غيب الموت يوم الجمعة الماضي المستعرب البريطاني وليام بيل داف عن عمر ناهز ال 92 عاما قضى منها نحو 54 عاما في دبي تاركا وراءه زوجته إرينكا وابنتيه ديانا وشيلا، وكان داف أحد مهندسي اللبنات الأساسية، الذين ترجموا إلى سواعد أبناء وبنات الوطن رؤية المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله إلى مشاريع مبدعة وقائمة على الأرض، وتميز داف عن غيره من الرعيل الأول في مساهمته بتأمين التمويل اللازم للمشاريع التي حلم المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بتأسيسها ونجح بالفعل في تأسيسها استنادا إلى خلو قاموسه من التردد بل مجابهة التحديات، اعتمادا على رؤية مستقبلية مدروسة وبصيرة نافذة. وليام داف عايش المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بعدما عينه عام 1960 كمستشار مالي، في حقبة التأسيس لانطلاقة دبي الحضارية والتي حمل لواءها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بذات التحدي والمثابرة والرؤية الاستراتيجية ليصل بدبي والامارات إلى الرقم واحد في العالم. شيلا الابنة الصغرى لوليام داف زارت وشقيقتها ديانا مقر صحيفة "البيان" لتحكي حكاية والدها وكان في استقبالها ظاعن شاهين المدير التنفيذي لقطاع النشر في مؤسسة دبي للإعلام رئيس تحرير صحيفة "البيان"، وأحمد الحمادي المدير التنفيذي الإداري لقطاع النشر في المؤسسة. رغم الحزن على رحيل والدهما إلا أنهما آثرتا أن تحتفلا بحياته بدل الانزواء بعيدا فحكاية الرجل ملهمة وهي تجسد الوفاء بكل ما تعنيه هذه الكلمة، الابتسامة المغلفة بالحزن والفخر كانت ترتسم على وجه شيلا ولورا وهما يطلعان ظاعن شاهين وأحمد الحمادي على صور قديمة منها من تجمع والديهما بالمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم ، ومنها ما تشهد على مسيرة التطور الكبيرة التي عاصرتها دبي والتي تحتضن اليوم برج خليفة أطول أبراج العالم، وجزيرة النخلة، وجزر العالم وطيران الإمارات إحدى أقوى شركات الطيران في العالم، وموانئ دبي إحدى أقوى الموانئ في العالم ومطار آل مكتوم أكبر مطارات العالم بعد اكتماله ومطار دبي الدولي ثاني أكبر مطارات العالم من حيث تعداد المسافرين الدوليين ..الخ قائمة طويلة من الإنجازات التي تبعث على الفخر والتي لا حصر لها زرع بذروها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لتكتمل "معجزة الصحراء" بالرؤية المتميزة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. عشق دبي والعرب بدأت شيلا بالحديث عن والدها الفقيد بالقول: قد لا يعرف البعض بأن والدي كان قد درس تاريخ العرب وحضارة الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد البريطانية العريقة لعشقه للعرب وحضارتهم قبل توجهه لدراسة اللغة العربية في ( مركز الشرق الأوسط للدراسات العربية ) في القدس عام 1945 بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تعلم والدها المحادثة بالعربية الكلاسيكية وكذلك الكتابة بالعربية، مؤكدة على أن والدها كان يحمل قدرا كبيرا من الحب والاحترام للعرب وحضارتهم وكان حبه لدبي أقرب للعشق، كان يحب كل ما هو عربي حتى أنه عندما كان يتحدث عن العرب عادة ما كان يتحدث بقدر كبير جدا من الاحترام، لقد كان وفيا ومخلصا للعرب لأبعد الحدود، لقد أحب والدي العرب كحبه لعائلته وهم بالمقابل بادلوه الحب والاحترام الكبيرين ووثقوا فيه وفي نزاهته وشفافيته وكان عمله الدؤوب محل إعجاب من قبل المحيطين به. وتحدثت شيلا عن مدى مساهمة والدها في ترجمة رؤية الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى واقع ملموس من خلال دوره في إنشاء