GMT 0:05 2014 الإثنين 17 فبراير GMT 7:33 2014 الإثنين 17 فبراير :آخر تحديث عبدالله بشارة تعود الأجواء الاعلامية الصاخبة التي استولت على مناخ الكويت السياسي عند قيام مجلس التعاون حين اندفعت تجمعات سياسية منددة بقيام مجلس التعاون ككيان للأغنياء المتسلطين الذين لا يترجمون المشاعر الحقيقية لشعوبهم، وكنت بالطبع دائم الحضور للرد على هذه التهم في اجتماعات ومنتديات، دائما تتسم بالهدوء ونادرا بالصخب. ونعود الآن مستحضرين تلك التهم القديمة مع اضافات امنية وبوليسية وتشكيك في النوايا وقراءات استعراضية مع روايات عن قسوة بنود الاتفاقية الأمنية المقترحة، وخشونة مفرداتها في كاركاتيرات تصور بأن مشروع الاتفاقية يخفي سلة مملوءة بالثعابين والعقارب تعض وتقرص من تحوش في هجماتها. كما اختلطت المواقف بين تهم عن غموض التعبير وأخرى عن شيطنة النوايا وثالثة عن فساد أغراضها التي تنتهك السيادة وتتطاول على بنود الدستور. هذه دنيا السياسة الملوثة لا علاقة لها بصوابية المضمون ولا عقلانية التعبير ولا شرعية المشروع، وانما انفجرت مع هذه الفرصة نزعة نادرة لافشال الاتفاقية من أجل توريط السلطة وتشويه توجهات الحكومة أمام الرأي العام. كل ذلك الحماس ضد الاتفاقية يأتي من منابع الحسرة التي أصابت تجمعات كانت تلعلع في البرلمان الكويتي المنحل وتتسيد القرار ولما تبدلت الأحوال، وتأكدت حقيقة الصوت الواحد، وتجاوب الرأي العام مع هذا الجديد، وجدت معارضة ذلك الوقت التي كانت تضم مجموعة مزركشة بالتباين في اللون السياسي من كتيبة البراك ومؤازري السيد أحمد السعدون وجماعة حدس من الشباب الجدد المتحمسين والمؤازرين لركب المعارضة، وآخرين بينهم صوت رجل الدين المعروف «المهري» الذي أفتى بضرورة موت المشروع وما أفرزه ذلك البيان من اصطفاف طائفي يمقت المشروع لمسببات مشاعرية سياسية لا تشتهي محتويات مجلس التعاون وتطعن في أغراضه وتتهم مهندسيه. وبالاضافة الى كل ذلك ينعم الجميع بالاسترخاء الاجتماعي والغنج السياسي الكويتي الذي يبيح التطاول ويغفر للبهتان ويخجل من المواجهة ويشكك في الحقائق ويحبذ الفلوكلوريات، هكذا واقع اليوم مع مشروع الاتفاقية التي جاءت ضرورة تفرضها مسيرة مجلس التعاون واتساع فضائها مع تطبيق الاتفاقية الاقتصادية التي تعطي كل مواطن خليجي الحقوق نفسها التي يتمتع بها مواطن الدولة، في التجارة والعمالة والبناء والمال والاستثمار والصناعة والزراعية، مع أراض للمشروعات. هذه امتيازات لابد ان تنظمها شبكة من القوانين تعطي كل طرف حقه وتحدد المسؤوليات، فلا يعقل ان يتمتع المواطن الكويتي في الرياض أو في دبي أو مسقط ببناء عمارات قد يستغلها في أغراض ويسيء لمواصفاتها ويهرب من المساءلة، وهنا تحضر الاتفاقية لتسد الفراغ وتطمئن الطرف الآخر، فالاتفاقية هي مجال الحياة العادية ليس فيها سياسة وانما فيها تجارة وفيها املاءات القانون وفيها تبادلية المعلومات عن الارهاب والتزوير وغسيل الأموال والتحايل والهروب من المساءلة، وليس فيها تسليم مواطنين. وهناك اتفاقيات ثنائية وقعتها الكويت فيها بنود أغلظ من مفردات مشروع الاتفاقية وأكثر تفصيلا وأثقل مسؤولية، وهناك تبادل معلومات مع هذه الدول بما فيها اتفاق الانتربول الدولي. ونقول بكل وضوح، بأن مسيرة مجلس التعاون في الجانب الاقتصادي والتجاري وحماية المجتمع من اللصوصية والاحتيال لا يمكن ان تكتمل دون الاتفاقية، ونقول أيضا بأن التكاملية الشاملة هي هدف مجلس التعاون وفي جميع جوانب الحياة. ولا أجد مبررا لهذا الوهم الضارب والمتصدر للاجتهادات التي لم تترك تهمة أوعيبا في لائحة التشهير في الاتفاقية، الى حد الدعوة الى التعبئة العامة ونثر بذور الفتنة وممارسة التحريض ضد استقرار البلد واضعاف أعمدة استقرارها وتلويث سمعة أجهزتها. لا ينكر أحد بأن الدولة الكويتية بحكامها وأهلها وأجهزتها واستقراراها وسيادتها أكبر مستثمر في مجلس التعاون وأكبر المستفيدين من العائد الذي يجلبه مجلس التعاون ولا داعي للنصح في إلقاء نظرة على الجغرافيا العابسة التي وجدت فيها الكويت لكي نتعرف على حجم الثمرات الايجابية التي نجنيها جميعا من حضن مجلس التعاون المؤازر والمحتضن، ولا داعي لاستذكار مأساة الغزو وانشطارات السكان