شهد سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني نائب رئيس المجلس التنفيذي، مساء أمس، محاضرة بعنوان "آفاق السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة" ألقاها الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، بمجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بقصر البطين في أبوظبي . حضر المحاضرة محمد أحمد المر رئيس المجلس الوطني الاتحادي، وسمو الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي، وعدد من الشيوخ والوزراء وكبار المسؤولين، وأعضاء السلك الدبلوماسي، وحشد من المدعوين . وفي بداية المحاضرة قال الدكتور أنور قرقاش يسرني في البداية أن أعبر عن اعتزازي بفرصة الحديث أمام هذا الجمع الطيب وفي هذا المجلس الكريم وحول آفاق وتطلعات السياسة الخارجية لدولة الإمارات . وأضاف: أعلم أنني أتحدث باسم كل مواطن ومقيم في هذه الأرض الطيبة في دعوتي بالشفاء العاجل لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والله يعلم مدى حب أهل هذا الوطن لهذا الرجل الذي أكمل مسيرة والده وأضاف إليها وتميز بعطائه بعيداً عن الأضواء والتبجيل . أكد الدكتور قرقاش أنه عبر توجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عززت وزارة الخارجية من اهتمامها التقليدي برعاية مصالح مواطني الدولة وهم في الخارج، ومن خلال أدائها في هذا الجانب ميّزت سياستنا الخارجية نفسها ولم تبق حبيسة الأبراج العاجية للمسائل الدبلوماسية الكبرى وفعّلت الشعار الذي رفعه صاحب السمو رئيس الدولة أن المواطن أولاً وثانياً وثالثاً، مشيراً في ذلك إلى جهود الدولة في التأشيرات إلى بريطانيا والشنغن ومتابعة قضايا المواطنين في حالات الحوادث والطوارئ والكوارث وخطط الإجلاء . وقال: في حديثي في هذه الأمسية أطرح أمامكم ملاحظات تشكلت من واقع الخبرة العملية كوزير دولة للشؤون الخارجية، تجربة لا شك في أنها ثرية برفقة عزيزة وتوجيهات سديدة من سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، ولا أود أن يكون سردي في هذه الأمسية سرداً تاريخياً مع الإقرار بأننا لا نستطيع أن نتفادى الاشارات إلى التاريخ وبخاصة مرحلة سنوات البناء والتأسيس الصعبة، ورأيت أن يكون حديثي في هذه الأمسية مستنداً إلى مشاهدتي ومشاركتي . وأضاف: حضرت قبل أكثر من عام محاضرة لوزير الخارجية السابق راشد عبدالله النعيمي في ندوة الثقافة والعلوم، وتحضرني إجابته الذكية عن سؤال يقارن بين سياستنا الخارجية في تلك الفترة وسياستنا الخارجية اليوم، وجاءت إجابته من واقع من عركته الخبرة، حيث أجاب من دون تردد أن سياستنا الخارجية اليوم أكثر فاعلية لأن علاقاتنا الدولية أكثر تنوعاً وتشعباً، وقد وصل عدد بعثاتنا إلى 84 بعثة . وأكد الدكتور قرقاش: من خلال تجربتي على المستوى التنفيذي أجد نفسي شاهداً على حرص قيادتنا على سمعة الإمارات وكرامتها وسيادتها، فلا تسرع ورد فعل طائش، بل إدراك ووعي، ولابد للطموح أن يتواءم مع أهداف الإمارات التنموية والسياسية وألا يكون طموحاً متضخماً يشكل عبئاً لا داعي له على مسارنا وقدراتنا وعلاقاتنا مع