أولاً: لمحة عامة شكل مؤتمر الحوار الوطني الشامل منبراً فريداً من نوعه، وعملية سياسية متفردة وغير مسبوقة في تاريخ اليمن بل والمنطقة العربية. إذ مثّل لما يقارب من عام ورشة عمل وطنية شاملة، تدارسنا فيها كل مشكلاتنا من جذورها، وعملنا على التحقق من مضامينها ومحتواها وتوافقنا على معالجتها من أجل مستقبل تشاركي يرسم أسساً جديدة لدولة يمنية مدنية حديثة. ولأول مرة في التاريخ اليمني لا نتحاور كسلطة ومعارضة، بل نجتمع كممثلين لكل الأطياف والمكونات، التأم شملنا جميعاً في صنعاء منذ الثامن عشر من مارس 2013 وحتى السادس عشر من يناير 2014، واضعين نصب أعيننا الهدف الأسمى المتمثل في ترسيخ دعائم الاستقرار، وبناء اليمن الاتحادي الجديد على مبادئ القانون وحقوق الإنسان والحكم الرشيد، والعمل على إيجاد تنمية مستدامة من أجل الشعب اليمني بأكمله. يقف المؤتمر اليوم شاهداً على عظيم قدرات الشعب اليمني في إحداث الانتقال السياسي السلمي منطلقاً من إرث مشهود في الممارسة الديمقراطية التي سجلها التاريخ في أنصع صفحاته.. وهي الانتقالة المؤسسة على عميق الإيمان بالشراكة الوطنية الشاملة في بناء صرح اليمن الجديد بمرتكزات الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة، وكذا ترسيخ دور الدولة ومؤسساتها لتكون راعية لاحتياجات ومصالح وتطلعات اليمنيين، مع ضمان أن تكون هذه المؤسسات مساءلة أمام الشعب. ثانياً: إطار العمل وهيكل وسير عمل المؤتمر نصت مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية التي وقعت في 23 نوفمبر 2011 على وجوب اضطلاع رئيس الجمهورية، وحكومة الوفاق الوطني بمسؤولية عقد مؤتمر حوار وطني شامل يضم كافة الجهات السياسية الفاعلة بما فيها الشباب والحراك الجنوبي والحوثيون والأحزاب السياسي الأخرى إضافة للمجتمع المدني والمرأة. وجاءت قرارات مجلس الأمن 2014 (الصادر في 2011) و 2051 (الصادر في 2012) لتشدد على ضرورة إجراء عملية سياسية شاملة بقيادة يمنية لتلبية المطالب المشروعة وتطلعات الشعب اليمني في التغيير السلمي والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. بحسب القرار الجمهوري رقم 13 بتاريخ 6 مايو 2012 أنشئت لجنة اتصال للشروع في مد الجسور مع كافة الأحزاب السياسية والشباب والمجتمع المدني والمرأة من أجل حشد الدعم وضمان مشاركتهم في المؤتمر، ثم جاء قرار رئيس الجمهورية رقم 30 بتاريخ 14 يوليو 2012 ليؤسس اللجنة الفنية التحضيرية والتي باشرت أعمالها منذ السادس من أغسطس وحتى شهر ديسمبر 2012 وانكبت على تصميم عملية شاملة بتمثيل واسع من كافة المناطق والشرائح الاجتماعية بغية تمكين الأعضاء في المؤتمر من المشاركة الكاملة في مناخ حُر لا سقف له. ونصت الآلية على نسبة مشاركة 50: 20: 30 لتمثيل الجنوب والشباب والمرأة على التوالي. كما صاغت اللجنة كذلك النقاط العشرين (الملحق) كوسيلة لبناء الثقة وإيجاد مناخ إيجابي لعقد المؤتمر ودعماً للعملية الانتقالية السياسية برمتها. وقد أكد التقرير التأكيد على الحاجة الملحة لاستكمال تنفيذ النقاط العشرين كاملة إلى جانب النقاط ال11 التي رفعها فريق عمل القضية الجنوبية. ثم صدر القرار الرئاسي رقم 5 في 18 يناير 2013 بإنشاء الأمانة العامة للحوار الوطني الشامل وتسمية الأمين العام ونائبيه، لتعمل الأمانة كجهاز فني على دعم العملية التي تسيّرها هيئة رئاسة المؤتمر، واعتمد القرار الرئاسي رقم 11 الصادر في 16مارس 2013 اللائحة الداخلية المنظمة لمؤتمر الحوار، التي أعدتها اللجنة الفنية التحضيرية، وسمت المكونات السياسية والاجتماعية ممثليها ضمن قوام المؤتمر ال565 عضواً الذين صدر بهم القرار رقم 11 ومن ثم تسمية أعضاء هيئة الرئاسة ال9 في القرار رقم 12. جاء أعضاء مؤتمر الحوار ال565 من جميع أرجاء البلاد يمثلون كافة شرائح المجتمع وأطيافه، وشاركوا بفاعلية في النقاشات حول القضايا المحورية التي ترسم مستقبل الوطن. افتتح المؤتمر في الثامن عشر من مارس بجلسة عامة افتتاحية علنية وأدى فيها أعضاء المؤتمر اليمين متعهدين باتباع ما تمليه ضمائرهم وباحترام اللائحة الداخلية للمؤتمر. بعدها عقدت سلسلة من الجلسات عبر فيها الأعضاء عن مقاصدهم وآمالهم إزاء المؤتمر والبلاد. لينضوي بعدها الأعضاء في تسع فرق عمل خاصة بحسب اللائحة الداخلية للمؤتمر، وهي: * فريق عمل القضية الجنوبية. * فريق عمل قضية صعدة. * فريق عمل القضايا ذات بعد وطني والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. * فريق عمل بناء الدولة. * فريق عمل الحكم الرشيد. * فريق عمل أسس بناء ودور الجيش والأمن. * فريق عمل استقلالية الهيئات وقضايا اجتماعية وبيئية خاصة. * فريق عمل الحقوق والحريات. * فريق عمل التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة. بعد توزيع الأعضاء على الفرق، انتخب كل فريق عمل رئيساً ونائبين ومقرراً، وقد تقرر أن تُرأس فرق العمل من مكونات غير ممثلة في رئاسة المؤتمر، كما اشتُرط أن هيئة رئاسة الفريق تمثل فيها المرأة والشباب. وبدأت الفرق بتطوير خططها شاملة أهداف الفريق والآليات المنفذة لها وتحديد أدوار أعضاء الفريق في ذلك. ونظراً للعدد الكبير لأعضاء فرق العمل اتجهت لتكوين فرق عمل مصغرة لتسهيل وتسريع العمل في إطار القضية المدروسة، ورفدت الأمانة العامة فرق العمل منذ اليوم الأول بميسرين وطنيين على مستوى عال من الكفاءة ساهموا بدعم الفرق في إنجاز مهامها. وفي الثاني من يونيو 2013 تشكلت لجنة التوفيق بموجب القرار الرئاسي رقم 41 وأنيطت بها مهمة توفيق الآراء بين فرق العمل، وفي إطار الفريق الواحد وتنسيق ومواءمة المخرجات بالإضافة لتفسير لوائح المؤتمر وكذا مراقبة تنفيذ مخرجات المؤتمر بعد اختتامه. وحظي مبدأ الشفافية بأهمية كبرى في المؤتمر مع توفير كافة وثائق ونقاشات الجلسة العامة في متناول الجمهور، إلى جانب بذل جهود مكثفة لا يستهان بها في التواصل المجتمعي، إذ تم استلام ما مجموعه 1578 من الرؤى والأفكار والمساهمات من مختلف الفئات والشرائح المجتمعية ومن كل أرجاء الوطن. وقامت فرق العمل، ممثلة ب219 عضواً، بالنزول الميداني إلى 18 محافظة لملامسة الاحتياجات والاستماع للجمهور عن قرب. ووعياً بأهمية المشاركة المجتمعية توجهت الأمانة العامة للمؤتمر نحو تشجيع المنظمات والمبادرات المجتمعية والمؤسسات الحكومية للقيام بدور أسفر عن إشراك ما يربو عن مليون ونصف مواطن بشكل مباشر في ما يزيد عن 3500 فعالية ونشاط حواري. كما شارك الإعلام بفعالية، حيث بثت مختلف الشبكات التلفزيونية ما يزيد على 7700 ساعة من التغطية إضافة لنشر 2653 مقالة صحفية عن الحوار في الصحافة المطبوعة. وقد تم رفد فرق العمل بأكثر من 250 خبيراً وطنياً ودولياً قدموا دراسات حالة وتجارب مقارنة وممارسات مُثلى لدعم مداولات فرق العمل، وتقاطر أكثر من 120 مراقباً دولياً في أكثر من 300 زيارة على الحوار لمراقبته عن كثب من داخل وخارج اليمن. وكان أن أسرت الطبيعة المفتوحة ومتعددة الأبعاد والفريدة من نوعها وجدية المؤتمر ألباب الناس، وشكلت أكثر عمليات الانتقال السياسي تشاركية وشفافية في المنطقة العربية. وأبرزت المشاركة القوية والدائمة للمجتمع الدولي مدى الحرص والدعم ليمن موحد مسالم ومستقر. مسار العمل اجتمعت فرق العمل على مدار أكثر من 180 يوماً (باستثناء عمل اللجنة المصغرة "8 8" الخاصة بالقضية الجنوبية) وأدارت هذه الفرق نقاشات جادة، كانت ساخنة في أحايين كثيرة لكنها تتسم بالرغبة المشتركة لدى الجميع في الوصول إلى توافق. وسعت فرق العمل لتشخيص التحديات العديدة التي تواجه البلاد بما فيها الاعتراف بالظلم والمظالم لا سيما في الجنوب، علاوة على تحديد المبادئ التي يسترشد بها الدستور الجديد وتُصاغ على ضوئها السياسات. وتم تقديم مخرجات كل فريق عمل وتداولها في جلسات عامة، ثلاث علنية. باشرت الجلسة العامة الأولى أعمالها في الثامن عشر من مارس واستمرت حتى السابع والعشرين منه. ثم عقدت الجلسة العامة الثانية النصفية من الثامن من يونيو وحتى الثامن من يوليو، وانطلقت الجلسة العامة الثالثة (الختامية) في الثامن من أكتوبر واستمرت بشكل تقطع حتى الحادي عشر من يناير. في ما يلي أبرز ما تم التوافق عليه، وهو ما شكل معالم بناء اليمن الجديد. ثالثاً: إطلالة على مخرجات الحوار الوطني على مدى ما يقرب من العام، أنجزنا بنجاح عملاً وطنياً عظيماً، حيث وضعت كل القضايا الوطنية الكبرى على طاولة البحث والدراسة بموضوعية وعقلانية، مستهدفين التأسيس لغد أمثل، وإيجاد بيئة تترجم طموحاتنا وتطلعاتنا، ورسمنا معاً المسار الذي سنسلكه شركاء في المصالح والمصير. بداية جديدة تخوض اليمن اليوم عملية انتقال سياسي غير مسبوقة في المنطقة عبر صناعة هيكل جديد للدولة وتثبيت دعائم نظام حكم رشيد وديمقراطي، وإرساء مداميك التنمية المستدامة والشراكة في الثروة والسلطة. لقد كانت المبادرة الخليجية التي أدت لنقل السلطة الموقعة في 23 نوفمبر 2011 والتي حظيت بترحيب ودعم المجتمع الدولي في حينه إنجازاً بحد ذاتها إذ شكلت بارقة أمل، وفرصة سانحة للتغيير ولصنع المستقبل بأيد يمنية، وتجسد ذلك من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل مروراً بالعمل الحاسم الذي اضطلعت به اللجنة الفنية التحضيرية. انبثقت رؤية الدولة اليمنية المدنية الحديثة الاتحادية الديمقراطية من جدية وصدق التعاطي مع التحديات العديدة التي تعصف بالشعب والوطن، ومن التشخيص الدقيق للماضي والاعتراف بأخطائه وفي مقدمتها سوء استخدام السلطة والفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة فخلف معاناة شاملة للناس. وقد كانت هذه الحالة وستظل عملية في غاية الأهمية لإفساح المجال لجبر الضرر الواجب تجاه كل المظالم لتحقيق العدالة الانتقالية، ولتبدأ عملية المصالحة الوطنية، لتشكل بحد ذاتها علامة فارقة في الانعتاق من الماضي وعدم اجترار آثاره إلى الغد. ويكمن في صلب هذه العملية الانتقالية عقد اجتماعي تنتجه الإرادة الشعبية عبر عمل جمعي تشاركي، إرادة الجماهير التواقة إلى حكومة مسؤولة ومساءلة، حكومة شفافة وفعالة، يتساوى فيها الجميع أمام القانون وتلبي الاحتياجات والمصالح والتطلعات الشعبية. ومن أجل استعادة ثقة الناس في الدولة سيحدث إصلاح جذري في مؤسسات الدولة وإنهاء حالة الفساد، وسوء استخدام السلطة فيها بما في ذلك بناء القطاع الأمني الوطني الاحترافي غير الحزبي وغير المسيس. كما يجب أن تكون سلطة القانون والعدالة الاجتماعية هي العمود الفقري للجمهورية الاتحادية الجديدة في اليمن، التي تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامته وتحقق التنمية المستدامة. إن نقل السلطات والمسؤوليات من المركز إلى السلطات الإقليمية الجديدة سيضع حداً لاحتكار السلطة وسيضمن التوزيع العادل للثروة، وتقريب مؤسسات الحكم من المجتمعات المحلية. حيث ستعمل في هذا السياق الأطر القانونية للانتخابات لكي تعكس الديمقراطية التمثيلية الخيارات الشعبية، وشمولية العملية الانتقالية وعلى رأسها المشاركة الفعالة لممثلين من قطاعات المرأة والشباب في النظام الديمقراطي. ومراعاة لحقيقة أن اليمن دولة عريقة ذات شعب فتي تتنوع احتياجاتها ومصالحها وتطلعاتها ما يستدعي ببساطة إيجاد هياكل ونظام جديد للحكم، وها نحن نلتزم ببنائها وها نحن أولاء ننطلق في رحلة البناء. الانعتاق من الماضي إن عملية الانتقال السياسي التي نحن بصددها اليوم هي في صميمها عملية تغيير، فقد تولى مؤتمر الحوار الوطني رسم الغايات التي يروم الجميع بلوغها والخريطة التي سوف يسير الوطن على هداها. وعلى هذا الأساس، تم تشخيص المشاكل والمعوقات، وبالتصميم الجمعي وعبر آليات علمية موضوعية أمكن التداول بشأنها بكل حيوية وصولاً إلى سبل تذليلها وحلها، فكانت المحصلة الالتزام بضمان جبر الضرر المستحق بما في ذلك التعويض العادل. ومداواة جراح الماضي والتأسيس لمناخ من الثقة بين المواطنين وبعضهم، ومع