ونحن نعيش في خضم المأساة ونكابد الظلم والجور الذي لحق بنا جراء طريقة تعامل ذلك النسيج الاجتماعي المسمى قبيلة الذي فرض نفسه في العربية اليمنية وهيمن على كل مفاصل البلاد ونصّب نفسه بديلاً عن الدولة التي لم تقم أصلاً هناك منذ عقود ولم ولن يسمح بقيامها وما الأحداث التي مرت بها العربية اليمنية منذ الإطاحة والانقلاب القبلي على المشير عبدالله السلال وما تلاه من انقلابات دموية حتى قيام الوحدة في مطلع تسعينيات القرن الماضي استبشر الجميع خيراً وظنوا إن القبيلة عادت إلى رشدها وغلّبت مصلحة البلاد العامة على مآربها وأطماعها وتخلت عن هيمنتها واستعبادها لمعظم شعب العربية اليمنية إلاّ أن ذلك التفاؤل سرعان ما تبدد ولاحت في الأفق نية تلك القوى القبيلة في اتساع رقعة هيمنتها وتسلطها على رقاب العباد وراودت أحلامها اتساع مساحة الغنيمة والفيد فغلب عليها الطبع والطبع يغلب التطبع فعمدوا إلى الانقلابات ونكث العهود والمواثيق فأجهزوا على اتفاقية الوحدة ومارسوا هوايتهم المفضلة في قتل واغتيال الكوادر الجنوبية وافتعلوا أزمة في البلاد تم على إثرها صياغة معاهدة جديدة أسموها وثيقة العهد والاتفاق علها تقي البلاد شر آلة الحرب القبلية التي أعدوا لها جيداً وتحفظ الكيان الجديد المسمى الجمهورية اليمنية أو لنقل دولة الوحدة الاسم الذي استغلته القوى القبلية واستثمرت خيراته بعد أن أفرغته تماماً من محتواه النبيل وحدة بنية صادقة دخلوها الجنوبيون أمحتها تماماً من قلوبهم السيطرة والهيمنة القبلية سبع مرات بعد أن أطلقوا لآلة الحرب عنانها لتحصد بالجملة أرواح الجنوبيين جُلهم من الأبرياء دون رحمة أو وازع من ضمير ، ضمائر تجردت من الإنسانية وسمحت لنفسها بإصدار فتاوى تهاوى على إثرها رجال القبيلة طالبين الجنة واجتاحوا أرض الجنوب واحتلوها بموجب تلك الفتاوى والتي لم تزل سارية المفعول حتى الآن والحقيقة أننا لسنا بصدد الحديث عن كيف تم احتلال الجنوب ؟ ولا كيف تمكنت القبيلة من قتل الوحدة ؟ ولا كيف أقنعت وأوهمت الآخرين بأنها دولة ؟ ولا كيف سيطرت وفرضت نفسها وأساليبها على كل مناحي الحياة ؟ ولكننا نريد الحديث عن المفهوم والتعامل الخاطئ للقبيلة اليمنية التي تحاول نقله إلى الجنوب وتلويث سمعة القبيلة الجنوبية وجرها إلى أفعال ما أنزل الله بها من سلطان ولكن قبل البدء دعونا نعرّج على المفهوم اللغوي والإسلامي للقبيلة ، فالقبيلة لغوياً بحسب المعجم الوسيط تعني مجموعة من الناس تنتسب إلى أبٍ أو جدٍ واحدٍ ، أما مفهوم القبيلة في الإسلام فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم آياته ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) ) ويفهم من الآية إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس من ذكرٍ وأنثى في إشارة إلى آدم وحواء مما يدلل بوضوح ويؤكد تساويهم في الخلق وانتسابهم إلى نفسٍ واحدةٍ ، ثم أخبر سبحانه وتعالى ما جعلهم شعوباً وقبائل إلاّ فقط للتعارف وذكر ابن كثير إن مفهوم كلمة شعوب أعم من مفهوم كلمة قبائل وقيل المراد بالشعوب بطون العجم وبالقبائل بطون العرب وفي هذا دلالة أعمق من أن مرتبة كرامة الإنسان ليست حكراً على فئة معينة من الناس بل الإنسان نفسه يرتقي مرتبة وكرامة عند الله من خلال تقواه لله سبحانه وتعالى وهذا ما يؤكده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال ( لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلاّ بالتقوى ) . ولهذا تتساوى الناس في البشرية وما جعلهم الله سبحانه وتعالى شعوباً وقبائل