نصفُ خطوةٍ في الملفِ السوريّ، وخطوةٌ إلاّ ربعًا في الملفِ اليمنيّ، وخطوةٌ إلى الخلفِ في الملفِ التونسيّ، وخطواتٌ على أشواكِ التحدياتِ في الملفِ المصريّ.. تلكَ حصيلة الأسبوعِ السياسيِّ الأسخن في القضايا الأربع، التي باتتْ هاجسًا ثابتًا لدى العرب أجمعين، ليس من قِبل الاهتمامِ بالجيرانِ فقطْ، وإنما لتأثيراتهَا المباشرةِ وغير المباشرةِ على أحوالِ الأمةِ كلهَا.. إنْ صحّت التسميةُ بهذا الاسمِ القديمِ!! أمّا عن "نصفِ الخطوةِ" التي وصفهَا الأخضر الإبراهيمي، أو وصفَ بها الأجواءَ داخلَ جنيف؟ فأقلّ ما يُقال عنها أنها تحبطُ المتابعينَ للمذابحِ اليوميةِ المستمرةِ، ولحرقِ الأخضرِ واليابسِ في سوريا قبل حرق الإبراهيميّ نفسه في زحمةِ تشابكِ المصالحِ وتقاطعِ المنافعِ الدوليةِ! صحيحٌ أنّ المهاتراتِ الإعلاميةَ بين الطرفين شيءٌ، وما يجري داخلَ أروقةِ المؤتمرِ شيءٌ آخرُ، وصحيحٌ أن الطرفين اجتمعا سويًّا في غرفةٍ واحدةٍ، لكنّ الأصحَّ أن شعبًا عربيًّا أبيًّا ينقسمُ ويتمزقُ، وأنّ أرضًا عربيةً جديدةً تتحوّل إلى ساحةٍ خصبةٍ لتفريخِ الفتنةِ وتوسيعِ رقعتهَا لتشملَ سوريا والعراق ولبنان في آنٍ واحدٍ. فإذَا ما انتقلنَا لليمنِ ورغمَ الفرحِ الدوليّ والعربيّ بما نُقل عن نجاحِ مؤتمرِ الحوارِ الوطنيّ في توقيعِ الوثيقةِ النهائيةِ للنظامِ الاتحاديّ متعدّدِ الأقاليم ما زالت المخاوفُ مستمرةً من النكوصِ تارةً، ومن تغيّر النفوسِ تارةً أخرى، بحيثُ نعودُ كلّ عامين أو ثلاثةٍ إلى المربعِ صفر، وفيمَا كانَ أمينُ عام المؤتمرِ الدكتور أحمد بن عوض بن مبارك يؤكدُ نجاحَ المؤتمرِ "في صنعِ البوابةِ التي خرجَ بفضلهَا اليمنُ من أتونِ الصراعِ، ومخاطرِ الانزلاقِ إلى الهاويةِ، إلى آفاقِ الحوارِ والتوافقِ الرحبةِ" كانَ آخرونَ في الجنوبِ تحديدًا يتحدّثونََ عن ترحيبهم بأيّ عقوباتٍ دوليةٍ تُفرضُ عليهم حالَ عدمِ موافقتِهم على نتائجِ الحوارِ! مع ذلكَ تظلُّ الخطوةُ اليمنيةُ هي الأبرز، إذا علمنَا أنّ مطالباتِ المعترضينَ تحوّلت من المطالبةِ بالانفصالِ التامِّ إلى الحديثِ عن الإفراجِ عن المعتقلينَ، وحذفِ اسم علي سالم البيض من بيانِ مجلسِ الأمنِ، ومطالب أخرى يمكنُ تحقيقُها! كنتُ أستمعُ قبلَ يومين لحوارٍ للرئيسِ السابقِ حيدر أبو بكر العطاس، وهو يصفُ وثيقةَ مؤتمرِ الحوارِ بوثيقةِ النوايا الحسنةِ، وأنا ألمحُ ثمّة تغيُّراتٍ واضحةً في موقفهِ، خاصةً وهو يدعُو لموقفٍ جنوبيٍّ موحدٍ تجاهَ الوثيقةِ. لقدْ كانَ من اللافتِ أن العطاس مرتاحٌ كثيرًا لمَا يراه اعترافًا في الوثيقةِ بأن "الوحدةَ انتهتْ، والنظامَ السابقَ انتهَى" داعيًا للبحثِ عن نظامٍ جديدٍ، ووضعٍ جديدٍ! قريبٌ من ذلكَ قدْ تجد موقفَ السياسيِّ المحنكِ الشيخِ عبدالرحمن الجفري، وآخرين لم يسجلُوا حتى الآنَ رفضَهم للوثيقةِ، بقدرِ ما تحفّظوا على بعضِ بنودِها.. وهو الأمرُ الذي يعنِي قربَ اكتمالِ الخطوةِ اليمنيةِ التي يتمنّى مساعدُ الأمينِ العامِ للأممِ المتحدةِ جمال بن عمر -ونتمنّى معه- أنْ تكونَ "مقدمةً لبناءِ دولةٍ يمنيةٍ حديثةٍ وقويةٍ، ومجتمعٍ يمنيٍّ عادلٍ وآمنٍ ومزدهرٍ". والحقُّ أنّنا تُقنَا للعدلِ والأمنِ والازدهارِ ليسَ في اليمنِ وحده، وإنّما في سوريا والسودان وليبيا وتونس ومصر والجزائر وغيرِها من دولٍ عربيةٍ تستحقُّ شعوبُها العيشَ والحريةَ والكرامةَ الإنسانيةَ.. إنّها شعاراتُ الشعوبِ التي تحوّلتْ إلى أمنياتٍ يرونَها قريبةً، وقريبةً جدّاً، ويراها آخرونَ أنها بعيدةٌ كلّ البعدِ. والحقّ أنّ هذه الشعاراتِ تراوحُ بينَ القربِ والبعدِ، خاصةً في تونس التي اجتازتِ الصعبَ بفعلِ التنازلاتِ، والصفحِ الجميلِ قبلَ أن تصطدمَ بالإحباطاتِ والعراقيل، ولعلّ أحدثها فشلُ رئيسِ الحكومةِ المكلّف مهدي جمعة في تشكيلِ حكومةِ مستقلّين، بعدْ أنْ تفاقمَ الخلافُ بشأنِ هويةِ وزيرِ الداخليةِ.. لقدْ باتَ من الواضحِ أن تونس -شأنها شأن دولِ الربيعِ العربيّ- تعانِي من شحٍّ في المستقلينَ الحقيقيينَ لا الوهميينَ.. إنّهم المستقلونَ المحايدونَ الذين يغلّبون مصلحةَ بلدانِهم على مصالحِهم الشخصيةِ السياسيةِ الآنيةِ.. مثل هؤلاء باتُوا عملةً نادرةً بالفعلِ.. العجيبُ والمثيرُ والمؤسفُ في آنٍ واحدٍ أنّ الخلافَ على وزيرِ الداخليةِ هو الذي يقفُ حجرَ عثرةٍ في تشكيلِ الحكومةِ، فيما من المفترضِ أنْ يكونَ المنصبُ مصدرَ أمنٍ وأمانٍ لكافةِ الفرقاءِ؛ باعتبارِهم يمثلونَ نسيجَ شعبٍ واحدٍ لا شعبين، ودولةٍ واحدةٍ لا دولتين. وعلى خُطى التعثرِ تدخلُ الملفاتُ السودانيةُ، أو الجنوب سودانية -بمعنى أدق- فرغمَ توقيعِ اتفاقِ وقفِ العنفِ بين سيلفا كير ورياك مشار استمرَ التراشقُ بالأسلحةِ بين الطرفين، فيمَا ينذرُ بعدمِ صمودِ الاتفاقِ لأكثرِ من أسبوعٍ، أو شهرٍ، أو عام؛ ليبقَى جنوب السودان بشكلٍ عام وخاص أيضًا أكثرَ البلدانِ توترًا في المحيطِ العربيِّ. المؤلمُ والأخطرُ في كلِّ هذه الملفاتِ وغيرها أنّه كلّما تأخرتِ الحلولُ ازدادتِ الهوُّةُ بين شرائحِ الشعبِ! والسببُ في ذلكَ واضحٌ وبسيطٌ، وهو أنّ الشعوبَ لمْ تعدْ تجلسُ حولَ "الراديو" لسماعِ نشرةِ الأخبارِ، وإنَّمَا هي التِي تصنعُها تارةً بالمظاهراتِ، وأخرَى بالمماحكاتِ، وثالثةً بالانتقاماتِ.. فإذَا ما فرغَ المجتمعونَ المتحاورونَ من خلافاتهم مساءً، استيقظُوا على شعوبٍ جائعةٍ، ونهمةٍ للعيشِ، والحريةِ، والكرامةِ الإنسانيةِ، والعدالةِ الاجتماعيةِ. [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة