بقلم باتريسيو عصفورة هايم ، وكريستوفر ستينتز ترجمة - د.إبراهيم عباس يحاول الباحثان في مركز التحليلات في البحرية الأمريكية باتريسيو عصفورة - هايم وكريستوفر ستينتز الإجابة في مقالهما المنشور في مجلة «فورين بوليسي» مؤخرًا في ضوء التفجيرات التي شهدتها بيروت في الآونة الأخيرة عن السؤال: هل بمقدور أحد وقف سقوط لبنان إلى الهاوية بعد ازدياد المخاوف بأن تؤدي وتيرة العنف المتزايد فيه إلى أن تتجه الطائفة السنية إلى بناء ميليشيا لها على نطاق واسع وبالتالي حدوث حرب أهلية مميتة؟ في محاولتهما الإجابة عن هذا السؤال يستعرض الكاتبان تسلسل أحداث العنف التي شهدها لبنان مؤخرا والخريطة الطائفية التي أصبحت المهدد الأكبر لأمنه واستقراره، وهما يريان أن البداية الحقيقية لهذا المسلسل لم تأت مع اندلاع الأزمة السورية ومحاولة بشار الأسد تصديرها إلى لبنان، وإنما بدأت في واقع الأمر مع اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في فبراير 2005. تفجيرات بالجملة يعتبر الكاتبان أن التفجير الأخير الذي شهدته بيروت (انفجار حارة حريك في الضاحية الجنوبية) وأدى الى قتل 5 أشخاص وسقوط العشرات من الجرحى ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة الانفجارات التي اشتعلت مؤخرا بين السنة والشيعة في لبنان والتي يبدو انه أصبح من الصعب السيطرة عليها. فقبل أسبوع فقط من هذا الحادث قتل وسط بيروت وزير المالية السابق محمد شطح مستشار ألد خصوم بشار الأسد رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، وفي نوفمبر الماضي استهدف انفجاران السفارة الإيرانية في لبنان. ويبدو المشهد اللبناني الآن كما لو انه صورة مصغرة لما يحدث في سوريا، فهناك مواجهة مسلحة عنيفة بين جماعات سنية وجماعات شيعية موالية للأسد إضافة إلى الطائفة العلوية في سوريا (جبل محسن - شمال طرابلس)، وتظهر هذه المواجهات بين الحين والآخر في بؤر التوتر، في صيدا وطرابلس ووادي البقاع الشرقي، ويرتفع معها عدد الضحايا، بما يدعو إلى التخوف من أن يؤدي تصعيد العنف إلى لجوء الطائفة السنية إلى بناء ميليشيا مسلحة خاصة بها على نطاق واسع (كما هو الحاصل عند حزب الله). وقد بدأت الجماعات السنية بالفعل في التنظيم من أجل دعم الثوار السورييين ومواجهة حزب الله، فيما أن البعض منها بدأ في الاشتباك مع الجيش اللبناني الذي يعتبر المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي حافظت على تماسكها، لكنها تبدو الآن على وشك الانغماس في السياسات الطائفية. ويضيف الكاتبان انه بالرغم من أن المجموعات اللبنانية نجحت في بناء ميليشيات خاصة بها للدفاع عن مصالحها، إلا أن الطائفة السنية في لبنان تبدو استثناءً، ويبدو أن السبب في ذلك عدم وجود حزب سني موحد وقوي قادر على تمثيل الطائفة وحماية مصالحها. وحتى الميليشيات الموجودة حاليًا تبدو في غالبيتها تنظيمات سلفية للحركة الجهادية العالمية والتي لا تحظى بالدعم الشعبي. ومع ذلك، فإن الديناميات السياسية والاجتماعية والعسكرية التي تؤثر على التيار الرئيس في الطائفة السنية تفترض أن تتغير حساباتها الخاصة ببناء ميليشيا على نطاق واسع . فقد شهد العقد الماضي تغييرات دراماتيكية في العلاقات بين السنة والطوائف الأخرى . وربما كان الأهم في هذا السياق