الابتعاد عن الفطرة يفقدنا الاستمتاع بها، والأرض لها فطرتها التي خلقها الله عليها، والتغييرات التي نرتكبها لإخضاع الأرض لخططنا المستقبلية، يفقدنا الكثير من ميزاتها التي وضعها الحكيم الخبير، فشق الجبال وهدّها لعمل طرق سريعة هو افتعال قسري يُؤثر على استقرار الأرض، وربما أدى لوقوع زلازل -لا قدر الله- قال جل شأنه: "وَألْقَى فِي الْأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ" من يضمن أن تحطيم الجبال وتغيير حجمها وتقليل وزنها أمر آمن، ولا يترتب عليه أضرار جسيمة؟! كذلك رد محللون أسباب غرق كثير من المدن بالأمطار إلى ردم الأودية وإقامة مبانٍ عليها، في عمليات تغيير (فطرة الله) التي خلق الأرض عليها ويسّرها لتلقي الأقدار الكونية، كذلك فعلنا حين اقتلعنا النخيل من بساتين كثيرة وحرمنا مدننا من متنفسات طبيعية وأراضٍ جعلها الله زراعية وأردناها تجارية واستثمارات عقارية! الأحياء و(منفوحة) مثلًا البلدة التي تحدّث عنها المؤرخون كالأصفهاني والهمذاني والبكري وياقوت الحموي وغيرهم، وزارها عدد من الرحّالة، ودوّنوا مشاهداتهم عنها وعن عراقتها الممتدة لآلاف السنين وسكنى (صناجة العرب) بها، وربما كان الكاتب السعودي راشد بن محمد بن عساكر آخر من وثّق تاريخ منفوحة منذ العصر الجاهلي وحتى تأسيس الدولة السعودية الثانية، متفحصًا إرثها الاجتماعي وأمراءها ومواقفها السياسية، متعمِّقًا في تاريخها، وموقعها الجغرافي وموقفها السياسي من الأحداث التي وقعت على مر التاريخ وانعكاساتها عليها، وكذلك كَتَب عن أمرائها والحياة الاجتماعية ونشاطها الاقتصادي والزراعي، إضافة إلى معالمها الأثرية، المدعومة بعدد من الخرائط والصور والوثائق. إن بلدة ك(منفوحة) لها كل هذا التاريخ، حقيقة ينبغي ألا تبقى على حالها المُتردّي! (منفوحة) المنسية التي كان من حسنات الحملة التصحيحية لأوضاع العمالة الوافدة أن وضعتها في صدارة أحاديثنا كنموذج للأحياء الشعبية المهملة، استعدنا شعورنا بقيمتها التاريخية الكبيرة، التي نأسى عليها وعلى ما آلت إليه. منفوحة التي قال فيها (أعشاها): شاقتك من قتلة أطلالها بالشط فالوتر فالحاجر فركن مهراس إلى مارد فقاع منفوحة فالحائر من الأحياء التي غيّرت فطرتها واختلفت ملامحها وهدمت أسوارها، واختفى مرقبها التاريخي ومسجدا (القبلي والقرين) و(مجبب حسن) وساحة (الحويطة) وحدودها الأربعة، ومبانيها وسط تعملق الأحياء العاصمية حولها، وفقدت صفاتها الزراعية ومتاخمتها لوادي حنيفة ولم تعد سوى بضع منازل شعبية وضيعة متراصة وأزقة مخيفة يخشاها المواطنون. نتمنى أن تمتد لها يد الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والهيئة العامة للآثار والسياحة وتنظمان حملة لاستعادة هويتها التاريخية، كما فعلت حملة تصحيح أوضاع العمالة باستعادتها، ماذا لو فتحت (منفوحة) كمقاهٍ شعبية أدبية قيمة، وأصبحت معلمًا سياحيًا محاطًا بالنخيل يشقه وادي حنيفة قبل أن يفتعل التغيير في مدننا وأحيائنا. لدينا تاريخ عريق ومعالم تستحق أن تحفظ وتحمى وتبعث فيها الحياة وتسلط عليها عدسات الإعلام وريش الفنانين وقصائد الشعراء. @511_QaharYazeed [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (71) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain