الخارجية تؤكد تضامن اليمن مع باكستان في ضحايا الفيضانات    رسميًا | SPORTBACK GROUP توقع مع نجم التلال عادل عباس    قطعت تذكرة النهائي.. «سلة أستراليا» تقسو على إيران    اكتشاف فيتامين يقلل خطر سكر الدم    نسائية مديرية المفتاح بحجة تحتفي بذكرى المولد النبوي    السيول تقطع طريق حيوي في حضرموت    دراسة : ألعاب الفيديو ترفع معدلات القلق والإكتئاب وإضطراب النوم    دفعة شهيد القرآن.. مأرب تحتفي ب 48 حافظاً وحافظة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي.. تخفيض أسعار أسطوانات الغاز المنزلي في الجنوب    اللواء الأول مشاة يختتم تدريبات بالذخيرة الحية    الرئيس الزُبيدي يهنئ رئيسة الهند بذكرى استقلال بلادها    الداخلية: ضبط 3 اشخاص على خلفية مقطع فيديو مخل بالاداب    تعز تدشن فعاليات المولد النبوي الشريف وتستكمل الترتيبات للإحتفال    إحباط ثلاث عمليات تهريب سجائر وشيش إلكترونية وأغذية علاجية بتعز    القيادة التنفيذية للانتقالي تبحث التحضيرات لعقد مؤتمرات اقتصادية وخدمية محلية ودولية    الرهوي : اليمن يفرض اليوم سيادته على البحر ومضيق باب المندب بقدراته الذاتية    بن حبتور والنعيمي يدشنان الاستراتيجية الثانية لجامعة الرازي 2025- 2030م    شرطة المرور تنبّه بشروط تزيين السيارات خلال فعاليات المولد النبوي الشريف    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    أفضل وأحسن ما في حلف حضرموت أن أنصاره اغبياء جدا(توثيق)    العميد جمال ديان آخر الرجال المهنيين والأوفياء    خوفا من العقوبات الدولية.. هائل سعيد يقدم تخفيضات جديدة (كشف)    القنبلة التوراتية بدل القنبلة النووية    سيطرة العليمي والحوثيين على الانترنت خطر جسيم على أمن الجنوب وأبنائه    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    وطن تُذبح فيه الحقيقة ويُقدَّس فيه الفساد    شبوة: الأمن السياسي بمأرب يمنع طفلتان وجدهما من زيارة أبيهما المعتقل منذ 8 سنوات    مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    سرقة مجوهرات مليونية ب 90 ثانية    شركات هائل سعيد أنعم تعلن عن تخفيضات جديدة في أسعار الدقيق بدءًا من هذا اليوم السبت    تواصل الحملة الرقابية بالمحفد لضبط أسواق المحال التجارية والخضار والأسماك    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    جمعية حزم العدين التعاونية في إب... تجربة رائدة في التمكين الاقتصادي    مأرب.. اعتقال صحفي بعد مداهمة منزله    مسؤولة أممية: الأزمة الإنسانية تتفاقم في اليمن والبلاد تواجه شبح كارثة انسانية    ترامب: اللقاء مع بوتين كان ممتازا    تخفيض رسوم المدارس الأهلية في العاصمة عدن 30%    إدارة مكافحة المخدرات تضبط مروج للمخدرات وبحوزته 60 شريطا من حبوب البريجبالين    الرئيس الزُبيدي يعزي العميد عادل الحالمي في وفاة والدته    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    السيول تقطع حركة النقل بين ساحل ووادي حضرموت    أبو بارعة: مسؤولون في حجة يحوّلون الأجهزة الطبية إلى غنيمة    وقفة وإضراب جزئي لصيادلة تعز لمطالبة شركات الأدوية بخفض الأسعار    رايو فاليكانو يصدم جيرونا بثلاثية    توترات غير مسبوقة في حضرموت    أضرار في تعز وتحذيرات من السيول بالمرتفعات    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    هل يُحسم أمر التشكيلات العسكرية الخارجة عن إطار الدولة في حضرموت؟    كسر طوق الخدمات.. الرئيس الزُبيدي يقود معركة فرض الاستقرار    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    "الريدز يتألق".. ليفربول يستهل حملة الدفاع عن لقبه بفوز مثير على بورنموث    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    العثور على جثمان لاعب شعب إب خالد الجبري قرب الحدود اليمنية–السعودية    مارسيليا يسقط بالوقت القاتل ضد رين    بمعنويات عالية شعب إب يستعد لمباراته أمام السهام الحالمي    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل الدم والحرب طريق العقلانية؟ - الإتحاد الاماراتية - خالد الحروب
