إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب تسمعها مرارًا وتكرارًا من مختلف طبقات الناس، وهذه الكلمة الموجزة تحمل تصورًا كاملاً للحياة. ولو تمثلنا بها ضد أعدائنا من الغزاة والمحتلين لكان الأمر سهلا، ولكن المؤسف أن نتمثل بها في مجتمعاتنا الإسلامية ضد بعضنا البعض هذا ما حذر منه خطيب جامع أم الخير في شارع التحلية بجدة الشيخ صالح بن محمد الجبري في خطبة الجمعة يوم أمس، حيث قال: يأتي خراب الحياة الاجتماعية، من خراب المفاهيم التي تسود فيها، ومن المفاهيم الفاسدة أن يقال إن الحياة غابة، وإنها صراع بين القوي والضعيف، فعليك أن تكون شرسًا مع الآخرين، وأن تتمثل بصفات الجبارين المعتدين حتى لا تؤكل، فإما أن تكون ذئبًا بين ذئاب الحياة، أو تكون فريسة لتلك الذئاب، فلا مكان للضعفاء في الأرض، ولا رحمة ولا قانون عند الأقوياء ومهما كانت الحملان وديعة وبريئة، فإن هذا مما يغري الذئب بالسطو والاعتداء، فعليك في قانون الغابة أن تكون مفترسًا حتى تسلم من أذى الأشرار.فالحياة في ظاهرها تبدوا أنها صراع بين القوي والضعيف، وفي حقيقتها هي صراع بين الخير والشر والحق والباطل، إنها ابتلاء وامتحان للناس، وعلى العاقل أن يكون مع الحق والمنطق لا مع الباطل والخطأ، بمعنى أن يكون عبدًا ربانيًا لا ذئبًا بشريًا وهو ما أشارت إليه آيات عدة في القرآن الكريم. فسلوك الإنسان يجب أن لا يحكمه الحرص والطمع، والنزوع نحو تحقيق المصالح الشخصية والمادية المؤقتة الفانية، وإنما يجب أن يكون سلوكه وفق منهج الله في الأرض، فلا يحشر نفسه في زمرة أهل البغي والظلم والعدوان، ولا مع المستكبرين والمفسدين ولا يكون عونًا لهم، ولا يتكالب على الدنيا بقصد جمعها ولو على حساب الآخرين، بل هو على النقيض من ذلك تمامًا يقف مع المظلوم ضد ظالمه، ومع الضعيف ضد القوي، وقد يدفع حياته ثمنا لموقف شريف، وهيهات أن يكون ذئبًا مثل غيره يصول ويجول ليأكل لحوم البشر، ويأخذ الدنيا من دماء ضحاياه ودموعهم وأشلائهم، فالدنيا رحلة مؤقتة، وفي الآخرة قصاص عادل والميزان فيها يزن بالذرة أن الحياة ليست غابة إلا في مفهوم من لا يؤمن بآخرة ولا جنة ولا نار، فهذا ينكب على الدنيا لا يطلب سواها، فهو يعمل كل ألوان الجرائم لأنه لا يؤمن بثواب ولا عقاب، أما المؤمن فهيهات أن يعتدي لأن الله لا يحب المعتدين.