استطاعت حكومة الوفاق تعديل70 بالمائة من أسعار الغاز المسال المباع لكوريا الجنوبية، ووعد وزير النفط والمعادن أحمد عبدالله دارس بتعديل أسعار كل عقود البيع ابتداء من العام 2014 لتكون مطابقة لأسعار السوق. في الاسبوع الأول من أكتوبر وافقت شركة توتال الفرنسية التي تمتلك النصيب الأكبر من شركة إنتاج الغاز اليمني المسال (يمن إل إن جي) وافقت بصورة مبدئية على رفع أسعار بيع الغاز اليمني من 3 إلى 7 دولارات للمليون وحدة حرارية، أي أن الاسعار تحركت أكثر من 100%. وترددت معلومات بأن متوسط أسعار الغاز اليمني المباع ستزيد عن تسعة دولارات للمليون وحدة حرارية بدءاً من العام المقبل 2013، علماً بأن أسعار السوق العالمي تتراوح. بين 16 و18 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية، لولا أن صفقة فساد باعت الغاز اليمني إلى كوريا بسعر ثابت (3 دولارات) إثر اتفاقية أبرمتها سلطة المخلوع علي صالح لمدة 20 سنة عندما كان السعر العالمي 12 دولاراً. قطعنا نصف الطريق فقط، لكن لن يضيع حق وراؤه مطالب. للتذكير، فحتى يونيو الماضي كان هشام شرف وزير النفط السابق يؤكد أن اليمن لن تتمكن من إعادة النظر في أسعار الغاز قبل 2014. ما الذي حدث بين يونيو وأكتوبر من العام الجاري لتتغير أسعار الغاز اليمني؟. بالتأكيد، لم يتدخل جني سيف بن ذي يزن. إنما هي إرادة قادة السلطة التنفيذية التي تجاوبت مع إرادة الشعب. أدى نجاح وزير النقل الدكتور واعد باذيب في استعادة ميناء عدن من شركة مؤانئ دبي العالمية إلى ارتفاع مستوى التوقعات بإمكانية استعادة ثروة الغاز اليمني لتشابه ظروف بيعهما التي كانت كما يقول المثل «بيعة سارق». مقابل 27 مليون دولار، تخلت موانئ دبي ودياً عن تشغيل ميناء عدن للحاويات، اعتباراً من 20 سبتمبر الماضي، بعد مضي 4 سنوات فقط على اتفاق مدته 30 سنة. مصدر مطلع على المفاوضات التي جرت مع موانئ دبي أرجع موقفها إلى ما كانت تتكبده من خسائر مالية وفي سمعتها كلما أطلق الوزير باذيب تصريحاً صحفياً حول عقد تشغيل ميناء عدن، ففضلت صرف التناولات الصحفية عن صفقة فساد جرت في «مقيل قات» وحصلت بموجبها على اتفاقية بتشغيل الميناء مطلع نوفمبر 2008، وهو الاتفاق الذي أثار الكثير من الجدل واعتبره اليمنيون مجحفاً بحقهم. كانت قناة الجزيرة نقلت عن حكومة الوفاق قولها إن الصفقة كانت سرية حصل الرئيس المخلوع علي صالح بموجبها على (600) مليون دولار وأدخل أحد أقربائه شريكاً فيها. بانطواء عهد الصفقة وعودة ميناء عدن طالب شباب الثورة السلمية وأعضاء في مجلس النواب باستعادة ثروة الغاز اليمني، من خلال إلغاء اتفاقية بيع الغاز للشركات المساهمة في مشروع بلحاف الغازي. في الثاني عشر من سبتمبر تعين أحمد عبدالله دارس وزيراً للنفط والمعادن، وبعد عشرة أيام قال إن الوزارة انتهت من إعداد اتفاقية خاصة ببنود وأحكام تطوير استكشاف واستغلال الموجودات الغازية والتي سيتم التفاوض بشأنها وتطبيقها على الاتفاقيات السابقة للقطاعات الاستكشافية والإنتاجية. ما يعني إعادة