حسنين كروم لم تتمكن الصحف الصادرة يوم الثلاثاء 24 كانون الاول/ديسمبر من اللحاق بتغطية العملية الارهابية التي وقعت في الواحدة صباحا ضد مديرية الامن في مدينة المنصورة، عاصمة محافظة الدقهلية، باستثناء جريدة ‘الاخبار' في صفحتها الثالثة، وأدت الى مقتل اكثر من ستة عشر ضابطا وجنديا ومدنيا وجرح اكثرمن مئة وثلاثين، وسارع الأخوان المسلمون الى اتهام النظام بأنه الذي دبر الجريمة، في بيان لحزب الحرية والعدالة نشرته جريدتهم ‘الحرية والعدالة' يوم الاربعاء، وجاء فيه نقلا عن تغطية زميلنا اسلام توفيق:'محاولة خائبة ترمي الى اثارة العداوة والبغضاء بين ابناء مصر واثارة الحرب الاهلية بينهم وصولا الى النموذج الجزائري والسوري، ومحاولة تشويه الحراك الثوري السلمي والحضاري'. واتهمت الجماعة رجل الاعمال القبطي نجيب ساويرس، من دون ذكر اسمه بالمشاركة في التخطيط للعملية بقولها: ‘لا يمكننا ان نغفل دعوة احد رجال الاعمال الطائفيين والمرتبطين بالغرب على العنف'. وهذا ما نشرته ‘الحرية والعدالة' في صفحتها الاولى، لكنها في صفحتها الخامسة نشرت تحقيقا لزميلتنا سامية خليل نفت اتهامها لساويرس بالتحريض على القتال بقولها نقلا عنه ردا على سؤال حول قيام الأخوان وحلفائهم باستخدام العنف لعرقلة الاستفتاء: ‘لو عملوا عنف هنواجهم بالعنف وكل القوى الليبرالية وانا رفضت نزولنا للمواجهة بمظاهرات ضدهم لاننا بنخاف على الدم المصري.. لو لجأوا للعنف هم احرار، الدولة مش قادرة هننزل كشعب'. اي انه استخدم كلمة ‘لو' اي ‘لو لجأوا للعنف يوم الاستفتاء سيتم الردعليهم'. أما زميلنا وصديقنا مجدي احمد حسين رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير صحيفة ‘الشعب' والمتحالف مع الجماعة، فقد اكد في تدوينه له فور وقوع العملية أن ساويرس والانقلاب هما من فعلها. وقال ان ‘هذا قرار استراتيجي للانقلاب، سبقته عمليات صغيرة في سيناء، أي أن الجيش هو الذي دبر عمليات قتل ضباطه وجنوده، المهم ان جماعة انصار بيت المقدس اصدرت بيانا بمسؤوليتهاعن العملية، بينما النظام والغالبية وجهوا اصابع الاتهام الى الأخوان المسلمين'. وإلى بعض مما عندنا: الثبات في الشدائد ونبدأ من يوم الخميس اذ حاول صاحبنا أحمد سيد، تشجيع الأعضاء على الثبات والتضحية، ومنع الخوف من التسلل الى قلوبهم بأن قال في ‘الحرية والعدالة': ‘وأول ما ينبغي أن يكون عليه العبد المؤمن عند الشدائد والمحن هو الثبات كما قال الله عز وجل: ‘يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فأثبتوا' ‘الأنفال: 45′، وفي مقابل هذا الثبات، الخوف الذي تعبر عنه غالباً بعبارات وأفعال تعكسه بوضوح لكنها تزينه في نفس صاحبه وتبعد عنه تأنيب نفسه ولومها عليه، نقول هذا ونحن نعلم أن الخوف شعور تلقائي ينتاب المرء عند تعرضه لخطر يهدد حياته أو عرضه أو ماله، ولكن طالما أن هذا الخوف ظل حبيس النفس يقاومه الشعور بالمسؤولية تجاه الحق، ومن ثم لا يقعد صاحبه، فلا بأس منه