نساء ثكلى وأرامل حبلى، رُضّع جياع وأطفال تاهت بهم البقاع، عجائز شردتهم الخيام ودعوات على الظالم يحملها لهم الغمام. تكالبت عليهم المآسي وتنازعتهم الفتن، صغيرهم من الزمهرير يقاسي وكبيرهم تعصف بقلبه المحن، ما أنصفهم حكم ولا قانون ولا مأوى عن قسوة الأيام به يستظلون. قذائف الظلم والدمار قد أشعلت في نفوسهم نيران الصدود، وسعّرت في قلوبهم حمم التخاذل والركود. يفترشون بقاع الثلوج ويلتحفون صقيعاً أهدته لهم بيداء العراء بعد أن كانت مروجاً، تحجّرت في مآقيهم الدموع، وتكسّرت المشاعر من مشاهد الهوان والخنوع. فلا تكن أنت أيضاً على أثقالهم حملاً، ولا تزد أوجاعهم وزناً، وأسهم في تخفيف الألم وازرع لهم البسمة أملاً، واجعل لهم من عطائك المدد، وأسهم في حملة التدفئة لهم تنفعك ببركة العمر الآن، وعندما يتوارى جسدك غداً تحت اللحد. أطفال وشعب بلاد الشام، اجعل من عطائك عود الثقاب الذي يشعل لهم مدفأة الحياة بالأمل. إحسانك لهم هو الدفء فدثرهم عن البرد القارس بأغطية العطاء، وأشعل لهم مواقد الرحمة ملاذاً، ولآلامهم سكناً، ولأوجاعهم بلسماً. جُد بالعطاء لهم لتُزهِر في نفسك حدائق الخير ويستظل بها ضميرك؛ فأنت جزءٌ من منظومة الكون الذي يفجر طاقاته كل يومٍ دون كللٍ أو ملل؛ ليشبع الكون عطاء غير محدود؛ فكما تشرق الشمس بنورها المعطاء، وتنبت الأرض رياضها الغناء، وتُمطِرُ السماء بمزنها العذب حد الارتواء، فاجعل لك في دروب الخير بصمة وإمضاء، وسابق إلى الصالحات من الأعمال ما دمت حيّاً وعلى قيد البقاء، وربِّ أبناءك على مبادئ الإيثار والعطاء، واجعل لهم في الخير مسلكاً يزداد كل يوم بنماء لتوازن فيهم بين تربية الأبدان وتربية الإحسان والسخاء. أطفال الشام يناشدون قلوب الإنسانية لترفع عنهم حصار الفقد والألم، يمدون إليكم أكفّاً تتصلب أناملها من خواء الشجن، فعانقوا أكفهم بحرارة العطاء لتسري في أوردتهم حرارة الحياة، وينبض في قلوبهم دفء المشاعر ومعنى الإخاء؛ فنحن جميعاً أخوة في العروبة وفي الدم، وللإنسانية فيهم حق علينا ودين لابد أن نوفيه في الذمم. همسة .. دفئوا أجسادكم غداً تحت الثرى بالمساهمة بما تقدمونه لهم بكل ما من شأنه أن يبعث الدفء في أوصالهم. دفئوا قبوركم بأعمالكم الصالحة. [email protected] The post دفئهم بعطائك appeared first on صحيفة الرؤية.