النظر في الاتفاقيات السابقة. جاء مسؤولو شركة توتال إلى صنعاء وسمعوا من رئيس الوزراء ومن رئيس الجمهورية رغبة اليمن في تعديل أسعار بيع الغاز، وأكد ذلك الرئيس هادي أثناء توقفه في العاصمة الفرنسية باريس مطلع أكتوبر، ضمن جولة خارجية. وطبقاً لوسائل الاعلام فإن الرئيس أبلغ قادة الشركة ضرورة التحاور والعمل من أجل وضع اتفاق جديد يتواكب مع الوضع الحالي في اليمن حتى لا يكون هناك اجحاف في حق أي طرف من الطرفين، وكذا أهمية تفهم الموضوع من قبل الشركة وفقاً للمعطيات الجديدة. التعبير بالمعطيات الجديدة والوضع الحالي في اليمن فسره المتابعون بأنه إشارة صريحة إلى الثورة الشبابية الشعبية، وما شكلته من ضغوط إزاء الاجحاف بحق الشعب، وهو ما ظهر في فعاليات الشباب الثوار الذين بات من الثابت لديهم أن أسعار بيع الغاز المسال تمثل إهداراً فاضحاً لثروة الغاز اليمني. انتهت المفاوضات بين وزارة النفط وشركة توتال الفرنسية وجي دي أف سويس في باريس بتعديل أسعار بيع الغاز بنسبة 100 في المائة (من 3 إلى 7 دولارات للمليون وحدة حرارية)، كما ذكرنا. هذه ثمرة بارزة للثورة، وإن كانت ليست الابرز. وقال وزير النفط يومئذ: تحسين أسعار بيع الغاز سيكون عن طريق تحويل شحنات الى اسواق اخري منها شرق آسيا وشمال أوروبا وبأسعار وصلت الى 21،7 فوب بما لا يقل عن 340 مليون دولار كعائد للدولة في العام 2013 محققاً زيادة عن العائد السنوي الذي كان لا يتجاوز 160 مليون دولار في العام». وفي وقت لاحق ذكر الوزير أن تعديل الاسعار شمل 70 في المئة من الاتفاقيات وتبقى نسبة 30 بالمائة منها ما يزال التفاوض بشأنها جارياً مع شركات كوغاز الكورية. وتعهد الوزير بتكثيف الجهود لتحسين الأسعار للأعوام القادمة بشكل أكبر بحسب اسعار السوق العالمية السائدة بما فيها السوق الكورية. لم يقل الوزير كم حجم التصدير، إلا ان بعض المصادر ومنها مؤسسة الحوار الإنساني ذكرت أن اليمن صدر 6.55 مليون طن من الغاز المسال في العام 2011. لم تنته المشكلة كاملة، فشركة توتال هي البائع وهي المشتري في الوقت نفسه. تعديل أسعار بيع الغاز المسال جاء بعد أكثر من 6 أعوام على تدشين مشروع بلحاف الغازي بأسعار هي الأقل عالمياً، الأمر الذي كلف اليمن خسائر مالية بلغت مليارات الدولارات. تعد التكلفة الاستثمارية لمشروع بلحاف الأكبر في تاريخ اليمن والبالغة 4.5 مليارات دولار. هذا الوصف ليس من عندي، لكنه شاهد الحال الأكبر على بؤس الواقع، وتقدم وقائع تآكل قيمة استثمارات المشروع قصة دراماتيكية لما فعله فينا الفساد المرسم: أعلن علي صالح عن مشروع الغاز أواخر الثمانينيات بقيمة 13 مليار دولار بتحالف تقوده شركة هنت الامريكية. بعد وحدة 22 مايو ارتفعت قيمة المشروع تدريجياً فوصلت 19 ملياراً، غير أن وزارة النفط، أيام الشهيد بن حسينون جلبت إلى حلبة المنافسة شركة أنرون الامريكية، فاضطر تحالف هنت توتال إلى رفع القيمة إلى 21 ملياراً، أما أنرون فعرضت 31 مليار دولار مع توصيل الغاز إلى العاصمة صنعاء مجاناً. قضت حرب 94 على هذه الفرصة، ومن أجل الحفاظ على العرش فضلت صنعاء شركة توتال قائداً لتحالف جديد لكن قيمة المشروع كانت قد تراجعت إلى 16 ملياراً، ثم إلى ستة مليارات. لم تتوقف الخسارة عند هذا الحد، فقد أخذت أسعار بيع الغاز منا الكثير من المليارات ولم يعد بالإمكان استردادها. أراد البعض جعل تعديل الاسعار من المستحيلات، لكن مفاعيل الثورة الشبابية كانت قد بدأت تؤتي أُكلها. وماذا بعد؟ في مؤتمر القاهرة 9 نوفمبر مع ممثل الأممالمتحدة جمال بن عمر والمعارضة الجنوبية في الخارج. قال حيدر أبو بكر العطاس، أول رئيس وزراء في حكومة يمن 22 مايو: «الآن حقول النفط كلها بأسماء ضباط ومشايخ». يبقى ان تصل يد الثورة إلى كامل قطاع النفط والمعادن، وفي المقدمة معدن الذهب. فالعائدون من مدينة دبي يتحدثون عن سوق لاسعار الذهب اليمني هناك!! حالات تلبُّس بيعة السارق للغاز لم تنكشف خباياها بعد، ونكتفي بتبيان النائب صخر الوجيه لظروف عقد الصفقة، بالقول: «عندما علمنا بالحقيقة عن طريق وزير الطاقة الكوري قمنا بإرسال رسائل إلى الحكومة، وطلبنا من المجلس أن يمدد جلساته لأنه كان مقبلاً على إجازة، وبالتالي طلب المجلس منا تقريراً تفصيلياً وبادرنا بإنزال التقرير، وأوصينا في التقرير بتأجيل التوقيع على الاتفاقية حتى تتقدم الحكومة للمجلس بالمبررات لتمديد المرحلة الأولى للمشروع لكن للأسف لجأت الحكومة لحيلة تغالط بها المجلس، واجتمعوا في بيت باجمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام ورئيس الحكومة حينها، وعملوا لهم مخرجاً مفاده أن تعلن الحكومة التزامها بالتوصيات لكنها ستوقع والمجلس ستبقى عليه الرقابة، وجاء أحد الأعضاء لن أذكره بالاسم وطرح مقترح التزكية، وبعد ثلاثة أيام من الجلسة أعلنت الحكومة توقيع الصفقة». وأضاف في محاضرة ألقاها في منتدى الشيخ الأحمر يوليو 2010 «الفساد واضح في هذه الصفقة، فهناك مصالح مغيبة من تحت الطاولة، فإذا كنا في لجنة التنمية والنفط ليس لدى معظمنا التخصصات اكتشفنا هذا الفساد والخلل الكبير فيما كانت الحكومة تصر على التحايل وهذا كان يؤكد أن هناك شيئاً من تحت الطاولة». هو طابق بين صفقة بيع الغاز وصفقة بيع جزء من حصة الحكومة في شركة النفط المحمولة في القطاع 53 (حضرموت) وقال «هذه الصفقة كان الفساد فيها واضحاً، هل معقول أن تبيع نفطاً قيمته 600 مليون دولار ب13 مليون دولار؟ هذه لو شبهناها فإنها كما تمسك لصاً ويده في الخزانة متلبساً». تتذكرون كيف كان مسؤول سابق يروج للفساد بالقول: الفساد ملح التنمية!!. لم أعد اتذكر اسم الشخصية الخليجية التي حضرت إلى صنعاء للتخفيف من وقع فضيحة بيع القطاع 53، بعد أن ملأت الرائحة الكريهة كل الاصقاع، ونقلت وسائل الاعلام عن تلك الشخصية أرقاماً أشد فضحاً: كان نصيب فاسد يمني واحد 15 مليون دولار، من رشوة مقدارها 30 مليون دولار، لبيع قطاع نفطي ب 13 مليون دولار، لمدة عشرين سنة، علماً بأن المشتري سوف يتمكن من استرداد أمواله المدفوعة في غضون سنتين!!. كان بيع ميناء عدن بثمن بخس أيضاً.