نشر في الجنوب ميديا يوم 25 - 12 - 2013

GMT 0:03 2013 الإثنين 16 ديسمبر GMT 4:43 2013 الإثنين 16 ديسمبر :آخر تحديث
خالد الحروب
تتجمع في المنطقة أعاصير حروب دموية وتاريخية محتملة يحتاج تفاديها إلى قادة وسياسيين ذوي نظرة مستقبلية ثاقبة، وكذا شعوب واعية، ونخب ثقافية نقدية، وطبقات عريضة وعميقة من المجتمع المدني المعادي افتراضاً لفكرة الحرب. والآن تنخرط دول إقليمية ودول كبرى وجماعات عابرة للحدود في تسعير احتمالات تلك الحروب بشكل أعمى وبانجذاب الهوام إلى النار القاتلة. نرى ذلك في سوريا الآن التي تلتقي فيها كل أنواع القوى والتنافسات والصراعات، وعلى حساب الشعب السوري المسكين طبعاً. بيد أن فيضان الحرب المدمرة والطاحنة عن الجغرافيا السورية يكاد يكون مسألة وقت فحسب. فالحرب كائن خرافي غامض يسيطر على البشر ويجذبهم إليه بطرق رهيبة، فيتقدمون إليه بكامل رغبتهم وإرادتهم ويقدمون أنفسهم وشعوبهم إليه قرابين من أجل تحقيق ما يرونه مصالح وغرائز نفوذ ورغبات توسع دفينة وقاتلة. وبعد انتهاء الحروب الطاحنة والمدمرة التي تستمر لسنوات ليس هناك شيء مؤكد، إذ يبدو «النصر» مثخناً بالدم ومثخناً بالأكلاف، ولا تدري عوائل ملايين الضحايا لماذا سقط أبناؤها وهم في ريعان ربيع العمر. والشيء الوحيد المؤكد في الحروب الطويلة هو التكلفة الهائلة. فالحرب الإيرانية- العراقية استمرت ثماني سنوات وسقط جراءها ما يقرب من مليون ونصف المليون من الإيرانيين والعراقيين، فماذا كانت نتيجة تلك الحرب؟ من الذي انتصر ومن الذي انهزم، وهل استحق أولئك المساكين الذين قضوا أن تطحن أجسادهم في ذلك الجنون المتبادل بين حكام مستبدين وتنقصف أعمارهم بتلك السرعة؟ هل تحتاج كل منطقة من مناطق العالم أن تسقط في هاوية حروب طاحنة وطويلة حتى تتأكد من عدمية الحرب، ومن وحشية هذا الكائن الجبار، ثم تؤوب إلى عقلانية ورشد يقودانها إلى تسوية صراعاتها وتنافساتها بطرق أخرى؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً وإدهاشاً هو لماذا لا يتعلم القادة والشعوب من دروس التاريخ المتاحة على امتداد قرون سحيقة ومنذ فجر البشرية، وهي تعرض سلاسل الحروب الوحشية والمدمرة واحدة إثر الأخرى أمام الجميع، وكل واحدة من تلك الحروب يزنرها الحطام وملايين القتلى؟ ما هو السر الدفين في جاذبية الحرب القاتلة التي تخرج البشر عن عقلانيتهم ورشدهم وإمكانية توصلهم إلى حلول وسط توفر عليهم أكلاف الدم. أم أن كل هذه التساؤلات ساذجة في وجود نزعة الشر الدفينة عند البشر، وأن الحرب هي سمة من سمات وجودهم الشقي التي عليهم أن يتعايشوا معها إلى الأبد؟
لقد سقط في الحرب العالمية الثانية ومسرحها الرئيسي أوروبا ما يقرب من سبعين مليون قتيل، وفي الحرب العالمية الأولى أزيد من ستة عشر مليون قتيل. وقبل ذلك بقرون ثلاثة، وتحديداً ما بين الربع الأول من القرن السادس عشر وحتى منتصف القرن السابع عشر انخرطت أوروبا في سلسلة حروب دينية طاحنة لو وجدت فيها ذات الأسلحة المتقدمة التي توفرت في حروب القرن العشرين لربما أبادت أوروبا ذاتها. لماذا لم تتعظ أوروبا الحداثية من أوروبا القروسطية وتتفادى الحرب والثمن المخيف الذي دفعته في القرون التالية؟ ليس هناك جواب على هذا السؤال المحيّر، كما ليست هناك أجوبة مكتملة على قصة ديمومة الحرب في التاريخ الإنساني واستمرار هذا النزعة الانتحارية الجماعية في قلب ممارسات الجنس البشري. ومن السهل الإحالة إلى دوافع المصالح وطموحات السيطرة وجنون العظمة عند بعض القادة، ولكن هذه الإجابات المباشرة لا تفسر لنا بالعمق المطلوب السؤال الوجودي حول «جاذبية» الحرب القاتلة وانقياد البشر والشعوب لها بعمى مدهش خاصة بعد أن أثبتت عبر التاريخ دمويتها وإرثها المدمر. وفي الحروب الطويلة ليس هناك منتصر بل الكل مهزوم ومُدَمّر، وأثمان الانتصارات الكبيرة في الحرب وأكلافها في جانب الطرف المنتصر لا تقل كثيراً عما تكون عليه في جانب الطرف المهزوم. ويبقى لغز الحرب وارتباطه العضوي بالجانب المتوحش من الإنسان واحداً من الألغاز الكبرى التي واجهت فلاسفة ومفكرين ومنظومات قيم و«يوتوبيات» حاولت أن تطرح بديلًا سلامياً لبشرية منزوعة الحرب.
ومن جانبها أوروبا والغرب بعد الحروب العالمية الدموية تعقلنت ولو مرحلياً. فدموية حروبها المخيفة وأنهار الدماء التي لطخت جغرافيا القارة بطولها وعرضها دفعتها إلى شن حرب جماعية تعاونية ضد فكرة الحرب العسكرية. وبمعنى ما، عقلانية أوروبا والغرب الراهنة في إدارة العلاقات الداخلية (وليس العلاقات الخارجية لأن الحرب مع الخارج بقيت إلى يومنا هذا) هي نتاج التكلفة الفلكية التي دفعتها شعوب القارة ودولها في حروب الدم. لأن أوروبا «المنتصرة» في الحرب الثانية (دول الحلفاء)، ولكن المحطمة اقتصادياً وبشرياً وعمرانياً، قررت التعاون مع أوروبا «المهزومة» (دول المحور)، وحجر الزاوية في ذلك التعاون احتواء ألمانيا التي كانت على الدوام العدو الأشد على الجبهة الشرقية. وفي آسيا أيضاً وبعد هزيمة اليابان تم احتواؤها، وكما كان الحال مع ألمانيا، فإن جوهر الاحتواء كان تحويل الطاقة العسكرية الجبارة لدى المهزومين والمنتصرين معاً إلى طاقة اقتصاد وتنمية، ونقل المعارك العسكرية والتنافس الدموي على النفوذ والسيطرة إلى ميدان التجارة والاستثمار والتقدم التقني. ولا يستطيع أحد أن يتكهن بديمومة هذه العقلانية ومدى نفوذها إلى المستقبل وهل ستستمر قروناً قادمة أم تعود أوروبا لحروبها الداخلية؟ ولكن الرعب الذي يكمن تحت السطح من عودة تلك الحروب هو الذي يدفع إلى بناء خطوط دفاع متتالية ضد بروز أية نزعات عسكرية. فهناك ابتداء خط الدفاع الأول وهو الديمقراطية التي تعبر سياسياً وثقافياً عن إرادات الشعوب، وهي إرادات في مجملها العام وتياراتها العريضة تكره الحرب وتقف ضد استبداد القادة السياسيين والعسكريين وغطرستهم ممن تقودهم شهواتهم العسكرية إلى حروب مدمرة. وهكذا فإن التخلص من الاستبداد ومن القادة المستبدين المهووسين بالعظمة هو أول وأهم ضمانة ضد الحرب. ثم هناك التعاون البيني الوثيق والعضوي على مستوى الاقتصاد والانتقال بين الدول والفن والتبادل التجاري والمتجسد في هيئات ومؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى تعزيز العلاقات السلمية وتعظيمها بحيث تنعدم احتمالات العودة للحرب. صحيح أن التنافس والغيرة والصراع في مجالات الاقتصاد والتجارة هو أساساً سبب رئيس من أسباب الحروب، لكن مأسسة تلك الصراعات ضمن أطر تعاونية جوهرها وجود تسويات سلمية قائمة على مبدأ «الكل رابح» هو ما يقلل احتمالات الحرب.
هل بالإمكان أن يقدم التاريخ الأوروبي بالغ الدموية وبالغ الأكلاف، الذي انتقل إلى التعقلن والعقلانية درساً لتفاديه برسم الاستفادة من قبل بشر منطقتنا والمتطفلين فيها والقوى التي تريد تحويلها إلى ساحة حرب كونية جديدة؟ هذا هو السؤال الكبير الذي تحدد الإجابة عليه مصائر ومصير مئات الملايين الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.