والله أعلم، فمن مظاهر الخوف المقعد طلب الامهال والتأخير ولو قليلا مثل أولئك الذين قال الله لهم: ‘قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا، أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة'، ‘النساء: 77′ ولقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ملحمة مفعمة بالشدائد والمحن، سطروا ثباتهم فيها صحائف من نور، ولعل أكثر ما اعتنى القرآن بتسجيله من واقع العصر الذي تنزل فيه هو جانب الثبات والخوف عند الشدائد والمحن، فمن مظاهر الخوف ما يكون قبل وقوع اللقاء فترتجف القلوب وتبدأ النفس في البحث عن حجة تلتمس بها الاعتذار عن المشاركة والحضور كقول المنافقين ‘ولا تنفروا في الحر'. ومن مظاهر الخوف المقعد كذلك الاعتذار والتعلل بالعجز والضعف والعورة، وهذا على أحسن حال تراه يخرج في ما كان خفيف التكاليف قليل المؤنة، ومن مظاهر الخوف المقعد التباطؤ عن الخروج لينظر في الأمر حتى إذا خرج الناس واطمأن لنصرهم اجتهد في اللحاق بهم وندم على تضييع الفرصة، وإن أصابهم مكروه فرح أنه لم يكن معهم. وحين تنزل الشدة يظهر الخوف في إساءة الظن بالله والشك في صدق وعده للمؤمنين فتجد لسان الحال يقول: ‘وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً' ومن مظاهر الخوف والشك في موعود الله الرعب والهلع من عواقب الأمور وتضخيم التوقعات السيئة مثلما فعل المنافقون في الحديبية، وهم لا يكتفون بهذه الدعاية التي تشيع روح الانهزام فيمن حولهم، بل تراهم يثيرون الرعب والفزع بما يظهرون من خوف شديد وهلع قد يحمل القائد على اتخاذ موقف انهزامي لضعف ثقته بمن حوله: ‘فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت'، ‘الأحزاب: 19′ وقد يحملهم الخوف على الخيانة والعياذ بالله، هذه المظاهر التي تعكس حالة من مرض القلب بحب الدنيا والرغبة فيها والخوف الشديد من الموت وعدم الاستعداد للتضحية وضعف الايمان بالله واليوم الآخر، هذه الحالة ربما تكون مستترة لا تظهر في أوقات الرخاء واليسر لكن المحن والشدائد تأتي فتفضح أقواماً وترفع آخرين، فالمنافق يظهر جبنه وخوفه الذي قد يصل به إلى حد الخيانة لله ورسوله والمؤمنين والعياذ بالله، أما المؤمن فإنه قبل اللقاء يذكر الله عز وجل، يذكر أن الثبات من عنده والصبر من عنده وكل عطاء يطلبه هو من عند الله عز وجل فيسأله أن يفرغ عليه منه ويمنحه ما يرضيه تعالى عنه'. مواجهة الضعف بذكر الله ويوم السبت نشرت ‘الحرية والعدالة' وصية من وصايا جماعة دعاة من أجل الإصلاح، نصحت افرادها بالإكثار من الدعاء للتغلب على الخوف الذي قد ينتاب البعض، بقولها: ‘بذكر الله تتحول الصورة الذهنية والحالة المعنوية من الضيق إلى الراحة والسعادة، ولتعلم أخي أن تذكر الله هو الوسيلة الاكيدة لمواجهة الضعف البشري التي تنتابنا بين الفينة والفينة عندما نرى علو الباطل وانتفاشته وبطشه، وأفضل الذكر هو قراءة القرآن، ففيه تتعرف على الله وعلى أسمائه وصفاته، تتعرف على قدرته وأفعاله بالظالمين وما أعده لأهل الحق من حسن العاقبة، فالقرآن من أهم الوسائل لتثبيت القلوب في كل وقت، خاصة في هذه الأيام'. على الأزهر أن يعود لأصله ويقتصر على الكليات الشرعية وفي جريدة ‘الاخبار' عدد الخميس نقرأ للكاتب جمال الغيطاني اقتراحا بفصل الكليات العملية بجامعة الأزهر، عن كلياتها الأربع الرئيسية التي كانت قبل قانون تطوير الأزهر عام 1961 فقال: ‘نلاحظ أن ثمة جامعتين للأزهر، الأولى تلك المجاورة للأزهر نفسه وأعني بها الكليات التي تدرس أصول الدين والشريعة واللغة العربية، كلية أصول الدين هي الركن الركين للأزهر، وقد فشلت محاولات اختراقها من مذاهب ودول على امتداد العقود الماضية، هذه الكليات هي التي تشكل الأزهر التاريخي الحقيقي ولأنها ممتدة الجذور ولها تقاليد عريقة فلم تخرج منها مظاهرات إلا ضد الغزو الأجنبي ‘الاحتلال الفرنسي' ثورة 1919، ولم نسمع عن حركات إرهابية خرجت منها، ذلك ان طلاب الكليات الشرعية يدرسون الدين بعمق ومن مصادره الأصلية، لذلك يكونون أقرب إلى جوهره ومفهومه الشامل المستوعب لمبادئ وحقيقة الإنسانية لا عنف، لا دم، لا تشويه للإسلام باسم السياسة أو المرشد أو أي جماعة أخرى، الحل في رأيي فصل هذه الجامعة عن الأزهر وإعادة هيكلتها، بحيث تتبع جامعة عين شمس أو ينشأ كيان جديد ينظمها ويجعلها مفيدة للعلم والمجتمع وليقتصر الأزهر على الكليات الشرعية أي يعود الأزهر إلى أصله'. علي جمعة: ‘من يصوت بنعم مؤيد من الله' ونتحول من ‘الأخبار' إلى ‘الوطن' في اليوم ذاته الخميس لنجد أن الاستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة ومستشار الجريدة الدكتور محمود خليل، يهاجم مفتي مصر الاسبق قائلا: ‘الكلمة التحريضية التي شنف الدكتور علي جمعة آذاننا بها في مؤتمر ‘مصر بلدي'، وهو يدعو المصريين للنزول فرادى وجماعات للتصويت ب'نعم' للدستور تحمل العديد من الدلالات، لكنني أذكره بالمأساة التي يعيشها هذا البلد، منذ عقود طويلة بسبب خلط الدين بالسياسة فيقول ان من يصوت بنعم مؤيد من الله'، فماذا لو قرر أحد هؤلاء أن يذهب إلى الاستفتاء ويقول ‘لا' للدستور، وهل يعتبر في هذه الحالة مؤيدا من ‘الشيطان' وهل ينطبق وصف ‘الشيطنة' على من يقاطع؟ أنا أفهم ان الدكتور علي جمعة يقصد بكلامه هذا أنصار جماعة الأخوان، لكنني أظن ان هذا لا يبرر له نعت الأخوان ولا غيرهم من المعارضين بالمروق من ‘رحمة الله'، مصر اختلفت يا سادة، فلا تلعبوا دور الحاوي المفلس، لأن تلك الألعاب شاهدها الجمهور مرات كثيرة حتى ملها، بكفاياكم أرجزة!'