، تأتي في قاعدة هذا الهرم، فيما يقف في رأسها البحث عن المكانة أو التقدير. فمواطن سوري يكمن المعنى الذي ينشده في لقمة ناشفة يأكلها، ونظام يحميه لا يروعه ويهدد حياته، فيما آخر على هذه الأرض يكمن (معناه) وتغمره السعادة حين يثني عليه أي أحد. أحياناً يبحث الإنسان عن قيمته أو معناه من خلال الآخرين، الذين يشعرونه بمكانته وتقديره لديهم، وإن كان هذا المعنى لا ينفذ إلى العمق، ولذلك قيل (ليس العظيم من يشعرك بأنه عظيم، ولكن من يشعرك بأنك عظيم). وهذه الصفة قد تشترك معنا فيها بعض مخلوقات الله، كما جاء في قصة الهدهد التي حكاها القرآن العظيم، وذلك حين هدده نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام بالعذاب أو الذبح، فقال بعض المفسرين إن هذا العذاب الشديد ما هو إلا حبس الهدهد مع من لا يقدره من بني جنسه؛ إذ يجبره على العيش معهم، وقد يكون هذا الجزاء من جنس عمله، لما كان ينشده هذا الطائر من الحرية والتقدير الشخصي، وإلا ما الذي جعله يرتحل من فلسطين إلى اليمن عبر هذه الأميال الطويلة دون أن يكون مكلفاً بذلك. هذه رسالة تأمل، تختزل المعنى الحقيقي في أنه يكمن في حياتك، وأنه لن يستطيع أحد ما اختيار طريقك بدلاً منك. ويكفي أن تتفكر في هذه الجملة لفرانكل "بين المثير والاستجابة توجد مسافة. في هذا الفضاء لدينا القدرة على اختيار استجابتنا. في ردنا يكمن نمونا وحريتنا". السؤال الجارح في نهاية المقال: لماذا تغيب فكرة المعنى عن بعض المسلمين وهم يدركون أن كل أفعالهم من أجل الله؟! {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} صدق الله العظيم.