الدول، والتوازن الدقيق بين المصالح والقدرات ضروري، ومن خلال هذا القياس تبنى سياسة خارجية تعزز من مكانة الإمارات وتخدم مصالحها من دون أن ترهقها بدور مغامر لا يصب في مصلحتها، وهذا التوازن من أسسه معرفة وإدراك ومتابعة لطبيعة النظام الدولي والمشهد الإقليمي لمعرفة هامش الحركة المتاح أمام الدولة الوطنية، فالسياسات الخارجية لا تتحرك من فراغ بل عبر نظام دولي متغير، لو ببطء، ومعه مشهد إقليمي مصاحب، ولا يعني كل ذلك أن السياسة الخارجية للإمارات لازمها الحذر دائماً، أو عانت من تواضع مزمن، بل نجد أنها لم تتردد في اتخاذ المواقف الشجاعة والمتقدمة عندما تكون هناك حاجة . وأضاف: تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والذي ندعو له بالشفاء العاجل، استمرت هذه القرارات في المفاصل الضرورية، ورأينا موقف الإمارات في أفغانستان وليبيا ومساهمات قواتنا المسلحة فيهما وفي كوسوفو والصومال، مشيراً إلى أنه في أفغانستان حققت سياستنا هدفين الأول دحض المزاعم بوصف الصراع على أنه صراع أديان أو حضارات، والثاني عززت علاقة الإمارات بشركائها وضمنت لها مقعداً في قضية من قضايا الصدارة في المجتمع الدولي وساهم موقف الإمارات في التصدي لظاهرة الإرهاب والتطرف الذي استهدف ديننا وإرثنا وأرواح أبنائنا وأحلامهم ومستقبلهم . وأكد الدكتور قرقاش أنه لاشك في أن دعم الإمارات لاستقرار مصر ودعم إرادتها الشعبية هو مثال آخر للموقف المتقدم والشجاع للسياسة الخارجية للإمارات، والموقف الصلب في الانحياز لشعب مصر وإرادته ومستقبله، موقف سيقيمه التاريخ كلحظة حرجة كان لجرأة الإمارات وشجاعتها قول فيصل في تحديد الاتجاه وحسم الخيار لمصلحة مصر وشعبها . وقال: من خلال بناء تجربة تنموية ناجحة، استطاعت الإمارات أن تعزز ثقلها الإقليمي وصوتها وأداءها الخارجي وموقعها في المنطقة، وأرى ذلك الحرص على التنمية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث في كل اجتماع لمجلس الوزراء هاجسه الرئيسي التنمية وأن تكون الإمارات الرقم واحد، فنرى قيادة حكيمة تريد البناء والتنمية اكثر من السياسة . واضاف: من الجدير بالذكر أن الكلمة الأولى للإمارات في الأممالمتحدة في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 1971 جاءت من مخاض الولادة القيصرية لدولة الاستقلال والاتحاد فتناولت ظروف احتلال جزر الإمارات عشية ولادة الدولة وعبرت عن ثقة بالقانون الدولي وبضرورة الحل السلمي للمنازعات، وهي أركان ما زالت رئيسية في عملنا وفي توجهات سياستنا الخارجية . وقال: لاشك في أن احتلال جزرنا في ساعات الاستقلال يمثل جرحاً في وعينا الجماعي ومع هذا يبقى منهجنا العقلاني القانوني سبيلنا مع الاستمرار في الاحتلال برغم قوة المشاعر والعواطف . وأكد الدكتور قرقاش أنه مما عزز سياستنا الخارجية برنامج تنموي ممتد وجهود إغاثية سخية تعبر عن كرم الإمارات ومسؤوليتها وتعاضدها مع الدول الأقل حظاً، ولاشك في أن هذا التوجه يحصن سياستنا الخارجية وسمعتنا الدولية، وهذه العلاقة الطردية بين السياسة الخارجية والقيم أساسية للنجاح، وهي مسؤولة عن تراكم التقدير والاحترام