الدائرة المالية في حكومة دبي ودائرة الجمارك وشركة كهرباء دبي والتي أصبحت اليوم هيئة كهرباء ومياه دبي وكذلك المنطقة الحرة في جبل علي وموانئ دبي العالمية، وكان أول من أسس أول روضة بمنهاج بريطاني للمرحلتين الابتدائية والثانوية، كما أسس مدرسة دبي للناطقين باللغة الإنجليزية مما أسهم بشكل كبير في إحداث تحول كبير في وجه دبي. وأضافت شيلا: لقد كان والدي مرافقا دائما للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في جولاته في أنحاء دبي قبل اكتشاف النفط ورغم ذلك كان الشيخ راشد بن سعيد يحمل في مخيلته الكثير من الأفكار المبدعة وكان يمتلك رؤيا بعيدة وكان مفعم بالحماس والثقة بقدرته على تحقيق رؤاه إلى واقع وبالتالي كان والدي شاهدا على تلك الرؤية. والدي كان يحمل الكثير من الحب والاحترام لشخص ورؤية وأفكار وطموح الشيخ راشد بن سعيد، فقد كان والدي منبهرا جدا بشخصيته وكانت هناك لغة من التفاهم حتى من دون حاجة للحديث ما بين الشيخ راشد ووالدي فكانت نظرة من الشيخ راشد بن سعيد في جلسة في مكتبه الذي هو مقر جمارك دبي، كفيلة بأن يفهم والدي ما الذي يريد الشيخ راشد قوله أو ما يجب على والدي فعله وبالتالي كان هناك تفاهم راسخ بينهما. العمل في دبي لقد كتب والدي بخط يده قائلاً إنه وعلى الرغم من افتتاح مدرج مطار دبي الرملي بنهاية عام 1959 إلا أنه سافر إلى الكويت للالتحاق بوظيفته الجديدة في دبي والتي كان قد زارها في عطلة مع والدتي إرينكا قبل نحو عام، حيث كانت دبي إحدى المدن التي لم يكن قد زاراها ضمن جولاتهما في منطقة الشرق الأوسط فقد كانا قد أقاما في العراقوالكويت والأردن ولبنان وسوريا كما زارا مصر والسودان. ويقول والدي إن الاهتمام الذي أثير في نفسه خلال الإجازة القصيرة التي قضاها في دبي أقنعته بمغادرة الكويت وتحديدا حيث كان يعمل في دائرة التمويل الكويتي وفي العام التالي اتصل الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بوالدي عبر دونالد هاولي ودعاه للانتقال إلى دبي للعمل كمستشار مالي، لقد استمتع والدي على حد قوله بالسنوات السبع التي عمل فيها في الكويت خلال سنوات التوسع الرائعة ما بين عام 1953 وحتى عام 1960. إلا أن انتقال والدي لدبي للعمل كمستشار مالي للشيخ راشد الذي يمتلك رؤية بعيدة ليس لها حدود ويتمتع بنشاط كبير ويمتلك قدرا هائلاً من الإصرار والعزيمة والقدرة على مواجهة التحديات وتلك هي أبرز صفاته رحمه الله. رؤية الشيخ راشد بن سعيد ومساهمة والدي في تأمين التمويلات اللازمة لبناء المشاريع العملاقة التي كان يحلم الشيخ راشد ببنائها شكل علامة فارقة في تحول دبي وبدأت دبي مشروعا تلو الآخر في التجارة والطرق والمواصلات في المطارات والموانئ في اللوجستية والخدمات في الصحة والتعليم ..الخ . وقالت شيلا: علاقة والدي القوية بالبنك البريطاني للشرق الأوسط في الكويت والذي عمل فيه لخمس سنوات وبمساعدة أمير الكويت السابق الشيخ جابر الأحمد الصباح طيب الله ثراه والذي كان يشغل منصب رئيس الدائرة المالية في ذلك الوقت ساهم في تأمين تمويل بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني لمشروع توسعة وتعميق الخور. خور دبي واستطردت شيلا: والدي كتب في مذكراته بأن الأمر بدأ في الواقع بين عامي 1955-1956 عندما بدأ الشيخ راشد بالتفكير جديا في تحويل الخور إلى ملاذ دائم للشحن الساحلي، حيث قام بتوظيف "هالكروز" من أجل القيام بدراسة وأذكر السيدة نيفيل آلان والتي كانت صديقة لنا في الكويت في ذلك الوقت حيث تم استدعاؤها إلى دبي في عام 1956 للقيام بمسح أولي للمشروع وكانت تلك هي الخطوة الأولى في طريق طويلة قادت دبي