مارلين سلوم إذا كنت من محبي السينما، فأنت بلا شك تعلم أنه ليس هناك أجمل من أن ترى بهجة طفل وأنت تأخذه من يده ليشاهد فيلماً في الصالة . لن يصبر طويلاً في طابور الشباك، فيشدك إلى الداخل وكله لهفة لاستقبال المتعة، بل تشعر بأنه ذاهب للقاء أحبة وأصدقاء له سيحتضنهم مطولاً ويتحدث إليهم . المشهد يتجسد بشدّة حين تذهب مع الأطفال لمشاهدة فيلم "مجمّد"، الذي يعرض حالياً في الإمارات، وملامح الدهشة تتواصل على وجوه الصغار حتى آخر الفيلم، هذا إذا استطعت أن تشيح بنظرك عن الشاشة لترى أي شيء من حولك، لأنك أنت أيضاً ستصاب بإبهار غير عادي، وتأخذك الأحداث إلى قلب الفيلم . في كل مرة تُصدر فيها شركة "والت ديزني" فيلماً، ينتابنا إحساس بأنها لن تستطيع منافسة نفسها لتقديم أفضل مما قدمت سابقاً، ولن نقول منافسة الآخرين، لأنها تبقى العلامة المميزة والرقم الصعب في عالم الأفلام المتحركة، والكرتون الساحر . لكن ديزني تثبت العكس، فتقدم ما هو أجمل أو أقوى أو أنجح . ومع "مجمّد" Frozen قدمت للكبار والصغار متعة كاملة، بفيلم شديد الإتقان فنياً، ويتضمن كل أسباب النجاح عالمياً . الحكاية هذه المرة كمرات عديدة سابقة، تنطلق من قصر الملك، وفيها الأميرة الحسناء التي تلهو مع أختها الصغيرة، واللهو ليس عادياً، إذ تتمتع الأميرة الكبرى بقوة خارقة لصنع الثلج، وكأنها "ساحرة الثلج" . لكنها تصيب أختها بأحد سهامها الجليدية في رأسها عن غير قصد، فتصاب بهلع شديد، يتوجب اللجوء إلى "العرّافين الأقزام"، حيث يخبرهم كبيرهم بأن إصابة آنا الصغرى بسيطة، لكن قدرة أختها الكبرى إلسا على تحويل كل شيء إلى جليد ستزداد، لذلك على والديها عزلها . تخاف إلسا من قدراتها الخارقة على كل مَن حولها، فتعزل نفسها دون أن تسمح لأختها بأن تراها . وبعد وفاة الأبوين، وبلوغ إلسا السن القانونية، تخرج إلى الأضواء لأول مرة وتسمح بفتح أبواب القصر ليتم تتويجها ملكة . لكن الأحداث تتطور سريعاً فينكشف أمر الملكة الجديدة، ما يضطرها إلى الهرب مخلفة وراءها مدينتها التي غمرها الثلج والصقيع بسبب غضب إلسا . إذا كانت البداية توحي بأنها ككل القصص "الخرافية" التي عودنا عليها عالم ديزني، إلا أن كل التفاصيل تأخذ منحنى مختلفاً لندخل إلى عالم مملوء بالعبارات الواقعية، والتحليل المنطقي، ما يؤكد أن جينيفر لي وكريس باك كاتبي القصة والسيناريو ومخرجي الفيلم أيضاً، يتعاملان مع الصغار باعتبارهم أبناء هذا الزمن، ويخاطبانهم بلسان العقل والعاطفة في آن، ويستخدمان مفردات شديدة الواقعية . فإلسا مثلاً قررت أن تتحرر من كل القيود بعد انكشاف أمرها، وتستمتع بطبيعتها المختلفة ك "ملكة الثلج" . وفي سبيل حريتها، وحرصاً على أختها آنا، تضطر إلى طرد هذه الأخيرة من قصرها الجليدي . ومن المواقف الملفتة، أن تقع آنا في غرام أول أمير شاب تصادفه، فتقرر الارتباط به، وهو ما يُعتبر عادياً ومتوقعاً في عالم الخيال الطفولي المملوء بالرومانسية والحياة الوردية . إنما في "مجمّد"، تعترض إلسا على زواج أختها المتسرع، ويظهر الشاب الفقير "كريستوف" الذي يساعد آنا في البحث عن أختها لإعادتها إلى القصر الذي يستغرب قرار الأميرة "الطائش" في الزواج من رجل لا تعرف عنه شيئاً، لأن الحب وحده لا يكفي . لأول مرة تسير الخرافة عكس القلب، تدحض فكرة "الحب من أول نظرة"، وتنتصر للعقل والتروي والمنطق، وللحب الذي يولد مع معرفة الآخر واكتشاف خصاله وحقيقة معدنه . ولأول مرة أيضاً، يعكس المشهد الخارجي الباطن البشري بشدة، فحالة الصقيع والعواصف الثلجية التي تتسبب بها إلسا، تعكس جليداً في المشاعر وبروداً في العواطف . وحين تصيب أختها للمرة الثانية لكن في قلبها، ينبئها كبير الأقزام بأنها تحتاج إلى قبلة حب كي تتوقف حالة التجمّد التي أصابت قلبها، وإلا فستموت . فيبدأ البحث عن الرجل الذي تحبه آنا قبل فوات الأوان، لتكتشف أن الأمير مخادع وقد استغلها، وأن كريستوف هو حبها الحقيقي . وبين الاثنين، يتأخر الوقت فينتشر الصقيع في بدن آنا، التي تضحي بذاتها من أجل إنقاذ أختها . هنا نفاجأ بأن القبلة المنتظرة تأتي من أختها وهي مملوءة بالحب، معيدة إلى آنا الحياة، وإلى إلسا قدرتها على العيش بشكل طبيعي، حيث يسود الربيع والدفء مع إحساسها بالحب والأمان، وتتحكم بغضبها وقدراتها لتنشر السعادة من حولها . نكتشف أيضاً أننا أمام مفهوم جديد لسينما الأطفال، يأخذ المنحى العائلي بشدة، وتطغى على الفيلم معاني الأخوة الجميلة التي تأتي قبل الحب أحياناً . كما تجعلنا شخصية "أولاف" رجل الثلج نحبها وتفرض نفسها كعنصر أساسي يشد المشاهد بظرفه طوال الأحداث . كل ما في الفيلم من قصة وإخراج ومؤثرات وصورة وصوت وأغانٍ وموسيقى يبهر الكبار والصغار، فيمر الوقت دون أن تشعر به، بل تتمنى أن يطول أكثر وأكثر . وبسرعة أصبحت إحدى أغاني الفيلم "LET IT GO" للمغنية ديمي لوفاتو مشهورة جداً ومتداولة على الإنترنت . لا تسأل عن إيرادات، بل اسأل عن صناعة سينمائية عالية الجودة، ومفاهيم جميلة نجحت في الوصول إلى عقول الصغار فتركت أثرها الإيجابي فيهم . ومن هنا تطلق حكمك على الفيلم .