للإمارات وزيادة مخزونه الذي تأسس عبر السنوات والتجارب . كما أن الاستراتيجيات والخطط الداخلية عززت مسارنا الاقتصادي ونوّعته وابتعدت به عن النموذج التقليدي للدولة الريعية، ليصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى ما يقارب 350 مليار دولار . وأسهم التسامح والتواصل والسياسات الاجتماعية غير الضاغطة في خلق بيئة داخلية جاذبة عززت من نجاح تجربة الإمارات، وأردد دائماً لكل زائر يريد أن يسمع عن تجربة الإمارات أن ملف تمكين المرأة أحد أهم قصص نجاحنا إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وأصبحت الدولة نموذجاً لنجاح الدولة العربية والمسلمة وقبلة للشباب والكفاءات العربية وغيرها من الكفاءات، فعلى صعيد الاستثمارات الأجنبية في الإمارات بنهاية 2012 تجاوزت 95 مليار دولار، وانعكس هذا النجاح الداخلي قوة وقدرة في سياستنا الخارجية، وكان من الطبيعي أن يتلمس العالم نجاح هذا النموذج وأن تتجذر علاقاته مع الإمارات وأن يقدر تدريجياً هذه الصداقة العاقلة وهذه العلاقة التي بالإمكان الاعتماد عليها . وقال ميزنا منذ بداية الربيع بين حركة التاريخ وأهميتها والمسائل السياسية الآنية، وبين ضرورة إدارة الملفات الإقليمية وصيانة مكتسبات الإمارات ودعم الوسطية والاعتدال، وأدركنا في خضم ذلك الخطط الحزبية للجماعات الحزبية وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وعرفنا تشعباتهم الإقليمية والدولية وتدخلهم في الشأن الداخلي ومن ضمنه الشأن الداخلي الإماراتي، واتضح أن موقفنا الصلب والواضح كان دقيقاً في تحليله متقدماً في تنفيذه، وبينما اعتقد بعض الإخوة بداية أن حساسياتنا تجاه تجار الدين مفرطة أثبت سير الأحداث لهم أن موقفنا وصراحتنا تجاه هذا الخطر كان في محله . واضاف: لاشك في أن قضايا ومشكلات المنطقة بإمكانها أن تستهلك جهد سياستنا الخارجية بأكمله، فلا تبقى لنا طاقة نستثمرها مع عالم أوسع وأرحب وجهد نوجهه لقضايا أصبحت مهمة ورئيسية في التطور الإنساني والعالمي، ومثل هذا السيناريو يمثل تحدياً لأية سياسة خارجية عربية تنشغل بقضايا المنطقة، برغم خطورتها وأحياناً صغائر مناوراتها، ولا تترك جهداً وطاقة لإدارة علاقات أخرى متشعبة وغنية بالاقتصاد والتنمية والموارد البرية والنهوض الاجتماعي . وفي هذا السياق لطالما قرأنا هذا المقال أو تلك الدراسة بين حال هذا البلد العربي أو ذاك مقارنة مع كوريا الجنوبية وكيف تساوت المؤشرات في بداية الخمسينات لتتفاوت في يومنا هذا كأننا نتحدث عن عالمين مختلفين . وأستحضر في هذا المقام سؤالاً طرحه صاحب هذا المجلس الكريم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قبل سنوات قليلة، فبعد حديث عن أهمية الهند للإمارات وملخصه كم نمضي في إدارة سياساتنا الخارجية للهند وكم نخصص من الوقت لهذه الدولة في جوارنا أو دول أخرى قريبة ولكنها أقل أهمية للإمارات، والملاحظة واضحة ذكية والخلاصة أن على سياساتنا الخارجية أن تتوجه إلى حيث الآفاق أرحب والمصلحة المرتجاة أكبر . وملاحظة أخرى سجلتها في لقاء لأحد السفراء الأجانب مع سموه، وتساؤل السفير عن أسباب