إيلاف - كتابان جديدان صدرا في بيروت للشاعرة اللبنانية البارزة زينب عساف: الأول ديوان شعري بعنوان «فراشة ميتة بعد إطباق كتاب عليها» والثاني كتاب نثري بعنوان «غيابكَ الصامت والعميق كمياه خطرة». وقد كرّست عساف نفسها عبر ديوانين اثنين: «صلاة الغائب» (2005) و«بوَّاب الذاكرة الفظ» (2007)، حيث شكّلا علامتين فارقتين في التجربة الشعرية لجيل الشعراء الشباب في لبنان. قال عنها أدونيس: "للمرة الأولى، ألتقي زينب عسَّاف. عرفتُ كتابتها التي كانت تشعُّ على صفحات جريدة "النهار"، نفّاذة البصيرة، بعيدة الاستبصار. ماهر شرف الدين، صديقها حياة وكتابة، التقيتُه سابقاً في بيروت. معاً يُمسكان بعقرب الوقت، ويبتكران حتى للغياب أذنين يُصغيان بهما إلى صخب الحاضر" (جريدة الحياة، 13 تشرين الثاني 2013). أما الشاعر أنسي الحاج فكتب عن ديوانها الثاني: "مجموعة بوّاب الذاكرة الفظ لزينب عسَّاف، غاصّة بدموع حزنها المشرق، حيث ترى القمر بداية النفق وهو بين دفَّتَيها بدايته ونهايته" (جريدة الأخبار، 27 تشرين الأول 2007). وعن الديوان ذاته كتب الشاعر شوقي بزيع: "تتحرّك تجربة زينب عساف في أفق مغاير لمعظم ما نقرأه عند مثيلاتها، أو سابقاتها، من الكاتبات العربيات... وتُشكِّل قصيدة "القمر أول النفق" الطويلة انعطافةً حقيقيةً في إطار ما يُعرف بقصيدة الحرب" (جريدة الحياة، 21 تشرين الأول 2007). أما الناقد والشاعر عبده وازن فكتب عن ديوانها الأول: "زينب عساف شاعرة جريئة جداً، تكتب الشعر كما تحياه... إلا أن أهمية شعر زينب عساف لا تكمن فقط في الجرأة التي اتَّسمَ بها، وفي فضح الجذور التي يملكها، بل في ما يحمل أيضاً من مغامرة داخل اللغة نفسها وفي صميم القصيدة... ولا أعتقد بأن ثمة شاعرة تجرأت على قطع الحبل السرّي الذي يربطها بذاكرتها الأولى مثلما فعلت هذه الشاعرة الشابة" (جريدة الحياة، 3 آذار 2006). من أجواء ديوان "فراشة ميتة بعد إطباق كتاب عليها" نقرأ: بياضٌ كان قصيدة مكان الكلمات البسيطة حول الحب والغيرة والجنّة والنار والأسود والأبيض في هذا المكان الذي زارته ممحاة ناقدٍ قاسي القلب أنا مضطرّة لكتابة أشياء أكثر نضجاً أنا مضطرّة لأن أتنكّر لطفولة أحرفي وتيهها البريء لأنني كبرت كما قالوا والنضجُ طلاءُ الألم باللغة. جالسة قرب اللغة أتنحنح 1 هل تصدّق بأنني صرت أصطنع الكلام؟ كما أرسم عيناً بالماسكارا كما أبتسم للشمس الجديدة على الطريق السريعة جالسة قرب اللغة أتنحنحُ ولا سبيل لبدء الحديث لعلّها هي أيضاً بقيت هناك 2 الكلمات التي لا نقولها موجودة أيضاً إسأل الأشرعة البيضاء وعينَيك إذ تنزلقان نحو الأفق أ ماء أم ابتسامة كان صيد النظرة؟ ثمة انسياب ما أمامنا، مساحة للتأمُّل سأُسكِنك هذه الجملة بعد حلول الليل عندها على الأقل لن يقتلني نورُ الظهيرة 3 أسميتها "ممرَّات معطَّرة بالشاي الأخضر" وكانت قصيدة أو قصّة سريعة جداً فيها مسيح صغير وسنبلة نبتتْ قربه لأنه ناداها: "يا مريم المجدليّة"! لكنها ضاعت كما ضاع ذاك المساء بعدما بلَّل أرجلَنا برذاذه الخفيف. قصيدة جافّة تُصاب اللغة بداء المفاصل أيضاً مع الوقت تبدأ بالأزيز المؤلم كبابٍ عتيق ونمرّ جنبها أحياناً لإلقاء التحية أو لندّعي اجتراحَ قصيدةٍ. عند باب المتجر هناك وقف برجله الوحيدة كمالكٍ حزين. كان يشبه "الله أكبر" تتردّد في صباح قرية نائية أو حزناً عتيقاً ينبعث من موسيقى الأجراس الصينيّة. لم يقل كلمةً بل رفع بقبضةٍ مشدودة كأساً بلاستيكية. كأسه الفارغة صفعت كثيرين في نظرتهم فاستداروا، ألقوا له بمعادن الأرض والتقطوا ابتسامته الجارية على الرصيف، ثم دخلوا الدنيا مرتاحي الضمير وكانت ثمارٌ وصدورُ صبايا عارمةٌ في انتظارهم. امرأة عائدة من سهرة هل أعلم كم سيتراكم الليل والثلج على جثّتي؟ تلك التي قال رجال كُثُر إنها فاتنة والتي لففتها بالحرير حيناً وبالخيش والحرمان أكثر؟ ها إني أسحب لغتي من نفسها كمن يستخرج شعرةً من عجين. من المرآة أطلّت عليّ امرأة قتلني حزنُ عينَيها بوجهٍ أخرس وعينان لم تحتفظا بما مرّ بهما من مشاهد. كانت نصف قدّيسة ونصف عاهرة كانت بينَ بينَ وطالبتُها بالوضوح، رأيت خلفها ضحكات نساء ساذجة الحنان اصطدمت بالزجاج وماتت. كان الخلف عواطفَ يابسةً والأمام عواطفَ متجمِّدةً كان كلّ شيء في وضعه الأيقونيّ: الآيات العربية المقدّسة الأفكار العارية الهاربة من اللغة الحبّ الباذخ والكره المدوّي لم يبقَ سوى الصمت الأعمق الذي يلي سهرةً عادية.