. عُمان تتبنى موقفا عقلانيا اما زميلتنا الجميلة والرقيقة سناء السعيد، فقد أشادت يوم الأحد في ‘العالم اليوم' برفض سلطنة عُمان مشروع الاتحاد الخليجي الذي تقدمت به السعودية ووافقت عليه البحرين، وتحفظت الإمارات والكويت وقطر، وقالت سناء: ‘رفض عُمان للاتحاد هو ذكار سياسي وقرار صائب ومبرر يتسق مع نهج الاستقلالية الذي تبنته ويعكس شخصيتها المتفردة التي لا تقبل الانضواء تحت هيمنة الآخرين، وبالتالي لا يمكن ان تخضع لسياسات الاملاءات، ولا شك ان عُمان برفضها لدعوة الاتحاد تكون قد نأت بنفسها بعيدا عن النزوع نحو إذكاء الطائفية وكراهية الآخر وإشعال الفتن الداخلية في الدول الأخرى، وتبنت موقفاً يتسم بالواقعية لا يمكن للدول العربية وسط الأنواء الحادثة في المنطقة اليوم من جراء ثورات الربيع العربي، وفي ظل تمدد إسرائيل وأجندة أمريكا في الشرق الأوسط ان تخلق عدوا وهمياً، هو إيران الإسلامية، وبالتالى يتعين ألا تكون طرفا في أي مشروع ينظر له على انه موجه ضد إيران'. السياسة يجب أن تقدم العقل على العضلات اما في جريدة ‘الشروق' فيرى الكاتب فهمي هويدي ان ‘مصر على ابواب العرقنة' يقول: ‘عندما يشب أي حريق، فالعقلاء والأسوياء يبادرون إلى حصاره وإطفاء ناره، ووحدهم الحمقى والمجانين الذين يدعون إلى تأجيج ناره وتوسيع نطاقه. وأخشى ان يكون الصوت العالي والمسموع في مصر الآن لأولئك الاخيرين، الذين يلحون على الانتقام والتوسع في القمع والإسراع في عقد المحاكمات العسكرية ونصب المشانق وإهانة وإذلال المعتقلين والمشتبهين.... أدرى أن الكلام عن السياسة في مصر الآن من المكروهات بل المنكرات، باعتبار أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي تقودها الأجهزة الأمنية والسيادية. وهي التي صارت المصدر الأساسي لتشكيل الرأي العام، من خلال وسائل الإعلام، التي تحولت إلى ذراع لما يسمى بالتوجيه المعنوي التابع للمؤسسة الأمنية. والسياسة كما أفهمها هي التي تقدم العقل على العضلات وتتوسل بالحجة وليس بالهراوات، وتنتصر للمصلحة العليا للوطن قبل أ فصيل أو مؤسسة مهما كان سلطانها. العقل والرشد الذي أدعو إلى الانحياز إليه لا يستصحب أي تهاون مع الإرهاب وأهله، لكنه يدعو إلى التعامل معه بكل حزم وشدة يقررهما القانون. وهذا الاحتكام للقانون يقتضي تحديد الجناة، سواء كانوا محرضين أو فاعلين. وذلك جانب تختص به مؤسسات أمنية وقضائية، تنهض بمهمتها في ضوء الإجابة على السؤال من؟ وفي هذه الحالة فإن العقلاء والراشدين من أهل السياسة والفكر والإعلام يتعين عليهم أن يجيبوا على أسئلة أخرى مهمة من قبيل: لماذا؟ وما العمل؟ هؤلاء العقلاء والراشدون لابد لهم ان يدركوا ان الأمن مهمة أكبر بكثير من ان ينهض بها جهاز الأمن وحده. وان الكلام عن إقامة الدولة البوليسية والحكومة العسكرية والعودة إلى قانون الطوارئ، هو منزلق خطر لا يعيد إنتاج دولة الاستبداد فحسب، ولكنه يفرغ الثورة من مضمونها، ناهيك عن أنه يفتح الأبواب على مصراعيها لتأجيج نار الحريق وتوسيع نطاقه. ان أخشى ما أخشاه أن نكون بصدد الاستجابة لأصوات التصعيد والانفعال ودعاة إذكاء الحريق، بأكثر من الاستجابة لصوت العقل والرشد. ذلك اننا في حين ندعو إلى الحزم في التعامل مع الإرهاب، من خلال المؤسسة الأمنية وجهات التحقيق والقضاء، نجد أن الجميع تحولوا إلى رجال أمن وقضاة. وفي حين أثبتت الأحداث أن ثمة