إلا ليحصل التعارف بينهم وكلٌ يرجع إلى قبيلته والكلام لابن كثير رحمه الله ، هذا المنبع والمنهل الإسلامي العذب تستقي وتنهل منه القبيلة مبادئها وقيمها وشيمها وأخلاقها وتعاملاتها مع الآخرين ولا مجال للهيمنة والاستعلاء والاستكبار وفرض النفوذ أو أن تذهب أبعد مما خصها الله به على أنها نسيج اجتماعي فاعل ينصهر في تعاملاته مع بقية فئات المجتمع خاضعين جميعاً لمنظومة الشرائع الإسلامية وقوانين ونظم الدولة التي تتقوى بها أركانها وتحفظ هيبتها وتنظم حياة الناس ولا تتعارض مع شرع الله دولة تكفل لهم حقوقهم وتفي بها و تحفظ أمنهم وحريتهم والتعايش السلمي فيما بينهم وسلامة ممتلكاتهم وتؤمّن لهم العيش الكريم ، وعليهم واجبات لا بد من القيام بها واجبات تساعد الدولة على السيادة و الاستقرار والأمن والبناء والتطوير ، هذه القبيلة التي حث عليها وارتضاها ديننا الإسلامي الحنيف ونسعى جميعاً إلى بلورة مفهومها بين أوساط مجتمعنا الجنوبي وننبذ كل مفاهيم وعادات وتقاليد دخيلة لا تمت إلى تعاليم ديننا بأي صلة ولا سبق للقبيلة في الجنوب أن تعاملت بها عادات وتقاليد تسوقنا فيما إذا تعاملنا أو تمسكنا بها إلى حتفنا لا سمح الله شئنا أم أبينا وتفضي بنا إلى فوضى وعشوائية في كل تعاملات حياتنا وتدخلنا إلى غابة تكسوها العصبيات والصراعات وتؤجج نيرانها الفتن والثأرات فلا تقوم لنا قائمة ونبقى خارج نطاق العصر والتاريخ إلى ما شاء الله عائشين في مرحلة اللا دولة تتقاذفنا الأهواء وتتحكم فينا نزوات الشياطين والحقيقة أن التاريخ وعلم الاجتماع يذكران أن الدولة والقبيلة لا تلتقيان وحتى لا نذهب بعيداً بمفهومنا من تلك العبارة ونطلق لتأويلاتنا عنانها ونسرح في وادي التفسيرات نقول إن القبيلة التي تنصّب نفسها بديلاً عن الدولة وتسعى للسيطرة على مقدرات البلاد والتحكم في العباد تحت أي ذريعة من الذرائع نجد إنها المقصودة بذلك المغزى وعلى النقيض من ذلك تأتي القبيلة بمفهومها الإسلامي والعربي الأصيل رافداً وداعماً قوياً للدولة وأصل من أصول المجتمع المدني وجزء لا يتجزأ منه تؤثر وتتأثر بتعاملاته وهذا ما عهدناه من كافة قبائلنا الجنوبية حريصة كل الحرص على سلامتها وسلامة مجتمعها المحيط بها لا تقبل العيش إلا في ظل سيادة الدولة وعدالة القانون ، واليوم و بلادنا تمر بأخطر مرحلة تمس سيادتها وكرامة شعبها وحريتها وأمنها واستقرارها، مرحلة بالفعل ينبغي أن يتجسد فيها الروح الإسلامي القويم الذي تتخلق به قبائل الجنوب كافة وأفراد الشعب الجنوبي ، يتجسد على أرض الواقع في مجموعة من الواجبات تقتضي الضرورة القيام بها تجاه أرضنا وشعبنا أهمها أن نقف صفاً واحداً وعلى قلب رجل واحد واضعين مصلحة الوطن الجنوبي والشعب الجنوبي فوق كل المصالح لنثبت للجميع أننا سائرون على طريق التحرير والاستقلال واستعادة سيادتنا على أرضنا ودولتنا وهويتنا وأن خلاف ذلك غير وارد في قاموس شعب الجنوب بمختلف شرائحه الاجتماعية ومكوناته الثورية ومنظمات المجتمع المدني وأن ما راهنت عليه قوى الهيمنة والاستكبار في العربية اليمنية من خلخلة ودس عادات وأعراف دخيلة على القبيلة في الجنوب تهدف إلى تحجيمها وجعلها ورقة رابحة في يدها تتحكم فيها كيف و متى شاءت رهانات كلها ذهبت أدراج الرياح لتبقى القبيلة الجنوبية طوداً شامخاً وقمة شماء يصعب على الدخيل الصعود إليها أو النيل منها أو الإنفراد بها أو حتى حرف خط سيرها القويم برفقة القافلة الجنوبية السائرة في طريق التحرير والاستقلال وبناء الدولة الجنوبية المدنية الحديثة بإذن الله تعالى .