نلاحظ منذ مدة أن أمانة جدة تقوم بإزالة مجسمات كثيرة كانت تزين الميادين ونقلها إلى أماكن مجهولة وطمس هوية وشطب ذاكرة سكانها وزائريها الذين مازالوا يطلقون على الشوارع أسماء مجسماتها المزالة مثل «الجواد الأبيض، الشاكرين، التحلية، الطيارة، السفن والآية» ونشرت الصحف في السابق سوء نقل وحفظ وضياع بعض مكتسباتنا الوطنية وعدم وجود خطة لوضعها في مواقع أخرى داخل جدة أو محافظات أخرى أو حتى بيعها في مزاد علني أو إهدائها لدول صديقة تقدر الجمال وتعي أهمية الفن. إن المجسمات في جميع دول العالم تعتبر واجهة البلاد، وبالتالي فإن صيانتها وإضفاء الجماليات عليها تضمن رونقها، لقد كانت جدة بحق آنذاك مدينة الفن والجمال المرصعة أرضها وأرصفتها وميادينها بآيات الفن الإنساني في أعلى تجلياته ولكن مع تعاقب الأمناء فقد كانت أعداد تلك الأعمال الرائعة تتناقص بحجج واهية كتوسعة الشوارع والتقليل من الميادين تسهيلا لمرور السيارات واستيعاب كثرتها وازدحامها، ولست أدري- على سبيل المثال- كيف استطاع مايور أمين مدينة لندن المزدحمة بستة عشر مليون مواطن ومقيم وسائح أن يحتفظ بمجسم البيكاديللي الشهير في موقعه من نقطة تقاطعه مع شارع (ريجنت استريت) إلى يومنا هذا؟ دون أن يفكر هو أو أي من سابقيه في إزالته من موقعه.. خدمة ل»التكاسي» والسيارات الخاصة والحافلات اللندنية بدوريها، ولو فكر في ذلك.. هو أو من سبقوه لوجد عاصفة من الاعتراض عليه، ولكننا فعلنا ذلك بتفكير أو بدونه دون وجود حاجة فعلية أو ملحة لذلك كإزالة مجسم الآية الكريمة (وقل رب أدخلني مدخل صدق) على شارع السلام أو مجسم سيوف الله على شارع فلسطين الشرقي أو مجسم الطائرة بقاعدته الرائعة من السحاب الأبيض والموج الأزرق التي يستحيل إعادتها في شارع الأمير ماجد وأخيرًا إزالة مجسم المفروكة وميدانه على تقاطع شارعي التحلية واسماعيل أبوداود ويبدو أن موال إزالة الأعمال الجمالية سيستمر غناؤه! ولكن في سياق استرجاع هذا الاستئصال التدريجي للأعمال الفنية والجمالية من شوارع وميادين وكورنيش جدة لابد وأن يذكر إنصافًا لرابع أمناء مدينة جدة المهندس عبدالله يحيى المعلمي (السفير السعودي حاليًا) لدى منظمة الأممالمتحدة استبقاؤه لكل الأعمال والمجسمات الجمالية في الشوارع والميادين في مواقعها بل وحرصه على المحافظة عليها عندما قام بتطوير (كورنيش الحمراء) إلى أرقى مستوى جمالي عملي، فلم يمس تلك الأعمال الجمالية التي يحتشد بها متحف الهواء الطلق العالمي عليه وهو ما حسب له بالأمس ويحسب له اليوم مجددًا. نزار عبداللطيف بنجابي - جدة صحيفة المدينة