ربما أن من أبرز نجاحات القمة الخليجية التي تحققت لقمة دول مجلس التعاون الخليجية التي احتضنتها دولة الكويت الشقيقة مؤخرًا، القدرة الفائقة التي أظهرتها في مواجهة التحديات التي حملتها التطورات والمستجدات الراهنة، جنبًا إلى جنب مع التجاوب مع آمال وتطلعات المواطن الخليجي، وأيضًا القدرة على تجاوز المخاطر التي تواجه مسيرتها الخيرة من خلال حكمة قادتها، وهو ما جسدته قراراتها التي شكلت إضافة مهمة في العمل الخليجي المشترك، ولبنة جديدة في البناء التنموي والوحدوي لهذه الدول التي يجمعها مشترك واحد في التاريخ والأمل والمصير. الإنجاز الأهم هناك ثلاثة تحديات أمنية تواجه دول المجلس تتطلب درجة كبيرة من الاستعداد والجاهزية لمواجهتها، أولها الإرهاب الذي ما زال أحد مهددات الأمن القومي لدول المجلس الست، وثانيها الاختراقات والتدخلات الأجنبية التي تهدف إلى زعزعة أمن المنطقة من خلال زرع جرثومة الفتن على أراضيها لتمرير مشروعاتها الخبيثة، وثالثها حالة الفوضى والاضطرابات التي خلفتها ثورات الربيع العربي، وأصبحت تشكل مخاطر حقيقية على الأمن القومي العربي بشكل عام. لذلك لم يكن من المستغرب أن يحتل الموضوع الأمني البند الأهم على جدول أعمال القمة على خلفية الاضطرابات التي تشهدها المنطقة في العديد من دولها، خاصة في سوريا، وأيضًا التطورات التي ترتبت على توقيع إيران على الاتفاق النووي مع مجموعة الدول الست الذي أمكن التوصل إليه في جنيف مؤخرًا، وما أسفر عنه من مستجدات في المواقف بما يفرض واقعًا جديدًا في المنطقة يتطلب درجة أكبر من اليقظة والحذر في التعامل معه. لذا، يعتبر قرار القادة الخليجيين إنشاء القيادة العسكرية الموحدة وتكليف مجلس الدفاع المشترك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها وفق الدراسات الخاصة بذلك، القرار الأهم لدول مجلس التعاون الخليجية الذي تمخضت عنه القمة، باعتباره تتويجًا للخطوات والجهود التي اتخذتها تلك الدول منذ انطلاق مسيرتها التعاونية والتكاملية قبل نحو ثلث قرن، ولما يمثله القرار من أهمية إستراتيجية على صعيد تعزيز أمن واستقرار دول المجلس وبناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي لدوله ترسيخًا لمقولة «أمن الخليج مسؤولية دوله» وترجمة عملية لهذه المقولة. وأيضًا لما يعكسه القرار من إصرار دول المجلس على الاعتماد على قدراتها وإمكاناتها الذاتية في حماية أمنها ومصالحها ومنجزاتها الوطنية وصيانة مستقبلها ومستقبل أجيالها. كما اكتسب القرار أهمية إضافية لما صدر عن القمة من قرارات أخرى داعمة ومكملة لهذا القرار، من أهمها موافقة المجلس الأعلى على إنشاء أكاديمية خليجية للدراسات الإستراتيجية والأمنية تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرًا لها. المواطن الخليجي أولًا قد يكون البعض محقًا في وجهة النظر التي تقول إن إنجازات مجلس التعاون الخليجي لم ترق حتى الآن إلى مستوى آمال وتطلعات المواطن الخليجي، ذلك أن هذا المواطن يريد أن يرى إنجازات ملموسة، يريد أن يرى مؤسسات فاعلة هنا وهناك، مؤسسات تنبثق عن المجلس وتغطي كافة المجالات الحياتية شاملًا ذلك التعليم والصحة والعمل والتملك والتنقل. ويريد أيضًا أن يرى مراكز ومؤسسات ومؤتمرات ومهرجانات علمية وثقافية وتراثية ورياضية تساعد على تعزيز النسيج الثقافي والاجتماعي والوجداني لهذه الدول، الذي يشكل الأرضية الصلبة لوحدة دول المجلس ويوفر لها المشترك العضوي الذي تحتاجه. فإذا ما أدركنا أن الغالبية العظمى من سكان دول المجلس الست الذين سيتجاوز عددهم الخمسين مليون مواطن في العام 2020 هم دون ال25 عامًا، لأدركنا أهمية هذه الشريحة في صياغة المستقبل، وما يتطلبه ذلك من دعم لآمالها وتطلعاتها، وهو ما استجابت له قمة الكويت - حتى وإن كان ذلك بقدر أقل من تلك التطلعات - من خلال القرار القاضي بتأسيس برنامج دائم لشباب دول مجلس التعاون بهدف تنمية قدراتهم وتفعيل مساهمتهم في العمل الإنمائي والإنساني وتعزيز روح القيادة والانتماء لديهم عبر التعريف بالهوية الخليجية وترسيخها والحرص على تفعيل العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأيضًا ما صدر عن المجلس الأعلى للأمانة العامة للمجلس من تكليف بدراسة إنشاء صندوق لدعم ريادة الأعمال لمشروعات الشباب الصغيرة والمتوسطة، بما يعد دعمًا كبيرًا لهذه الشريحة المهمة، وتعزيز إسهامها في مسيرة النمو والازدهار لدول المجلس. المنجز الاقتصادي لم يعد خافيًا أن لبوابة التنمية الشاملة مفتاحين أحدهما أمني والآخر اقتصادي، وأنه لا يمكن فتح هذه البوابة بدون تفعيل المفتاح الأمني، ثم المفتاح الاقتصادي، وأن الإنسان هو الأداة الأساس في صنع هذه التنمية، وهو أيضًا محركها وهدفها. من هنا استحوذ الشأن الاقتصادي على الاهتمام الأكبر لقادة دول مجلس التعاون في قمة الكويت - بعد الشأن الأمني- وهو ما تمثل في اعتماد المجلس لعدد من القواعد الموحّدة في مجال تكامل الأسواق الماليّة بالدول الأعضاء، إضافة إلى الاطلاع على تقارير متابعة الربط والأمن المائي، والتأكيد والتركيز على ضرورة الاستمرار في خطوات التكامل في كافة المجالات الاقتصادية، ودفع العمل في الاتحاد النقدي وتنفيذ متطلبات السوق الخليجية المشتركة، بالإضافة إلى بدء دول المجلس في إنشاء مشروع سكة حديد مجلس التعاون، وهو المشروع الذي سيشكل نقلةً نوعيةً في التكامل الاقتصادي، وتعزيز الترابط الاجتماعي بين دول المجلس. هذه القراءة السريعة لقمة الكويت الخليجية تثبت مجددًا أن مسيرة المجلس الخيرة ستواصل تقدمها نحو كل ما يعززها ويجعل منها مسيرة خير وعطاء واستقرار وازدهار لدول وشعوب المجلس، وأن تلك المسيرة ستواصل تقدمها نحو تحقيق هدفها النهائي في الاتحاد الذي يعتبر المطلب الأساس للمواطن الخليجي، وأن تلك الدول، ورغم التحديات الأمنية التي تواجهها، لا تعيش بمعزل عن الهم العربي، وهو ما تمثل في الأهمية التي أولتها القمة للأوضاع العربية، وعلى الأخص في فلسطينوسوريا ومصر.