لتصبح ضمن المراكز ال 15 لأكبر موانئ الحاويات في العالم في ذلك الوقت فيما وصلت اليوم إلى المركز السابع عالمياً ومن المتوقع أن تحتل الصدارة بعد افتتاح المحطة الجديدة. وتقول شيلا إن قصة بناء الخور واحدة من قصص كثيرة ساهم فيها والدها وليام داف في تأمين تمويل لتحيقق رؤية بعيدة لشخصية عظيمة مثل شخصية الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم. وأضافت شيلا: نحن عائلته نشعر بالفخر لمساهمة والدنا في تحويل أحلام الشيخ راشد بن سعيد إلى مشاريع قائمة على الأرض، ونرى بأنه أول من وضع اللبنة الأولى في مشروع تحول دبي إلى ما أصبحت عليه اليوم باعتبارها أحد أهم المراكز التجارية واللوجستية والخدماتية والمالية والسياحية في العالم، تلك الشعلة والتي سلمها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والتي زادها توهجا منذ توليه مقاليد الحكم لإمارة دبي فأصبحت دبي اليوم إحدى أكثر مدن العالم بروزا على خارطة الاقتصاد العالمية، وأصبحت تتقدم بسرعة كبيرة على مؤشرات التنافسية العالمية ومؤشرات اقتصادية عدة وأصبح القاصي والداني في كل بقاع الأرض يحلم بالذهاب إلى دبي. وتابعت: اليوم اقتصاد دبي ينافس اقتصاديات كبرى تعجز أن تقدم لشعوبها ما قدمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من خدمات جليلة ومتميزة وحديثة يستفيد منها المواطنون والمقيمون على حد سواء، وكلنا نذكر إشادة البروفيسور جفري ساكس رئيس مركز الأرض بجامعة كولومبيا الأميركية ومؤلف "تقرير السعادة العالمي" خلال القمة الحكومية الأخيرة التي احتضنتها دبي، بإنجازات دبي ووصفه لدبي بالنموذج الرائد في تقديم الخدمات التي تحقق السعادة للمواطنين مطالباً الولاياتالمتحدة الأميركية أكبر قوة في العالم بأن تحذو حكومتها حذو دبيوالإمارات بشكل عام في الارتقاء بمستوى السعادة لدى الأميركيين، وهو اعتراف يشكل خير دليل على تميز دبيوالإمارات في إنجازاتها والتطلع لمزيد من الإنجازات المشرفة في السنوات المقبلة. تواضع تحدثت شيلا عن داف الأب والزوج ..كيف كان رحيما ومتواضعا وعادلاً وطيب الخلق وكيف عشق دبي بعدما انتقل إليها من الكويت في عام 1950 وكيف كرس كل وقته لتحويل حلم شخصية عظيمة كشخصية الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم إلى واقع ملموس ، وتشير شيلا إلى أن والدها كان يمتلك شخصية عظيمة وكان يشهد له الجميع بالأمانة والنزاهة والخلق الكريم وأن والدها بذل جهودا كبيرة في تعزيز العلاقات الإماراتية البريطانية وفي خدمة مصالح أبناء جاليته في دبي لنحو 54 عاما. ظاعن شاهين: أسس إدارة مالية حكيمة عززت خطى دبي قال ظاعن شاهين المدير التنفيذي لقطاع النشر في مؤسسة دبي للإعلام رئيس تحرير صحيفة "البيان": لقد التقيت وليام بيل داف في الثمانينات عندما كنت في ال 18 من عمري تقريبا حيث كان داف يشغل منصب المدير المالي لحكومة دبي في ذلك الوقت، وبالتالي كل ما يتعلق بكلفة البعثات الدراسية وأذكر بأنه استقبلني وصديقي والذي كان يرغب بالدراسة في الولاياتالمتحدة الأميركية بترحاب كبير واستمع إلينا ولما نحتاجه من متطلبات وعرفنا على آلية الابتعاث للدراسة خارج الإمارات في ذلك الوقت ومن ثم قاموا بتولي تنظيم عملية الابتعاث لصديقي والذي درس وتخرج من أحدى الجامعات الأميركية. وأضاف: بالنسبة لشخصية وليام بيل داف فقد كان يسير بخطى محسوبة في ما يتعلق بالتنظيم المالي وهو كان أمرا مهما بالنسبة لإمارة دبي فيما يتعلق بتأمين القروض والتمويلات المالية لبناء الكثير من المشاريع الأمر كان يتطلب إدارة مالية حكيمة وهو ما فعله داف وهو تأسيس إدارة مالية جعلت خطى دبي في مشاريع