عبر أراضي دول مجلس التعاون. كانت تعليقات بعض القراء على المقال الذي كتبته في الأسبوع الماضي عن (اغتيال الاتفاقية الأمنية) تساؤلات عن اعتقال المواطن اذا انتقد حكام دول الخليج، وآخر عن حرية الاعلام، وعن نقاوة الدستور وسلامته دون تبديل، وأقول لا علاقة للاتفاقية بالدستور أو حرية الكلام أو النقد، ولكن لهاعلاقة بالتنسيق حول الارهاب وتبادل المعلومات عن أبطاله وسد الثغرات عن التهريب والتصدي لعمليات النصب، والاتفاقية لا علاقة لها بحياة المواطن الاعتيادية. ومن العباطة ان يكرر واحد بأن الدستور يحمي الكويت، ولا نعرف أين الدولة التي تستغني عن جيوشها محتمية بنصوص الدستور، أين يباع مثل هذا التبسيط في ادارة الدولة وحماية الشعب؟ ومن ينتقد الاتفاقية فليقل شيئا منطقيا. ومن المثير استمرار المجادلة حول تسليم المواطن أو عبور الدوريات أو القاء المواطنين في سجون بدائية لمسببات سياسية، لكن الجدل سيستمر وتزداد السخونة، فلن تتغير جماعة المعارضة ولا مؤيدو حدس ولا الجميعة الثقافية لأن معارضة الاتفاقية جاءت من منطلقات سياسية مبعثها اعتبارات خاصة لها علاقة بالحساسية التي أفرزتها المستجدات في التصويت والانتخاب وفق الصوت الواحد. ويحضرني هنا ما دشنه النائب السابق الفاضل عبدالله النيباري، في مقاله في صحيفة «القبس» في 12 فبراير الجاري الذي يشير فيها الى ملاحقة المواطنين اذا ما ارتكبوا جريمة ابداء رأي أو اتخاذ موقف لا يعجب السلطة الى آخر ما دونه، وأعتقد ان مثل هذه القراءة تحمل خيالا سياسيا لم تتوصل اليه الاتفاقية التي هي عبارة عن ضوابط لكبح جريمة التزوير والاحتيال والنصب، ولا أنتظر ان تتبدل المواقف لاسيما العازمة على اتلاف الاتفاقية عبر التلويث مع التشويه، لاسيما من المجموعة التي تدعو الى استعادة الشرعية الدستورية حسب أقوالها. نعود الى واقع الاتفاقية الأمنية التي لا تنفصل عن مسيرة المجلس في المواطنة الاقتصادية، فان تعرضت للاهتزاز والتعقيدات فان الخسارة سيتحملها المواطن الكويتي الذي شيد العقار وتملك وأسس الشركات ودخل في مقاولات ومناقصات وتمتع بامتيازات، وعنده برلمان لا يوافق على الصيغة المنظمة للعلاقة بين الشركاء في شبكة المصالح داخل دول مجلس التعاون. لن يكتمل تنفيذ الاتفاقيات المختلفة التي صدرت من مجلس التعاون بدون اللائحة المنظمة للعلاقة بين مختلف الأطراف. عشت هذا الوضع في الثمانينيات في بداية الصياغات المتعددة لمشروع الاتفاقية الذي تغير وتم اختصاره وحصره في الملف التجاري والمدني فقط. وماذا سيكون حال الكويت داخل المجلس مع حكومة غير قادرة على ادخال الاقتناع لدى أعضاء المجلس؟ هل يمكن اللجوء الى الاستفتاء الشعبي اذا ما تعثر مرور الاتفاقية؟ مثل هذه المطالعات تثار الآن في أحاديث المجالس. ولهذا فان مسؤولية الوزارات المختصة لاسيما الخارجية والداخلية في اعداد كراس يرد على كل التساؤلات يتم طبعه وتوزيعه للرأي العام وبأحرف واضحة وصياغة ليس فيها ابهام، مع الادراك بأن الكويت أمام حملة تهييج للرأي العام وتأليبه ضد مساعي الحكومة مع حملة لالحاق الأضرار بسمعة النواب المؤيدين وتعريضهم للضغط والاحراج وتلطيخ سلوكياتهم، وتجييش ما يتوفر من آليات الاعتراض والسخرية دون تردد، وتوظيف البهتان والآكاذيب، هذه هي السياسة في رذائلها. في حملة بريطانيا لاستعادة جزر فوكلاند، وقفت المعارضة تشهر في الليدي تاتشر، رئيسة الوزراء، وتتهمها بنزقة الحرب وتدعوها للحلول الوسط وايجاد مخرج بدلا من المواجهة العسكرية. وفي تحرير الكويت صوت 46 عضوا من مجلس الشيوخ الأمريكي من الديموقراطيين ضد تحرير الكويت، كلها نكاية في الحزب الحاكم، فلا تتورع المعارضة أينما تكون في اللجوء الى المزعج والمحرج وتعبر الى الممنوع والمرفوض لتحقيق ما تريده. ولمجرد التذكير فان هناك خمس دول من مجلس التعاون قد صادقت على الاتفاقية، ولم يبق سوى الكويت، ودخلت الاتفاقية فصل التنفيذ، وليس من المقبول ان تخرج الكويت عن الاجماع، لاسيما وأن بنود الاتفاقية على انسجام ووئام مع الدستور الكويتي نصا وروحا. واقع الكويت الآن يسير نحو هذا الاتجاه، والأمل في وطنية النواب وغيرتهم على بلادهم، ووعي الرأي العام وحمايته للمصالح العليا لوطن الجميع. ايلاف