عدم التواصل الشخصي بين سموه مع بلد السفير، فأجاب سموه بصراحة، أحترم بلدكم وأقدره وبذلت جهدي من دون مردود ففضلت أن أترك الملف لغيري وأن أستثمر جهدي في ملفات أحس بمردودها، رأي واضح لا تغلفه دبلوماسية زائفة من رجل عرف عنه كثير العمل وقليل الكلام . وقال: مع ألا تستهلكنا مشكلات المحيط والجوار يبرز موضوع التوجه نحو تعميق علاقات الإمارات مع آسيا ودول الاقتصادات النامية، وفي هذا السياق أشير إلى أننا وفي تصنيفنا لأهم 16 سفارة يضم هذا التصنيف خمس دول في آسيا وأوقيانوسيا (الهندوالصينوكوريا الجنوبية وأستراليا) . واضاف من المتوقع أن تتفوق الصين على الولاياتالمتحدة بحلول العام 2017 كأكبر مساهم في الناتج المحلي العالمي، وبرغم نجاحنا في تطوير علاقاتنا مع هذه الدول والشرق بوجه عام وبصورة تميزنا عن محيطنا الخليجي والعربي، إلا أن السقف لا يزال متواضعاً مقارنة بالآفاق المتاحة، مشيراً إلى أنه في هذا الصدد فإن شراكات الإمارات في بيع نفطها كانت دائماً آسيوية وإن 45 في المئة من تجارة الإمارات الخارجية هي مع الدول الآسيوية غير العربية . وقال إن النظام الدولي متبدل متحول وغير مستقر ولا يسعنا إلا أن نقرأ هذه التحولات بدقة وحرص، فالعالم الذي ترك قطبيته الثنائية أكثر تعقيداً اليوم وصورته المركبة ستبقى ملامحها غامضة إلى حين، وأن التحولات في مشهد الطاقة وخاصة في الولاياتالمتحدة أحد المؤثرات التي علينا متابعتها، آخذين في الاعتبار احتمال أن تتفوق الولاياتالمتحدة على السعودية في إنتاج النفط بحلول ،2020 مثل هذه التحولات تحمل في أتونها آثاراً عميقة على أسعار النفط ودخل دول النفط وانعكاسات كبيرة محتملة حول توازنات النظم الإقليمية والدولية، بل حتى على أولويات سياستنا الخارجية . وأشار إلى التطور الكبير الذي شهدته علاقاتنا مع واشنطن في السنوات الماضية نتيجة لتوجه استراتيجي ومتابعة وتواصل عزز هذه العلاقة المحورية بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية . وقال: في تقييمي أننا في عالم بعيد عن القطبية الأحادية ما زالت واشنطن الأقدر على ممارسة النفوذ على الصعيد السياسي والاستراتيجي برغم المنافسة الحادة على الصعيد الاقتصادي، وأراها متربعة على كرسي التأثير السياسي والعسكري في المدى المنظور، وكما أن التحول في الاقتصاد والأيديولوجيا يحل معه بذور تحول سياسي في النظام السياسي الدولي، فعلينا كذلك أن نرى التحول في طبيعة القضايا السياسية التي أمامنا . وقال الدكتور قرقاش: العمل اتسع أفقياً ليشمل تنوعاً لم يكن يخطر على البال، جزء من هذا التحول يعود إلى المشهد الدولي وجزء تعود أسبابه إلى تشعب مصالح الإمارات وتصاعد موقعها الدولي، فنرى اليوم أن جزءاً كبيراً من عملنا متابعة مصالح الإمارات الاقتصادية ورعاية مصالحها الاستثمارية ويقودنا ذلك إلى متابعات في غينيا كونكري إلى أنغولا وإلى فنزويلا وبيرو، إضافة طبعاً إلى مواقع اهتمامنا التقليدية كمصر والهند وباكستان وأوروبا، مشيراً إلى أن إجمالي الاتفاقيات وصل إلى 44 اتفاقية حماية وضمان استثمار و74 اتفاقية منع الازدواج الضريبي . الخليج الامارتية