النمو واضحة. آل مكتوم نموذج فريد للحكم العادل والتواضع قالت ابنة وليام داف ديانا ل " البيان" إنها ارتأت وشقيقتها تعريف العالم بالجهود الحثيثة التي قضاها والدها وليام داف في المساهمة في بناء اللبنات الأولى لدبي. وتضيف إن والدها كان يردد دوما بأن الشعور الفريد في طبيعة الحياة في دبي يعود تاريخيا لعائلة آل مكتوم وحكمهم العادل لدبي منذ عام 1833 فيما يجسد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نموذجا فريدا للحكم العادل والتواضع وكان يحظى بتقدير وحب الجميع له سواء المواطنين أو المقيمين وكان يملك قدرة كبيرة على التعلم حتى في كل ما يرتبط بالتقنيات المتقدمة جدا والتي حتى أذهلت مستشاريه التقنيين. وطبقا لوليام داف فإن تطبيق الشيخ راشد بن سعيد سياسة التطوير المدروسة لخور دبي وتحويله إلى ميناء حيوي صغير حيث كانت كلفة بنائه الأصلية ما بين عامي 1968 إلى عام 1972، 25 مليون جنيه إسترليني وتوسعته لميناء راشد في عام 1976 وحتى عام 1980 (123 ) مليون جنيه إسترليني، وخياره وتطويره لجبل علي ما بين عام 1976 وحتى عام 1983 بكلفة 6.2 ملايين درهم تعد مثالاً ساطعا على قدرته على اتخاذ القرار الحكيم، وما كان أكثر أهمية هو متابعته وإكمال لقراره بنجاح، ناهيك عن بنائه لأحد أهم مشاريع الأحواض الجافة نجاحا في العالم من عام 1978 وحتى عام 1982 بكلفة 270 مليون جنيه إسترليني. مجال النقل الجوي ويؤكد وليام داف في أوراق مذكراته على أن اهتمام الشيخ راشد بن سعيد في مجال النقل الجوي لا يقل أهمية عن اهتمامه بتعزيز الموانئ البحرية لدبي فهو أول من وضع أول مدرج رملي( بمساحة 6 آلاف قدم ) وشيد مبنى للمطار في عام 1959 وحتى عام 1960 ليضيف مدرجا من الأسفلت الخرساني بمساحة 9200 قدم في عام 1963 وحتى عام 1965 فيما شيد مبنى للمطار بكلفة 4 مليارات جنيه إسترليني في عام 1969 وحتى عام 1971 ومدرجا جديدا 12,500 في عام 1970 و 1971 ومدرجاً آخر بالتساوي في عام 1983 و 1984 تبعها مدرج جديد بكلفة 130 مليون جنيه إسترليني في عام 1984 وحتى عام 1986. ويضيف داف بالقول إنه إلى جانب التحسينات التي أدخلها الشيخ راشد على قنوات الخور وبناء أول جسر المكتوم على الخور في عام 1962 وحتى عام 1963 بكلفة 2,6 مليون روبية ما بين عامي 1972 و 1976 فقد قام بحفر نفق الشندغة بكلفة 113 مليون درهم أي ضعف مساحة جسر المكتوم بكلفة ( 29 مليون درهم ) إلى جانب بنائه جسر القرهود بكلفة 71 مليون درهم. الصحة وفي قطاع الصحة استمر المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في تحسين مستشفى آل مكتوم ، كما تم بناء مستشفى جديد وهو مستشفى راشد بكلفة 6,2 مليون جنيه إسترليني في عام 1970 وحتى عام 1973 ومستشفى دبي بكلفة 331 مليون درهم في عام 1977 وحتى عام 1982 إلى جانب بناء مستشفى الوصل بكلفة 290 مليون درهم في عام 1981 وحتى عام 1985. ادوارد هوبارت: داف ساهم في إرساء معايير جديدة للشراكة البريطانية الإماراتية أشاد ادوارد هوبارت القنصل العام البريطاني في دبي بالمساهمة البارزة لوليام بيل داف في تطوير دبي وإرساء معايير جديدة للشراكة البريطانية مع الإمارات. وقال ل " البيان" إنه ومن خلال دعم داف لطموحات حكام وشعب الإمارات فقد ساعد على تشكيل نجاح دبي الحديثة، مضيفاً أنه يحق للبريطانيين في الإمارات بأن يفخروا بالعمل الذي قام به وليام بيل داف والمتمثل بخبرته في الأعمال المصرفية وبحبه للتعليم وغير ذلك الكثير. وأضاف هوبارت إنه ومن خلال أحاديثي مع عدد من الإماراتيين والبريطانيين المقيمين في الدولة، فإنني على ثقة تامة بأن إرث بيل سيبقى في وجدانهم. البيان الاماراتية