في حي الفهيدي التاريخي بدبي، ابتدأت قصة مكان بعنوان «مجلس العريش».. تبدو الحكاية قديمة، يعود تاريخها إلى بداية السبعينيات، حينما اجتمع مجموعة من الصبية للعب الكرة في المساء.. تجمع بينهم براءة الطفولة.. يضعون الكرة في غرفة صغيرة مصنوعة من الخشب يطلق عليها «الصندقة»، ثم يجلس الجميع بجانبها لتبادل أطراف الحديث، وقد تمتد الدردشة فيما بينهم إلى وقت طويل، مما جعل البعض يجلب ما لذ وطاب من البيت لا سيما «دلة الشاي والقهوة»، وإعداد موائد بسيطة من الفواكه في وقت لاحق «الفوالة» ثم تقديمها مجاناً للزوار، وبمرور الوقت استقطب المكان بعض الجاليات الأجنبية ليصبح المجلس مركزاً لتلاقح أفكار الشباب من مختلف الثقافات. في الثمانينيات، تطور طموح الأصدقاء البالغ عددهم نحو 45 فرداً حيال المجلس، وقرر الجميع ومن بينهم المواطن أحمد بوجسيم استئجار المنزل رقم 23 بعد أن غادر أصحابه المنطقة للإقامة في منطقة أخرى بدبي، والمثير هو انتماء أعضاء المجلس إلى فرجان ومدارس مختلفة، فبعضهم كان يدرس في مدرسة الشعب وآخر في مدرسة جمال عبدالناصر وآخرون في المدرسة الصناعية وغيرها من المدارس. لم الشمل تناقص عدد المترددين على المجلس بعد إنهاء الدراسة التربوية حسب ما لاحظ بوجسيم أحد المؤسسين للمجلس، فهناك من ذهب للدراسة في الخارج، وآخرون التحقوا بالجامعات والكليات العسكرية، وافتقد المكان بعض مرتاديه، لكن سرعان ما عاد اجتماع لم الشمل في التسعينيات بعد غربة ابتعاث بعض الأصدقاء، ليظل المجلس مستمراً بنبض القلب الواحد بين الجميع، وقد تطور المجلس شكلاً ومضموناً بعد نهل الجميع العلم من مختلف الدول والمصادر، وأغدق الأعضاء على المكان بعد تحسن المستوى المعيشي، وفي المجمل بدا المجلس محطة لوجهات النظر المختلفة التي تخدم مصلحة الوطن، لاسيما وأن المهمة بإرشاد السياح وتعريفهم بكرم الضيافة الإماراتية لا يزال قائماً إلى الآن. الحكاية لم تقف عند هذا الحد، فقد أكملها بوجسيم قائلاً: المجلس تأسس على كرم الضيافة، نكرم الزوار والسياح الأجانب بتقديم الشاي والقهوة والتمر وإقامة مآدب العشاء حيناً لتقديم الصورة الحقيقية عن كرم الضيافة لدى أهل الإمارات، ورغم اختفاء المجلس عن وسائل الإعلام، إلا أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قد تعرف على المجلس أثناء زيارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش للإمارات، وأمر سموه بتلبية احتياجات المجلس كافة. أهم الأحياء ذكر محمد عبدالرحيم درويش إداري، أن الكثير من الوفود الأجنبية زارت المجلس وتعرفت على عادات أهل الإمارات بمفهوم أدق، وقد تناولت بعض وسائل الإعلام الأجنبية المجلس باعتباره جزءاً من الأماكن السياحية في الإمارات، أبرزها بعض قنوات التلفاز الألمانية والإيطالية واليابانية وفرق إعلامية من الصين وفرنسا، إلى جانب قناة البرازيل وغيرها من وسائل الإعلام الغربي الأخرى. مشيراً إلى أنه قد زارهم وفد من هيئة تنمية المجتمع ذات مرة، ومكث الجميع منذ الصباح وحتى المساء للاضطلاع على دور المجلس كونه