المؤسسات العامة. وتأكيد العزم على عدم تكرار أخطاء الماضي وجراحه. لقد تعهدنا بإيجاد الأطر والعمليات الكفيلة بتحقيق هذه الغايات التي ستحقق التزامنا الكامل بالعدل ليتحرر بذلك المجتمع، ويزيح الأثقال عن كاهله ونتحرر معه لكي نمضي قدماً نحو غاياتنا الأسمى في التنمية الاجتماعية والرخاء. وستعمل الأجهزة والإجراءات الموضوعة التي صممت بما يتلاءم مع مقتضيات العدالة الانتقالية جاهدة لتلبية الاحتياجات بأفضل ما يمكن. كما أننا في ذات الوقت سنشرع في إصلاح القضاء وبناء وتعزيز المؤسسات لضمان عدم تكرار المظالم. لا يمكننا تجاهل حقيقة أن يمنيين كثراً قد استشهدوا، وسقطوا ضحايا في عمليات قتل خارج إطار القانون، وأن عمليات إخفاء قسري وتعذيب واغتيالات قد وقعت، وأن ضحايا قد لقوا مصرعهم وهم يتظاهرون سلمياً، وأن أراضي قد تعرضت للبسط والنهب، وأن أناساً قد سرّحوا من أعمالهم دون وجه حق. علينا أن نتذكر ذلك لكي نصحح أخطاء الماضي، والشروع في علاقة صحيحة مع المستقبل. إنه لواجب علينا أن نسترشد ونهتدي بمبادئ العدالة ومُثلها العليا بما فيها المساءلة والعدالة في الحقوق وحمايتها، والحيلولة دون التغاضي عن الانتهاكات والمعاقبة عليها متى حدثت. وعلينا أن نضع التزاماتنا الدولية موضع التنفيذ: تلك الالتزامات التي قبلناها بمحض إرادتنا كدولة ذات سيادة وكعضو مسؤول في المجتمع الدولي يعمل من أجل مصلحة شعبه أولاً وأخيراً. إننا لم نرتض أن نشيح بوجوهنا عن القضايا العسيرة، بل وضعناها في صدارة القضايا وأفردنا لها ما تستحق من اهتمام، وعلى رأسها القضية الجنوبية التي حمل رايتها الحراك السلمي الجنوبي الذي انطلق في عام 2007، ضارباً أروع الأمثلة في العمل السلمي المدني والذي أسس لانطلاق حركة التغيير الوطني الشامل. لقد توصلنا إلى اتفاق يعالج القضية الجنوبية المعقدة، ويرسم حلولاً توافقية عادلة، ويهيئ لها ضمانات الوفاء والتنفيذ، وإذا كان من حق من مسته النار أكثر من غيره من مواطنينا أن يرتاب ويتشكك، فإن الواجب أن تتبع الأقوال أفعالٌ سريعة: وعندئذ فقط سنستعيد الثقة ونظهر قيمة وأهمية المسار الجديد للبلاد. وفي هذا الصدد، علينا أن نتخذ خطوات، وقد شرعنا بالفعل في اتخاذها، لمعالجة المظالم المشروعة الكثيرة لا سيما ما تجسد منها في النقاط العشرين والإحدى عشرة وعلينا في الوقت ذاته أن نجدد ثبات العزم والمقصد في الحفاظ على وحدة اليمن من خلال هيكل اتحادي جديد يقوم على تمكين سلطات الولايات والأقاليم الجديدة من إدارة شؤونها بما ينسجم مع احتياجاتها ومصالحها. لقد دارت حروب عسكرية عنيفة ودامية منذ عام 2004 وحتى 2010 على محافظة صعدة ومحيطها، ما أسفر عن سقوط الآلاف بين جريح وقتيل ونزوح مئات الآلاف من المدنيين، مخلفة وراءها دماراً كبيراً في البنية التحتية ومصادر العيش، وذلك كان نتيجة لعدة عوامل منها: ضعف الدولة وفشل مؤسساتها، وضعف التنمية الشاملة والتأثير الخارجي. لذلك كله سيكون اليمن الجديد الذي سنبنيه جامعاً لكل أبنائه، متسامحاً ومرتكزاً على سلطة القانون، وقائماً على معالجة المظالم ورد الحقوق وجبر الضرر في إطار عدالة انتقالية تشمل كذلك التعويضات والمصالحة الوطنية. من خلال المؤسسات الجديدة أو تلك التي ستبنى من جديد، سيتمكن اليمنيون كافة من العودة لمناطقهم دون قيود آمنين. وتتمثل المعالجات الحقيقية والفعلية من خلال بناء الدولة القوية التي تجسد النظام وتقدم الخدمات اللازمة، وتضمن تحقيق تنمية مستدامة للمواطنين وتضمن الحقوق والحريات وتبني الجيش بناءً وطنياً، وتتجسد فيها الحقوق الدينية والسياسية والفكرية بشكلها الحقيقي. وفي عام 2011 قدم اليمنيون خيرة شبابهم على طريق تحقيق آمالهم في التغيير المنشود والذي كان الشرارة التي قادت مسيرة الانتقال السلمي للسلطة، ونحن هنا أجمعنا على العمل على تحقيق ما خرجوا لأجله وقدموا وبذلوا في سبيله الغالي والنفيس. إن إغلاق صفحة الماضي ركن جوهري وأصيل من العقد الاجتماعي الجديد: إنه انعتاق لا رجعة فيه ولا ريب من مثالب الماضي، ركن يؤسس لولادة جديدة لشعبنا، لمرحلة لا تتركز فيها السلطات في يد فئة حاكمة في مركز البلاد، بل تُناط فيها السلطة والمسؤولية لحكومات منتخبة ديمقراطياً في الأقاليم الجديدة لتقترب الحكومة من الناس رأسمال اليمن. وعندها تكون هذه الحكومات ضليعة بشؤونها وممسكة بزمام أمرها حسبما يكفله الدستور الاتحادي الجديد، وسيتجلى في هذا مبدأ الشراكة في أزهى صوره وسيعيد الثروات الطبيعية إلى مكانها الطبيعي كإرث وحق أصيل للشعب اليمني ليقتسمه بشكل عادي. في جمهورية اليمن الاتحادية، سيتمتع كل مواطن بحقوق متساوية بغض النظر عن محل الميلاد والأصل والمكان والنوع وعلى مبادئ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز. إننا نختط لأنفسنا مساراً جديداً يقوم راسخاً على مبادئ سلطة القانون بموجب دستور اتحادي يحول دون الهيمنة والاحتكار ويصون مصالح الأقاليم الحيوية. دولة مدنية حديثة علينا أن نضمن التحرر الكامل من الماضي عبر إنهاء مركزية السلطة وسوء استخدامها، ولذا سيؤسس الدستور الجديد لدولة اتحادية، وسيرسم الدستور الجديد بوضوح تقسيم السلطات بين مختلف مستويات الحكم بدءاً بالإقليم والولاية، وذلك لضمان مشاركة شعبية واسعة وكفؤة وفاعلة في عملية اتخاذ القرار، وتمكيناً للحكومات الإقليمية والمحلية من أداء دورها المحدد في الدستور، وستعمل المحكمة الدستورية المزمع إنشاؤها على ضمان سلامة تفسير الدستور والتقيد به بما ينسجم مع مبادئ الديمقراطية والتعددية ومن أجل بناء قاعدة أوسع للثقة والدعم من أبناء الشعب اليمني. لقد كانت اليمن وستبقى على الدوام مستقلة ذات سيادة دينها الإسلام، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون دون تمييز على أساس النوع، أو العرق أو الأصل أو اللون أو الدين أو الطائفة أو المعتقد أو الرأي أو المكانة الاجتماعية. ولكي يستعيد المواطنون ثقتهم الكاملة في الدولة، ستشتمل الضمانات المؤسسية على استقلالية الولاية القضائية للأقاليم واستقلالية القضاء الذي سيخضع لعملية إعادة بناء، ومساءلة كافة موظفي الدولة حتى أعلى المستويات، وحياد ومهنية مؤسسات الدولة المدنية والقضائية والعسكرية والأمنية. لقد اتفقنا على معايير واضحة لا لبس فيها للانتخابات واللجان الانتخابية لضمان أن تعكس الديمقراطية إرادة الشعب ليس على الورق، بل على أرض الواقع في سبيل تيسير الاستماع لصوت الشعب، والتمثيل الحقيقي لضمان أن تبقى المصالح المشروعة جزءاً من صناعة القرار العامة. إننا إذ نقر ونعترف بالدور المحوري الذي لعبته المرأة والشباب في الثورة وفي مؤتمر الحوار، نشدد على ضرورة استمرارهم في لعب هذا الدور في اليمن الاتحادي الجديد، وعليه فإننا سنضمن تعزيز أدوارهم في المجالس التشريعية وفي الهياكل الأخرى للحكم. ينبغي أن تكون إرادة الشعب هي النور الذي تهتدي به صياغة الدستور الجديد الذي سيلبي احتياجاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وحرصاً على هذا المبدأ فقد وضعنا معايير واضحة لأعضاء لجنة صياغة الدستور من الخبراء وشددنا على مشاركة الجنوب والمرأة والشباب والاستمرار في انتهاج التركيبة الشاملة والفعالية التي أسس لها مؤتمر الحوار الوطني الشامل. دولة قوية تمثل الدولة القوية والعادلة والمسؤولة حجر الزاوية في العملية الانتقالية، الدولة التي تفرض على المواطنين احترام القانون، وتحقق امتثالهم للقانون. الدولة التي تعمل من أجل مواطنيهاومن أجلهم فقط. يتوق الشعب اليمني لحكومة شفافة مسؤولة وتشاركية تستجيب لاحتياجاتهم وتطلعاتهم. هذا هو الركن القويم للحكم الرشيد الديمقراطي والفعال. إننا بحاجة إلى حكومة تعمل بكامل طاقتها على توجيه دفة التنمية لمسارها الصحيح في البلاد، وتسيير نمو الاقتصاد وخلق عمليات سياسية مستدامة وحيوية على كافة الصُّعد بما فيها على الصعيد المحلي. إن اليمن الجديد سيعمل، من خلال مؤسسات الحكم الجديدة، والتي سيتم بناؤها على تعزيز قدرة الحكومات المحلية وترسيخ مبدأ مساءلة المسؤولين. إننا نؤكد تعزيز مفهوم المشاركة المدنية النشطة، وسندعو كل اليمنيين للقيام بأدوارهم دونما خوف أو وجل ودونما منة من أحد. وحرصاً على مواجهة الفساد المستشري في البلاد، الفساد الذي يهدر الأموال التي تعتبر الخدمات العامة في أمس الحاجة لها، ويضر بسلامة الشعب ويقوض الحس بالتضامن والثقة، سيخضع مسؤولو الحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والوسائل الإعلامية لمعايير المسؤولية المؤسسية، والفردية من أجل تمهيد الطريق أمام التنمية المستدامة التي محورها الإنسان. لقد وضعنا الإطار القانوني لضمان شفافية ومساءلة التمويل الحكومي بما في ذلك الرقابة على استخدام الحكومة للأموال من أجل ضمان سد منافذ الفساد في القطاع العام في كل المجالات. ومن أجل ضمان التوزيع العادل للموارد، سينص الدستور على توسيع قاعدة مشاركة مستويات الرقابة كافة على صعيد الأقاليم والوحدات المحلية في الإشراف والرقابة على الشركات العاملة في استخراج الموارد الطبيعية. إننا نعلم تمام العلم أن غياب المؤسسات الفعالة للحكم أتاح نفاذ مصالح ضيقة للبعض للسيطرة والتلاعب، بل وحتى الاستيلاء على السلطة لتخدم غاياتهم ومآربهم. ولهذا وبغية ضمان فعالية الحكومة التي سنعتمد عليها كلنا، فقد عمدنا إلى وضع معايير واضحة لإنشاء مؤسسات مستقلة حقاً وقادرة على تعزيز وضمان كفاءة ومساءلة الحكومة وخفض وتجفيف منابع الفساد لاسيما في مجال استكشاف النفط والغاز. لأن الدولة في خدمة الشعب، علينا ودون إبطاء أن نتحرك من أجل رفع المستوى المعيشي لليمنيين كافة، وضمان أن يتمتع كل المواطنين دون تمييز بحق الحصول على الخدمات العامة الأساسية والوصول إليها. وستعمل المؤسسات الإقليمية والمحلية وكذا الإجراءات السياسية والإدارية على تحقيق الاستجابة النموذجية لحقوق واحتياجات المواطنين الذين تخدمهم هذه المؤسسات. ستقوم جمهورية اليمن الاتحادية على الشراكة الوطنية الواسعة، وتمثيل الأقاليم وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية والمشاركة في الحكم. ولهذه الغاية، قمنا بتحديد الضمانات للفرص المتساوية في التوظيف عبر الخدمة المدنية من خلال عملية شفافة وتنافسية. لقد جعلت المظالم التي عاشها اليمنيون من الأهمية بمكان أن تتقيد الدولة بالتزاماتها الدولية فيما يخص حقوق الإنسان وتعهداتها التي قطعتها على نفسها طواعية، ولذا فمن الملّح إنشاء هيئة مستقلة لحقوق الإنسان لمنع الانتهاكات على الصُعُد كافة، ولتزويد المواطنين بسبل التعويض وجبر الضرر وتعزيز ثقافة احترام حقوق الإنسان. وستضطلع الهيئات المستقلة الأخرى برعاية الشباب، والنساء، والأطفال والشيوخ، فيما سينظم اليمن الجديد ويقنن استخدام الأسلحة الشخصية ويجرّم الجماعات المسلحة، ويحظر على الجهات الأجنبية المس بسيادة اليمن أو استغلال مواردها. وستعالج قضايا الثأر القبلي من خلال المحاكم وعبر الآليات الوطنية الموكل إليها الفصل في هذه النزاعات. كما توصلنا لتوافقات هامة تنظم عمل الأحزاب السياسي والمنظمات والهيئات بما يكفل أن تمارس نشاطها بحرية وشفافية ومسؤولية. مجتمع عادل لا غرو في أن العدل هو أساس الحكم وأساس الدولة وفي هذا الصدد، تعهدنا بأن نكفل ونضمن الحياة الحرة الكريمة لكل يمني وهذا بلا شك يمثل مشروع التغيير وجوهره. ولهذا كانت المطالبة بالكرامة والمساواة العلامة المميزة للنضال اليمني وركيزة أساسية في العملية السياسية الانتقالية جنباً إلى جنب مع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وعطفاً على ذلك، تلتزم الدولة بأن تكفل الحماية القانونية وضمان الحقوق والحريات الأساسية لكل فرد بغض النظر عن الجنس أو اللون، أو الأصل أو الانتماء الاجتماعي أو الرأي أو الأفكار والمعتقدات. ويجب أن يتمتع كل مواطن يمني بحقوق كاملة وكذا بمسؤوليات تتيح لمجتمعنا التقدم بعدل وسلمية وثقة نحو التطور