قصورا في أداء أجهزة الاستخبار والتحري، نجد أن وسائل الإعلام تتسابق في تغطية تلك الثغرة الخطيرة وتتبرع بصرف الانتباه عن الخلل في أداء تلك الأجهزة. إن من يتابع الصحف المصرية التي صدرت أمس يلاحظ أنها تنافست على التهييج والتحريض، وبعضها أرشد عن المتهمين وقام بالمحاكمة، وأصدر الحكم بالاستئصال والإعدام. وان غطى ذلك الموقف الأمني، فلا استبعد أن يكون الإرهابيون الذين قاموا بتفجير مديرية أمن الدقهلية كانوا من أسعد الناس بذلك الأداء. على الأقل لأنه صرف الأنظار عنهم وحولها إلى غيرهم. لقد ظل الخطاب السياسي والإعلامى يعبئ الرأى العام طول الأشهر الستة الأخيرة ضد شيطنة الآخر، الذي صار الإرهاب عنوانا عريضا له. وبعد كل الإجراءات التي اتخذت والثمن الذى دفع مقابلها، سواء في الضحايا الذين سقطوا أو الألوف الذين اعتقلوا، أو الشلل الاقتصادي الذى صرنا إليه، والأصداء السلبية التى ترتبت عليها، رغم كل ذلك فإننا اكتشفنا أن الإرهاب الحقيقي لايزال طليقا وقادرا على ان يرتكب جرائمه ويصعد من مواجهته وتحدِّيه للمؤسسات الأمنية. إن غاية ما أرجوه أن تقوم مؤسسات الأمن والتحقيق بدورها في تعقب الجناة وإحباط مخططاتهم ومحاسبتهم، وان ينهض الراشدون والعقلاء بدورهم في محاولة إطفاء الحريق وحصار نيرانه لإنقاذ الوطن مما هو أسوأ. صحيح أن الإرهاب الإعلامي نجح في ترهيب وإسكات أصوات الراشدين، لكننا لانزال نعول على جرأة بعضهم وشجاعتهم في الدعوة إلى التمييز بين المعتدلين والغلاة في الساحة الإسلامية التي باتت تهمة الإرهاب لصيقة بها. علما بأن البلد لا يحتمل تفعيل هذه التهمة لكي يتحول الجميع إلى إرهابيين، لأن تلك هي الوصفة الناجحة لتوسيع نطاق الحريق وتحويل الحرب الأهلية الموهومة بين ‘الشعبين' إلى حرب حقيقية يكون الوطن ضحيتها الأولى. وما لم يرتفع صوت الراشدين، وما لم تسترد السياسة موقعها المغيب فإن مصر ستصبح مرشحة لأن تكون عراقا أخرى والعياذ بالله'. أكثر من 300 محطة تموين مواد بترولية وهمية في مصر وفي العدد نفسه من جريدة ‘الشروق' نقرأ مقالا للكاتب عمرو خفاجي عن السرقات المبكيات المضحكات:' من الواضح أن ما يدور في الواقع السياسي الآن، يعطلنا كثيرا عن حسم الكثير من القضايا المهمة والعاجلة، التي تؤثر بشكل كبير على مستقبل أوضاعنا الاقتصادية، والمشكلة أن كثيرا من هذه القضايا يحتاج إلى حوار مجتمعي حقيقي، لاتخاذ قرارات مصيرية للخروج من المأزق الحقيقي الذي نعيشه، وقد قالت لي الدكتورة شيرين الشواربي مساعدة وزير المالية للعدالة الاقتصادية والحماية الاجتماعية، إن هناك جهودا تبذلها وزارة المالية لضبط الكثير من الأمور المعوجة، وفي مقدمتها طبعا قصة دعم الطاقة، وقد فاجأتني بنسبة الهادر من هذا الدعم الذي يصل أحيانا إلى 44′ في السولار على سبيل المثال، من دون أن يحرك أحد ساكنا، وهكذا يزداد اللصوص غنى ويزداد الفقراء فقرا، بلا أي مبرر، ومن دون توقف المجتمع عند هذه الكارثة، والأمر لا يختلف في دعم الخبز على سبيل المثال، فشكاوى أصحاب المخابز لا تتوقف عن خسارتهم، وهناك أكثر من 13 ألف طلب للموافقة على إنشاء مخابز جديدة، وهي تتساءل، ومعها كل الحق، هل يطلب هؤلاء، ويلحون فعلا من أجل الانضمام لطابور الخاسرين؟ هذان المثلان، فقط، كافيان لفهم حقيقة ما يتعرض له الاقتصاد المصري من سرقة ونهب منظمين، أمام أعين الجميع، وكلما حاول أحد التحرك، هاجت الدنيا وماجت تحت دعاوى ‘لا مساس بمحدودي الدخل' على الرغم من أن مثل هذه الإجراءات تتخذ في الأساس لمواجهة عمليات السرقة والنهب، ويكفى أن أقول إنه تم اكتشاف أكثر من 300 محطة تموين مواد بترولية، وهمية، موجودة فقط على الورق، وتحصل على حصص كاملة منذ سنوات طويلة، وحتى هذه اللحظة لم نعرف من هم أصحاب هذه المحطات، وكيف تم التعامل معهم، تماما مثلما اكتشفت وزارة الأوقاف، وجود 11 ألف مسجد وهمي لا وجود لها، تم تعيين آلاف الموظفين على قوتهم، وحتى الآن، أيضا، لم نعرف ماذا تم فى الأمر، إلى جانب الكثير من القصص المشابهة التي لا تعني سوى أننا نعيش فسادا حقيقيا بموافقة الجميع ومن دون مقاومة جادة من أي طرف من الأطراف.... وحتى أكمل لكم المأساة، وحتى لا أذهب بعيدا سأتحدث عن البترول أيضا، فالهيئة المدينة بالمليارات (حوالى 50 مليار جنيه) لديها شركة يعمل بها آلاف الموظفين لتحصيل الفواتير، مرتباتهم تصل إلى أكثر من مليار جنيه، ولو قاموا بأعمالهم خير قيام لن يقوموا بتحصيل أكثر من 700 مليون جنيه، وهذا ليس هو المهم، المهم أن أحد فروع هذه الشركة بمحافظة قريبة من القاهرة يعمل به ما يقرب من 3500 موظف، تم تعيينهم بوساطات أعضاء مجلس الشعب، أما مقر الشركة فى عاصمة هذه المحافظة فهو عبارة عن شقة في عمارة... ثم نسأل جميعا لماذا ينهار الاقتصاد؟ فعلا وكم ذا بمصر من مبكيات مضحكات وبينهما سرقات'. البلد يدار كعزب يدير كل عزبة مملوك اما في جريدة ‘المصريون' فيؤكد لنا الكاتب ورئيس التحرير جمال سلطان ان المواطن المصري ارهابي حتى يثبت العكس يقول:'القرار الرسمي المجنون الذي صدر أول أمس بتجميد أموال أكثر من ألف من الجمعيات الخيرية بدعوى أنها تابعة للإخوان المسلمين أثار موجة غضب واستهجان واسعة، خاصة أنه يترتب عليه تعريض حياة ملايين المصريين للخطر، وهناك أطفال في حضانات الجمعية الشرعية يمكن أن يتعرضوا للموت بالفعل إذا اضطرت الجمعية لتسليمهم لأهلهم الفقراء الذين لا يملكون قدرة على وضعهم في مستشفيات الباشوات والباكوات ولا يوجد لهم أي مكان في مستشفيات الحكومة، وكانت الجمعية الشرعية تقدم لهم هذه الخدمة مجانا، وطوال أمس وهناك اتصالات وحوارات بين جهات عديدة، أمنية وسياسية ورئاسية وقانونية للبحث عن مخرج من هذا القرار الأهوج والطائش الذي يعبر عن أن البلد تدار الآن كعزب يدير كل عزبة مملوك، حسب تقديراته وحساباته وخصوماته الشخصية أو السياسية، وبخصوص الجمعية الشرعية هناك ما يشبه التراجع النسبي عن القرار، حيث سمحت الحكومة بتخفيف قيود تجميد