واجهة على أحد أهم الأحياء التراثية في إمارة دبي، وفوجئ الوفد بزيارات متعددة لسياح أجانب حرص من خلالها أعضاء المجلس على تقديم المعلومات عن المنطقة والإجابة عن جميع الاستفسارات الأخرى، وقبل أن يغادر وفد هيئة تنمية المجتمع قالوا إن زيارتهم كان الهدف منها توجيه المجلس نحو إرشاد السياح، لكن الرد جاء سريعاً مصحوباً بفعل مشهود. أكد خلفان الهاجري من المؤسسين للمجلس، أن ثمة تواصلاً على الصعيدين الداخلي والخارجي للمجلس في دول الخليج مثل قطر وعمان، للبحث والتنسيق في أفضل السبل والممارسات السياحية والإرشادية التي من شأنها تطوير أداء المجلس وتفعيل دوره المجتمعي والسياحي، لافتاً إلى أن أكثر السياح توافداً على المكان هم الألمان إذ تبلغ نسبتهم نحو 60% من إجمالي الزوار، نتيجة تضمين المجلس في صفحات كتب وزارة السياحة الألمانية. وسائل حديثة قال أحمد بوجسيم إن المجلس واكب التطورات على الساحة الرقمية من خلال تأسيس حسابات عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة مثل «فيسبوك» و«الانستغرام» وغيرها من الوسائل الأخرى، مضيفاً إن تعاون بعض الجهات مثل هيئة تنمية المجتمع ومركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، في احتفالات العيد الوطني ومختلف المناسبات الأخرى ساهم في ارتقاء خدمات المجلس على نحو أفضل أمام السياح والزوار في المنطقة. الفهيدي منطقة تراثية تجذب السياح تُعتبر بيوت حي الفهيدي التاريخي العتيقة، وأبراجها الهوائية، والأرصفة المعبّدة بالحجارة ذات الطابع الخليجي من الوجهات الثقافية النابضة بالحياة التي يقصدها الزوار وخاصة السياح الأجانب، يستضيف حي الفهيدي التاريخي المعارض الفنية بما فيها معرض حي الفهيدي التاريخي الفني، وتمتاز بوجود استوديوهات ومتاحف ومقاهٍ عربية ساحرة فيها، حيث تعتبر من الأماكن التي يفضلها السياح والمقيمون الذين يبحثون عن المعالم الثقافية. إن سحر العالم القديم الواضح في معالم حي الفهيدي التاريخي وأبنيته يعيد للأذهان نمط الفن المعماري الفريد لمدينة دبي، المطل على الخور والذي حافظت بلدية دبي على بنائه التاريخي، في الوقت الذي شيدت فيه الأبنية الحديثة على الطرف الثاني من الخور. يرتبط تاريخ دبي ارتباطاً وثيقاً بمنطقة حي الفهيدي التاريخي، والذي تأسس في عام 1859. ومن أشهر المعالم الأثرية في المنطقة قلعة الفهيدي ومتحف دبي، الذي تتهاتف عليه كاميرات السياح لحفظ لقطات من هذا البناء والصرح التاريخي العريق. وتتكون منازل المنطقة من الحجر الأحمر والجبس والرمال، وتكسوها الزخارف المعقدة من الخشب والحجر. طرازها المعماري فريد من نوعه من خلال مبانيها المتراصة وأبراجها الشاهقة وأزقتها الضيقة التي تشير إلى مرحلة مهمة في تاريخ العمارة والتطور المدني والحضري للمدينة. تقع منطقة الفهيدي في منطقة بر دبي، وتمتد بمحاذاة الخور. وقد بدأت أعمال الترميم فيها عام 1996 وفق برنامج زمني مدروس لإعادة تأهيل المنطقة بكاملها لخصوصيتها العمرانية والمعمارية، وتقرر أن تكون منطقة نوعية للتراث، تعمل على تنشيط