والازدهار. هذا هو جوهر العقد الاجتماعي الجديد لليمن، والضمانة الأكيدة لتحقيق مواطنة كاملة متساوية وهو أساس سلطة القانون، ولهذا علينا أن نعمل جميعاً من أجل تطبيق المعايير الدولية في هذا الصدد. إن ضمان حقوق الإنسان والحيلولة دون وقوع أي صورة من صور التمييز هو مسؤوليتنا جميعاً، وعلينا أن نولي عناية خاصة للفئات المستضعفة والمهمشة بما فيها المرأة والشباب والأطفال وكبار السن وذوو الإعاقة والفقراء والأقليات. وإدراكاً واعترافاً منا بالحاجة للإبقاء على الصيغة الشاملة للعملية الانتقالية والمشاركة الفاعلة من النساء والشباب، عمدنا إلى إيجاد حصة تمثيل للمرأة ب30 في المائة في كافة مؤسسات الدولة، و20 في المائة للشباب للمساهمة في إدارة كافة شؤون الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. يتطلع المواطنون لإيجاد نظام ديمقراطي تشاركي وفعال للحكم، ما يعني ضمان حقوق المشاركة السياسية، لاسيما حريات الفكر والتعبير والتجمع وإنشاء الجمعيات والحق في التظاهر. ولضمان التحرر من الخوف والفقر، ستكفل الدولة كذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مثل الحق في الملكية والتنمية والحق في التأسيس والعمل والمشاركة في النقابات العمالية، والحق في التمتع بالحياة الكريمة والتمتع بأعلى معايير الصحة والتعليم الممكنة، وكذا المسكن وحقوق العائلة. وسنعمل كذلك على صون وتيسير تنمية ثقافتنا الثرية التي تحدد هويتنا. سنحتفي بتنوعنا ونصون موروثنا الوطني وحقوقنا الثقافية، ومنها الحق في التعبير الفني، والتنوع الديني واللغوي بما في ذلك اللغة المهرية والسقطرية. تشكل حماية حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية حجر الزاوية في هذه العملية الانتقالية من أجل يمن جديد، ويجب أن يصبح هذا انعكاساً لمجتمعنا الجديد، ولهذا أهميته البالغة في معالجة وحلحلة القضايا العالقة الأخرى. وفي مجملها تسهم هذه الحقوق والحريات في ضمان يمن عادل اجتماعياً يبتغي تحقيق الفرص المتساوية وفرص الحياة لكل أبنائه ويحرر طاقاته البشرية الهائلة التي نحن بأمس الحاجة إليها للسير نحو الغد الذي نأمل.. مجتمع آمن لا شك في أن المجتمع العادل سيضع قواعد المجتمع السلمي. وفي هذا الصدد، ترتبط الاستقامة والنزاهة والانسجام الاجتماعي بشكل وثيق مع وجود قطاع أمني فعال يكتسب كامل ثقة اليمنيين على المستويات كافة وفي كل المناطق وبحكمة الولاء لله ولسلطة الدولة الشرعية دون غيرها، والالتزام الأصيل بحماية اليمنيين من التهديدات والمخاطر كافة. وتنشأ القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لضمان السلامة الإقليمية للبلاد وحراسة الحدود من التدخل الأجنبي أو الاجتياح، وستعمل الشرطة وخدمات القضاء والسجون للمساهمة في تدعيم الاستقرار الداخلي. ستطبق الدولة مبادئ أساسية لتحويل شكل العلاقات المدنية- العسكرية في البلاد وصوغ هوية وثقافة، وعقيدة عسكرية جديدة للمؤسسات العسكرية والأمنية، بما في ذلك جهاز الشرطة والقضاء والسجون. وستعمل الدولة على إحكام الرقابة المدنية على القوات المسلحة والخدمات الأمنية، وضمان تكوين قطاع أمني محترف غير حزبي ولا مُسيس يحتكم للقانون،ويخضع للمساءلة ويحترم حقوق الإنسان والحريات المدنية بضمير يقظ. كما سيحظر تجيير الأجهزة الأمنية والمسلحة والاستخبارات لصالح أي حزب سياسي أو جماعة أو فرد. إضافة إلى ذلك سيتم تحديد نطاق صلاحيات وأدوار ومسؤوليات جهاز الاستخبارات بوضوح، وتنظيمها بعناية بموجب القانون لضمان احترام حقوق الإنسان وعدم التدخل في الحكم. وسعياً للتصدي للتهديدات الأمنية الداخلية والخارجية التي تحدق بجمهورية اليمن الاتحادية ولحماية سيادتها، يتعين إنشاء مجلس وطني للدفاع والأمن لتحليل المخاطر وتطوير الهياكل والاستجابات المناسبة. كما يجب بناء وإصلاح الخدمات الأمنية (بما فيها الشرطة) وفقاً لذلك- مع إيجاد التركيبة والتوليفة المناسبة والتهيئة والقدرات للتعاطي