الأموال بما يسمح باستمرار العمل مع وجود رقابة حكومية، وهي موجودة أصلا، والقرار لا يتصل بحنية الحكومة على فقراء شعبها ولا طيب قلب المسؤولين الآن بقدر ما يتصل بحسابات سياسية نبههم إليها خبراؤهم الأمنيون، وهي أن هذا القرار يعني ضخ عدة ملايين مواطن مصري في مظاهرات واحتجاجات أنصار الرئيس المعزول، كما أن أي طفل مصري يموت بسبب توقف الحضانات عن العمل ستتحمل الحكومة بكاملها المسؤولية الجنائية عن قتله، القرار كان يشمل أيضا ‘بنك الطعام المصري'، وهو مؤسسة خيرية رسالتها الأساسية أن توفر الطعام للفقراء والبسطاء بطرق مبتكرة، وهي ترعى مئات الآلاف من الأسر المصرية شهريا، كما تقدم خدمات صحية وبيئية أخرى، وقد فوجئ القائمون عليها بصدور القرار الحكومي الرسمي ويشملها ضمن الجمعيات التي تقرر وقفها وتجميد أموالها لأنها متهمة بالإرهاب حتى يثبت العكس، بدعوى أنها من جمعيات الإخوان المسلمين، وقد أبدى المشرفون على المؤسسة ذهولهم من مثل هذا الاتهام، رغم أنه لم يحدث أي تحقيق ولا مراجعات لأنشطة الجمعية ولا أي شيء، فكيف صنفوها بأنها إرهابية أو أنها تابعة للإخوان... الذي يجعلك تضرب كفا بكف، وتحزن لحال بلدنا، أنه في اليوم التالي مباشرة يتصل رئيس الجمهورية بشخصه ولحمه وشحمه، المستشار عدلي منصور، برئيس مجلس ادارة مؤسسة بنك الطعام المصري، لكي يبلغه بأنه قرر إلغاء هذا القرار وتصحيح الوضع حسب قوله ورفع اسم بنك الطعام من قرار تجميد الأرصدة بالبنوك، الأخطر في اتصال رئيس الجمهورية ليس هذا الإجراء فقط، ولكن قوله لرئيس مجلس إدارة المؤسسة أنه أي رئيس الجمهورية شخصيا يحمل كل التقدير لبنك الطعام وأن الدولة المصرية ورئاسة الجمهورية حسب نص كلامه تحمل كل التقدير للبنك لما يقوم به من أعمال لخدمة المجتمع، هذا نص كلام رئيس الدولة، ولك أن تتساءل بالمنطق والعقل، إذا كانت الدولة ورئيس الدولة يحمل كل الاحترام والتقدير للعمل الإنساني النبيل الذي تقوم به المؤسسة، فمن هو ‘الحمار' الذي أصدر قرارا بتجميد أمواله وتصنيفه ضمن الجمعيات الإرهابية، وإذا كانت القدرة الإلهية أنقذت بنك الطعام من المحرقة ومن تهمة رعاية وتمويل الإرهاب، فمن ينقذ بقية القائمة من هذه المحرقة، وعلى أي أساس توجه الاتهامات هذه الأيام، الناشطون يتداولون نكتة الآن على شبكة الانترنت عن أن أي سائق يضايقه آخر في الطريق يبلغ عن أن سيارته إخوانية وكانت بها شارة رابعة، لكي يتخلص منه بتهمة الإرهاب، هل تتحول النكتة إلى حقيقة تعبر عن مستوى البؤس الذي وصلت إليه شؤون الدولة في مصر'. أحب الحياة عريضة قصيرة ولا أحبها طويلة ضيقة اما في جريدة'الوفد' فنقرأ للكاتب جمال يونس رأيه عن مأزق الحياة يقول:' أيام قليلة ويصبح عام 2013 مجرد ذكرى وماض يصطف رقماً في سنين العمر.. أيام قليلة وتعلن دقات الساعة عن ميلاد عام جديد تدور عقاربها لتنتزع من عمرى عاما بأيامه ولياليه.. نولد أطفالاً بلا حول ولا قوة ونكبر ويكبر فينا الخير والشر أيضاً.. نولد وتولد فينا القدرة على الحلم ونكبر ويكبر معنا الحلم. حصالة العمر لم يبق بها سوى القليل.. كم أنفقنا من رصيد الحياة لنشترى ذكريات وسرادق عزاء وسطور رثاء في صحيفة الأهرام. نبتاع أحلاماً وأوهاماً. صخب الاحتفالات يحيرني ويغيظني، انحتفل بعمر فات أم' بعام آت؟ البشر والحياة أشبه بصالة القمار في رائعة ديستوفسكي ‘المقامر'.. الكل يقامر.. الغني يتسلي والفقير يطمع أو يطمح. الكل يعرف انه هالك ومضيع لحياته ولكنهم يفقدون القدرة على المقاومة. الكل يحلم بالمكسب ويبحث عن الربح ويدوس في سبيل ذلك القريب والغريب، الشقيق والصديق، ويضحي بالقيم والمعاني النبيلة.. المقامر يفقد كل شيء حتى كرامته بشرط ان يكسب. الحياة والموت.. الخير والشر.. القوي والضعيف.. الغني والفقير.. عالم لا متناهٍ من الأضداد. الفقير الذي يرضى بفقره ننعته بالخير ومن يتمرد نوصمه بالشر. البطش بطولة في يقين الأقوياء والجبن قضاء وقدر لدى الضعفاء. لماذا نحيا ولماذا نموت؟ سؤال لست أول العاجزين عن الإجابة عنه ولن أكون آخرهم ولكن هل يختار أحد منا قوته وضعفه؟ غناه وفقره؟.. سئل الإمام علي ' رضي الله عنه لماذا العقلاء فقراء؟ فأجاب لأن ذكاء المرء محسوب عليه من رزقه. من منا لم يسأل نفسه يوماً هل تريد ان تكون ذكيا ام غنيا؟. لو لم يمت البشر ما استمرت الحياة ولضاقت بهم الأرض على رحابتها واتساعها.. لابد ان نموت ليحيا غيرنا.. أحلامنا هي ‘فلوسنا' التي نضعها على آلة ‘الروليت' ونراهن على تحقيقها. البعض يفضل الحياة الرغدة ولو قصرت، والبعض الآخر يستعذب الضعف والفقر وان طال.. ربما كان مؤمنا أو خانعاً أو مجبراً ضعيف الحيلة. وقد سئل الشيخ الرئيس ابن سينا يوما عن رأيه في الحياة فرد قائلاً: أحبها عريضة قصيرة ولا أحبها طويلة ضيقة. وكان له ما تمنى وليس ما أراد إذ لا إرادة لبشر مع مشيئة الله. فقد أصاب من العلم والتصوف وحب النساء ومعاقرة الخمر ولم يعمر طويلا. كلنا يكره الفقر وبعضنا يختصر الطريق ويغامر فيقتل ضميره ويخسر روحه وهذا هو الخسران المبين. الحسنة بعشرة أمثالها.. حب الناس ودائعنا في بنك الله ومع ذلك نرفض الربا مع الله ونتاجر مع الشيطان. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر.. ان أكون في جوار الله وجارا له أفضل وأضمن من ظلم البشر أو نفس فقيرة.. السعادة في الضمير الحي والراحة في الموت. محطات العمر القادمة يعلمها الله وحده، وما مضى منها نعلمه ويحاسبنا عليها الله. عامنا الجديد.. أيامنا الآتية فرصة ومنحة إلهية لكي نتطهر من المظالم والحقد والحسد والنفاق.. من كل ما يسيء إلى إنسانيتنا وفطرتنا. علينا أن نكف عن لعبة ‘الاستغماية' ونفتح أعيننا لنحدد وندرك ما نريد وتنفتح قلوبنا علي الإنسان الجميل الذي يريده الله ان نكونه، ولو شاء لذهب بنا وأتى بخلق جديد.. لماذا لا ننهل بقدر ما تتسع جوانحنا من الحب والحق والخير والجمال؟. لماذا لا نتخلى عن طبع العقارب مع كل من يساعدنا في عبور مأزق الحياة' .