السياحة من خلال المتاحف والمراكز والمعارض والفنادق والأسواق التقليدية وغيرها. إعادة بناء هذه المنطقة التاريخية دفعت الحياة والنشاط مجدداً إلى مبانيها، حيث تم توظيفها لتمارس فيها مختلف أنواع الأنشطة، التي تهم السياح لمشاهدة التاريخ في دبي وعراقته. الفهيدي.. من المناطق التراثية النادرة المتبقية في منطقة الخليج، واستطاعت أن تحافظ على طابعها المعماري كالأبواب الخشبية المنقوشة والنوافذ الخشبية والزخارف الجصية والتيجان والأقواس. حفلات زفاف بثوب التراث.. وطرائف مع السياح شمل مجلس العريش ضمن أهدافه المرسومة، التركيز على الشباب، وتوعيتهم في الجانب المجتمعي والتراثي وخلافها، وتنظيم حفلات زفاف المواطنين، وقد نجحت إدارة المجلس في إقامة 3 حفلات زفاف مؤخراً، ونجح المجلس في تقليص التكاليف على الشباب من خلال إعداد الطعام بأقل اسعار مخفضة مما جعل الحفلات تزهو بثوب تراثي استمدته من مكان الحدث. ردود أفعال مواقف لا تخلو من الإثارة لفت إليها فاروق العور عضو مجلس الإدارة، أبرزها زيارة أحد المواطنين مع أفراد أسرته إلى استراليا، الذي فوجئ أثناء جولته السياحية بترحيب أهالي إحدى المناطق هناك، واستقبلوهم بحرارة منقطعة النظير، بل وأصروا على تناول العشاء لديهم، مما أثار دهشة الأسرة الإماراتية إلى حد كبير، ثم دفعهم هذا التصرف إلى السؤال عن سبب الاهتمام الجم والحفاوة غير طبيعية، فأجاب أهالي المنطقة بأنهم زاروا الإمارات في وقت سابق، وحظوا بالضيافة ذاتها في مجلس العريش، مما أثار حفيظة المواطن الإماراتي للبحث عن المجلس بعد العودة إلى الوطن، وجاء إلى المنطقة بحثاً عن المكان، وسرد ما حدث معه مثنياً على مبادرة مرتادي المجلس وكرمهم المضياف حيال الزوار الأجانب باعتباره سلوكاً يعكس صورة مشرقة عن كرم أهل الإمارات. تصرف حضاري ليس هذا فحسب، وإنما واجه محمد الجناحي مواقف أخرى لمسؤولي دول أجنبية زاروا المجلس، ويتعرف الضيوف على المعلومات بعد الجلوس، وصادف أن طلب معظمهم ارتداء الزي الإماراتي، ويبادر الجميع بتلبية الطلب والتقاط الصور إن أراد أيضاً، ثم يخرج من جيبه مبلغاً من المال قد يصل أحياناً إلى 200 دولار على غرار ما يتم في المواقع السياحية في الدول الأخرى، لكن في المقابل يجيبه الجميع بأن المجلس يقدم خدماته مجاناً سعياً في ترسيخ مبادئ الضيافة الإماراتية للسياح وليسوا في حاجة للمال وإنما يبحثون عن رضا الزوار، ما يترك المسؤول في دهشة من تصرف الرجل الإماراتي اللبق. كرم ضيافة علاوة على ذلك، قال الجناحي إن رجلاً مكسيكياً زار المكان بصحبة زوجته تناولا الشاي والقهوة، وكلما انتهى أحدهما من احتساء الشاي، أحضر مرتادو المجلس نوعاً آخر من الشاي، وتحدث الرجل إلى زوجته بلغته الأجنبية قائلاً إن الهدف من هذا الكرم هو مضاعفة الحساب والنيل من جيوبهما، لكنه فوجئ عند طلب الحساب بأن ما حصل عليه مجاناً، وفسر الجميع بناء علاقة ود مع الزوار، مشيراً إلى أن الموقف ذاته قد تكرر مع رجل آخر من النمسا أثنى على كرم الضيافة الإماراتية بعد أن فوجئ بعدم وجود فاتورة.