مع مختلف الاحتياجات. ويجب- على وجه الخصوص- وضع جهاز الشرطة تحت إدارة عامة مناسبة على المستويين الإقليمي، والمحلي وأن يخضع للمساءلة وبالمثل، ستكون القوات المسلحة والأمن والاستخبارات وحرس الحدود قادرة على تلبية احتياجاتنا العديدة. باختصار، علينا أن نسهم في السلم والاستقرار الإقليميين بما يمليه ويوجبه موقعنا الجغرافي الاستراتيجي في العالم. مجتمع مزدهر عندما نتمتع بحريتنا الكاملة في بيئة عادلة ونصل إلى الانسجام والسلم الاجتماعي، نصبح قادرين عندئذ، بكل مواردنا وطاقاتنا، على السعي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على أساس مستدام، لقد قاسى الشعب اليمني من ويلات عجز الدولة عن توفير حتى أبسط مقومات البنية التحتية مثل: الكهرباء والماء، فيما تواجه بلادنا أزمة مستعرة من انعدام الأمن الغذائي. لقد ولجنا في هذه العملية الانتقالية يحدونا الأمل والتطلعات العِظام بأن نوفر لمجتمعنا وأجيالنا المستقبلية حياة كريمة وآمنة وفرصاً لتحقيق إمكاناتهم وأمالهم كاملة دون نقصان. ولذا وضعنا أجندة شاملة للدولة لتحقيق وعودها بعقد اجتماعي جديد، وبتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية والتعليمية. ويشمل هذا برامج لاجتثاث الأمية وتوفير رعاية صحية للجميع، وتمكين نظام الضمان الاجتماعي الذي سيعمل على تيسير تساوي الفرص، وإثراء التنوع في مسالك الأفراد الحياتية التي يختارونها بكامل الحرية والتنمية. وبذا نكون قد حققنا ليس فقط رفاهية الإنسان على أساس وطني بل وأسهمنا في إثراء السلامة الروحية للإنسان اليمني. تواجه اليمن العديد من التحديات التي تحتم إعادة تشكيل وصياغة أدوار ومسؤوليات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وكل فرد في مواجهة هذه التحديات من أجل الاستفادة القصوى من مواردنا وتحقيق التنمية المستدامة. وهنا لا نملك إلا أن نقف إجلالاً للدور المحوري الذي لعبته المرأة في العملية الانتقالية. إن المقياس الرئيس للتقدم نحو ما نصبو إليه يتمثل في رفع مستوى التفاعل والمشاركة في جميع قطاعات المجتمع وبالتالي يجب علينا توفير ظروف الحماية، والتمكين لضعافنا ومهمشينا باعتبارهم مساهمين حقيقيين وواعدين في التقدم الجماعي نحو آفاق المستقبل الرحب. يمن جديد لقد بدأنا هذا المؤتمر بعقول منفتحة وآمال عريضة، وقلناها جميعاً على الملأ وبصوت واحد إننا سنقوم بواجباتنا مخلصين لبعضنا البعض على الرغم من اختلافاتنا. ونحمد الله أننا وفينا بما قطعناه على أنفسنا وتحرينا في ذلك السلوك القويم الذي ستثبته جهودنا فيما يلي لتحويل القول إلى فعل، فلم يعد لدينا وقت لنضيعه. وفي كل مرحلة قطعناها، لا ننسى أن نشيد بدعم أصدقائنا الذين كانوا خير معين لنا ونحن سائرين على درب الحوار، مراعين في ذلك حقنا السيادي في تقرير مكانتنا السياسية والسعي من أجل بلوغ التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإننا لشاكرون ومقدرون حرصهم ودعمهم المستمر. ولا ننسى فوق هذا كله أن نعترف بأن عملنا لا يحكم عليه إلا إخواننا المواطنون والله من قبلهم. وأن حكم الله ثم ضمائرنا هما ما نهتدي ونستدل بهما وهما خير معين في الوفاء بمسؤولياتنا المشتركة ومستقبلنا الواعد ومصيرنا المشترك- معاً وعما قريب بإذن الله سنكمل مسيرنا نحو يمن جديد. لقد نجح مؤتمر الحوار الوطني في جمع وإعادة صوغ صورة مستقبل البلاد بأسرها حول رؤية جديدة عن دولة حديثة مدنية ديمقراطية اتحادية، وفعّالة تصون وتكفل أسس المجتمع العادل والمتكافل والمزدهر لمنفعة كل اليمنيين. علينا أن نتحرر من ماضينا ونشمر السواعد لبناء يمننا الجديد على قواعد راسخة من المسؤولية المشتركة، والإرث المشترك والموارد المتنوعة التي حبانا الرحمن بها، وعلى رأسها الإنسان بطاقاته الخلاقة وإيمانه المطلق وعمله الدؤوب في السير الجماعي نحو مستقبلنا، ومستقبل الأجيال القادمة. هذا هو عقدنا الاجتماعي الجديد... هذا هو العهد. الاولى خليج عدن