فشل الأجندة السياسية السنية في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عام 2005 . فقد وضعت الحكومة التي شكل السنة أغلبيتها هدفا لها اجتثاث بقايا النفوذ السوري في لبنان وإنهاء عسكرة حزب الله، ولكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح . وأدت محاولة الحكومة تفكيك نظام الاتصالات السلكية واللاسلكية لحزب الله في مايو 2008 إلى أن يقوم هذا الحزب الشيعي بغزو الأحياء ذات الأغلبية السنية في بيروت، وترك الطائفة السنية في حالة إحباط. خطأ أم تقصير؟ يرى الكاتبان أن عدم قدرة السياسيين اللبنانيين السنة على حماية مصالح الطائفة السنية ترك فراغا للتنظيمات الأصولية لتدعي لنفسها دورا في الدفاع عن مصالح الطائفة. ففي السنوات القليلة الماضية تكالبت العديد من عناصر المجموعات الجهادية السلفية على سورياولبنان بحجة الدفاع عن السنة . وتعتبر «جند الشام» أول مجموعة سنية سلفية تقاتل في سوريا -تحديدا في حمص- تحت قيادة لبنانية (خالد محمود أو أبوسليمان المهاجر). هناك أيضا جماعة سلفية أخرى هي سرايا المقاومة الحرة التي يقودها رجل الدين اللبناني المتشدد أحمد الأسير، وقد تم تشكيلها في ابريل 2013 مع قوة من المتطوعين من طائفة السنة اللبنانية، لكن اعتراها الضعف بعد الاشتباك مع الجيش اللبناني في يونيو 2013 . بيد أنه لابد وان تلفت ظاهرة تعاون الجهاديين السلفيين عبر الحدود نظر المراقب، لاسيما بعدما تأكد وجود عناصر من «جبهة النصرة» في لبنان أقله منذ ديسمبر 2012. وتعتبر طرابلس إحدى أهم البؤر الطائفية الملتهبة في لبنان، والمدينة التي شهدت ميلاد الحركة السلفية فيه، حيث أصبحت الآن تعرف بالنزاع الدائم بين السنة والعلويين بعد أن قتل هناك المئات من الجانبين خلال العاميين الماضيين. الطامة الكبرى يمكن القول إن الكارثة اللبنانية بدأت ملامحها في التبلور منذ العام 2005 على النحو التالي: اغتيال الحريري -فشل النخبة السنية في ملء فراغ القيادة- صعود حزب الله كقوة سياسية وعسكرية - حرب الأسد ضد المعارضة السورية ذات الأغلبية السنية. كل هذه العوامل غيرت من من دينامية تأثير ونشاط المشاركة السياسية للطائفة السنية في لبنان. وقد وفرت الحرب السورية فرصا جديدة وخطيرة للمتطرفين. فهاهم السنة اللبنانيون ينتظمون الآن عسكريًا، ويعملون على بناء الجسور مع جماعات التطرف المسلحة الأجنبية، ويكتسبون الخبرة التكتيكية على أرض المعركة. كما لا ينبغي ألا ننسى أن هناك ما يقرب من مليون لاجئ من سوريا غالبيتهم من السنة، غيروا بشكل كبير التركيبة السكانية الطائفية في لبنان. يخلص الكاتبان في ختام هذا المقال التحليلي لتطور الأحداث في لبنان إلى القول إن طبيعة المجتمع السني المجزأ وإحجام كل الأطراف اللبنانية عن التورط في مواجهة عسكرية مفتوحة (حتى الآن تبدو المواجهات محدودة)، جعل الحرب الأهلية مستبعدة . لكن إذا ما استمرت التوترات الطائفية بحيث بدأت الطائفة السنية في لبنان تشعر بأن وجودها أصبح مهددًا، فإن القادة اللبنانيين - المعتدلين والمتشددين- سيلجأون إلى العنف لحماية مجتمعاتهم السنية وكسب النفوذ السياسي، بما يشكل تهديدًا حقيقيًا على توازن القوى الطائفي في لبنان، مؤديًا في نهاية المطاف إلى حرب أهلية غير مسبوقة في شراستها. صحيفة المدينة