د. عبد العزيز حسين الصويغ يأتي الرؤساء إلى رئاسة دولهم حاملين شعار التغيير والإصلاح، واعدين الناس بتخطِّي كُلّ المُشكلات القائمة التي تعاني منها الأكثرية الكبرى من المواطنين، فما أن يصل الرئيس إلى سدّة الحُكم حتى تغيب الوعود غياب الشمس مع المغيب. فعلها رؤساء في الشرق والغرب سواء.. فها هو الرئيس الأمريكي باراك أوباما -الذي رفع شعار التغيير في حملته الانتخابية وفاز بناء على هذا البرنامج- تعاني معه البلاد واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في الداخل، وتنحسر معالم القوة الأمريكية، وتتأذَّى صورة الولاياتالمتحدة في الخارج بشكلٍ غير مسبوق. وكان شعار الإخوان المسلمين في حُكم مصر هو التغيير، إذ جعلوا من «طائر النهضة» شعاراً لحكمهم حين وعدوا المصريين بأن طائر النهضة سيطير بمصر إلى الأعالي، فيسبق كل دول المنطقة، بل ويعلو ليجعل مصر فوق كل دول العالم قاطبة! *** ويرفع شعار التغيير سياسيون ورؤساء كُثُر، حتى في الدول التي يحكمها رؤساء جعلوا من كرسي الرئاسة هدفاً يَجُبُّ كل ما عداه من أهدافٍ وطنيّة للإصلاح والتغيير.. فكل شيء قابل للتغيُّر إلا الكرسي الذي يجلس عليه الرئيس، فهو أمر غير قابل للبحث أو الجدل أو النقاش. وهو ما يُذكرني بطُرفة عن رئيس في بلدٍ عربي كان يتحدّث عن التغيير، وضرورة تجديد دماء القيادات في الحزب الحاكم حتى تتواءم مع العصر، وتستوعب هذه القيادات الشابة رغبات الناس وطموحاتهم وأفكارهم، التي يحول بين فهمها الهوة التي تفصل بين قيادات الحزب الحاكم؛ والشارع الذي يتكوّن من فئات عمرية صغيرة... الخ. فسأله أحد الصحفيين: هل يطال التغيير قيادات الحزب العليا؟! فأجاب رئيس الدولة -الذي كان هو أيضاً رئيس الحزب الحاكم-: نعم.. هذه سُنّة الحياة لا شيء غير قابل للتغيير.. فسأله الصحفي: وهل يمكن أن يكون في قيادات الحزب فئات شابة؟! فأجاب الرئيس: بالطبع، نحن نتطلَّع إلى قياداتٍ شابة نستفيد منها، وتضيف الكثير إلى فكر الحزب وديناميكية التغيير فيه.. فسأله الصحفي: وهل يمكن أن يتولى قيادي شاب قيادة الحزب أو الدولة؟! فأجابه الرئيس بحدّة: لا شاب ولا عجوز يا روح أمك!! *** وهكذا اختزل سياسيون برامجهم برفع شعار التغيير، واعدين الناس بتحقيق المستحيل للنهوض والتقدم. ففي معظم الدول العربية -منذ بداية الخمسينيات والستينيات الميلادية- رفع كثير من الرؤساء العرب هذا الشعار، وغلّفوه بالبُعد الوطني، والتخلُّص من التبعيّة، وتحقيق الوحدة العربية... الخ. وجرّب معظم هؤلاء الرؤساء مسارات تتراوح بين اليسار الاشتراكي واليمين الرأسمالي.. دون أن ينجح لا هؤلاء ولا أولئك، ليصل الوضع بمعظم الدول العربية إلى ما وصلت إليه من تفاقم الأحوال المعيشية لغالبية الشعوب العربية، لتنتقل تجارب التغيير من فشلٍ إلى فشل، حدت بالناس في الشارع إلى أخذ شعار التغيير بأيديهم، لتشهد المنطقة العربية فوضي غير مسبوقة تعيشها دول ما أسميناها بالربيع العربي، ومازالت شوارع هذه الدول تعيشها حتى الآن. *** العبرة في النهاية أن ما يدور في بعض الدول العربية من فوضي لم تكن نتاج تدخل خارجي ومؤامرات خارجية؛ قادت إلى هذه الفوضى العارمة، التي تُميّز المشهد الحالي في تلك الدول، بل نتاج عقليات حكمت بشكلٍ بعيد عن مشكلات الناس وطموحاتهم. وإذا كان هناك أيادٍ خارجية، فإنما دخلت من خلال ثغرات وجدوها بين الحاكم والمحكوم في تلك البلدان. فأصابع الزمن هي من يلعب في كثير من الدول العربية، وليس أصابع خارجية أو داخلية. * نافذة صغيرة: (الجميع يُفكِّر في تغيير العالم لكن لا أحد يُفكِّر في تغيير نفسه).. ليو تولستوي. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (6) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain