الثلاثاء 18 فبراير 2014 11:43 صباحاً ((عدن الغد)) متابعات يمكن وصف سياسة العراق تجاه الأزمة الحاصلة في سوريا منذ مارس 2011 بالتعقيد والتناقض نتيجة تباين المواقف، وتعدد الأطراف، والافتراق في الموقفين الرسمي والشعبي، يُضاف إليها اختلاف محددات التأثير على هذا الموقف. ولم يكن العراق بمنأى عن تأثير الأزمة السورية، على صُعُدٍ مختلفة، سواء كانت سياسيةً أم عسكريةً؛ إذ حصلت انعكاسات عديدة ألقت بظلالها على الداخل العراقي المرتبك في الأساس. وللتعرف أكثر على الموضوع يقتضي الحال التعرف على طبيعة موقف العراق من هذه الأزمة، ومعرفة محددات هذا الموقف، لنتمكن من الوصول إلى الانعكاسات التي أنتجتها على الوضع العراقي، وذلك على النحو التالي: طبيعة الموقف العراقي من الأزمة السورية حاولت الحكومة العراقية الظهور في الأزمة السورية بسياسة الحل الوسط بين النظام والشعب، والتأكيد على الحل السلمي، واحترام الإرادة الشعبية، بيد أن هذه السياسة لم تقاوم المجال العملي الذي انساقت إليه الحكومة العراقية تجاه تطورات الأزمة. ويظهر التباين في هذه السياسة عندما يختلف عنها الموقف الشعبي في الشارع العراقي؛ إذ تباين موقف العراق من أزمة سوريا على الصعيدين الرسمي والشعبي، وكل صعيد اختلف بدوره إلى مؤيد للنظام السوري، وآخر لثورة الشعب السوري ضده. ورسميًّا، يوضح هوشيار زيباري وزير الخارجية أن مواقف العراق تعددت تجاه الأزمة السورية، وأن بعض هذه المواقف تغيرت وتناقضت في أوقات مختلفة، ومرد ذلك يرجع إلى حجم هذه الأزمة وخطورتها، ولكثرة التدخلات الإقليمية والدولية التي رافقتها منذ نشوبها، ويوضح زيباري أن الموقف العراقي يتميز بالثبات المستند إلى عدة نقاط أساسية تتمثل في ضرورة أن يكون حل الأزمة السورية بيد السوريين أنفسهم. إن الأزمة السورية أصبحت ذات أبعاد إقليمية ودولية، وأضحت متشعبة ومتداخلة، وازدادت خطورتها على سوريا مثلما على دول الجوار، وتحتاج إلى معالجة سياسية عقلانية، برفض الحل العسكري، والتأكيد على الحل السياسي السلمي الذي يدفع كافة الأطراف إلى الحوار للخروج من المأزق، وإدانة جريمة استخدام السلاح الكيميائي، وتقديم مرتكبيه إلى العدالة، وإدانة الانتهاكات الشنيعة لحقوق الإنسان، وإدانة ومكافحة الإرهاب والمجموعات الإرهابية، فضلا عن وقف دعم طرفي النزاع بالسلاح والعتاد. بيد أن الواقع كان مختلفًا حينما اتخذت الحكومة العراقية خطوات مساندة لنظام الأسد كان من ضمنها امتناع العراق عن التصويت على قرار جامعة الدول العربية يوم 23 نوفمبر 2011 بتعليق عضوية سوريا فيها إلى حين قبول الأسد تطبيق المبادرة العربية لإنهاء العنف ضد المتظاهرين، كما دعت إلى سحب السفراء العرب من دمشق، الأمر الذي أوضحه المتحدث باسم الحكومة العراقية آنذاك علي الدباغ بقوله: "تعليق عضوية سوريا غير مقبول، خصوصًا أن الجامعة العربية لم تفعل ذلك تجاه بلدان أخرى تواجه أزمات أكبر من سوريا". وتوالت خطوات عملية أخرى للعراق جاء في سياقها تشديد الإجراءات العراقية على الحدود مع سوريا لمنع المرور عبرها، وتكثيف مراقبة المناطق المتاخمة للحدود السورية، بهدف منع العراقيين من تقديم أي مساندة للسوريين في المناطق المجاورة للسوريين، والسماح بمرور مجموعات مسلحة مع تجهيزاتها باتجاه الأراضي السورية للمشاركة في الصراع، إلى جانب قوات النظام، حتى وصل الأمر إلى اشتباك القوات العراقية مع قوات الجيش الحر مرات عديدة، آخرها ما حصل في اشتباكات معبر اليعربية. وبالنسبة لموقف البرلمان العراقي من الأزمة السورية، فقد حمل تناقضات كبيرة عندما تباينت وجهات النظر التي تبنتها الكتل السياسية حول هذه الأزمة؛ إذ أيد نواب كتلتي دولة القانون والتحالف الوطني موقف الحكومة، وحذرها بعضهم مما أسموه الرضوخ للإرادات الأمريكية والعربية التي "تحاول تغيير شكل المنطقة، بما يخدم التيار الوهابي فيها. بيد أن موقف القائمة العراقية جاء مخالفًا لموقف هذه الكتل ولموقف الحكومة العراقية، وأعلن نوابها تأييدهم لثورة الشعب السوري المطالبة بالحصول على الحرية التي عجز نظام الأسد عن تحقيقها لهم بشكل سلمي، ولم يكتفِ أعضاء القائمة العراقية بإعلان موقف مؤيد للثورة السورية؛ بل انتقدوا موقف الحكومة تجاه الثورة السورية، واعتبروه مخيبًا للآمال، وأن هذا الموقف هو استهانة بدماء شهداء الثورة السورية. يأتي موقف التحالف الكردستاني المتوافق مع توجه رئاسة إقليم كردستان مؤيدًا ومتعاطفًا مع الانتفاضة السورية رغم مسايرته في بعض الأحيان للموقف الحكومي المعارض لقرارات الجامعة العربية بخصوص سوريا؛ إذ يرى الأكراد أن أي تحول ديمقراطي هو فرصة لدعم حقوق الأقليات في سوريا، ومنها الأكراد الذين يعانون الإقصاء والتهميش في ظل حكم نظام الأسد، وكان للأكراد موقف مساند وداعم للثورة في سوريا. أما الموقف الشعبي فقد كان منقسمًا على نفسه أيضًا بسبب التركيبة المذهبية للمجتمع العراقي التي أدت إلى هذا الانقسام، حينما أيد المكون السني الثورة السورية، وبالمقابل أيد المكون الشيعي موقف الحكومة في دعمها لنظام الأسد. محددات موقف العراق من الأزمة السورية تأثر موقف العراق من الأزمة السورية بمجموعة من المحددات لعل أهمها: - المحددات الأمنية: أدى الهاجس الأمني والوضع المرتبك أمنيًّا في العراق إلى التأثير في مواقف الحكومة العراقية من التطورات الجارية في الساحة السورية؛ إذ تتخوف الحكومة العراقية من إمكانية سيطرة قوى المعارضة على زمام الأمور في سوريا، أو حتى سيطرتها على المناطق الحدودية مع العراق التي من الممكن أن تزيد من نفوذ الجماعات المسلحة في العراق، لا سيما أن الكثير منها يقاتل إلى جانب مقاتلي المعارضة السورية، الأمر الذي يزيد من اختلاف الأوضاع الأمنية القلقة أساسًا في العراق. - التأثيرات المذهبية: كان للانتماءات المذهبية الأثر الجليّ في تحديد المواقف والتوجهات العراقية تجاه سوريا، وظهرت بوضوح في التصريحات التي يدلي بها المسئولون العراقيون، وفي تباين المواقف الشعبية إزاء الأحداث والتطورات الجارية في سوريا، وشكلت الحسابات والمخاوف الطائفية هاجسًا كبيرًا في أذهان الساسة وصناع القرار في العراق عند اتخاذهم أي موقف من أحداث سوريا. فالعراق منقسم طائفيًّا في موقفه من الأزمة السورية؛ إذ تشعر التيارات الشيعية بتقارب أكبر مع بشار الأسد، ممثل الطائفة العلوية في سوريا، أكثر من تقاربها مع قوى المعارضة السورية التي تمثل الأغلبية السنية هناك التي تستطيع في حال توليها الحكم أن تدعم العراقيين السنة، الأمر الذي يؤثر في التطورات السياسية في العراق. - المحدد الإيراني: نتيجةً لارتباط العراق بعلاقات خاصة مع إيران، ونفوذ إيراني مؤثر في مراكز صنع القرار العراقية؛ كان لا بد أن يتأثر موقف العراق بتوجهات إيران وسياستها تجاه سوريا، الأمر الذي أكده هوشيار زيباري بقوله: "نحن نقول إننا واقعون بين نارين: نار إيران، وهي جارة قوية، حليفة وصديقة من جهة، ومن جهة أخرى نار الولاياتالمتحدة التي هي أيضًا حليفتنا". وهو ما يؤشر إلى وقوع العراق في موقفه من الأزمة السورية أسيرًا للتأثير الإيراني المساند لنظام الأسد ضد مطالب التغيير الشعبية. - المحدد الأمريكي: للولايات المتحدةالأمريكية رأي وتأثير فيما تتخذه الحكومة العراقية من مواقف وتوجهات إزاء سوريا، واعتبر الموقف الأمريكي من تعامل الحكومة العراقية مع الأزمة السورية مثيرًا للجدل، ومارست الإدارة الأمريكية ضغوطًا على الحكومة العراقية لتغيير توجهاتها في التعامل مع هذه الأزمة، الأمر الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون خلال المحادثة الهاتفية مع وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، أوضحت خلالها ضرورة الحفاظ على العلاقات بين البلدين، وأهمية تنسيق المواقف من الأزمة السورية، بحيث زار رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارتن ديمبسي بغداد في أغسطس 2011، وذكر أن الهدف من زيارته هو الضغط على الحكومة العراقية لتغيير موقفها حيال سوريا، منبهًا إلى أن استمرار الموقف المؤيد لنظام الأسد والتناغم مع الموقف الإيراني لم يَعُد مقبولا بالنسبة لواشنطن. وجاءت زيارة جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، إلى بغداد في 4 مارس 2013 للضغط على الحكومة العراقية أيضًا من أجل منع استمرار مرور الطائرات الإيرانية التي تحمل الأسلحة لدعم نظام الأسد، عبر الأجواء العراقية، وعبّر عن قلقه إزاء هذا الأمر للحكومة العراقية، معتبرًا ذلك "مشكلة". بيد أن التأثير الأمريكي -على ما يبدو- هو أقل من التأثير الإيراني، وأن النار الأمريكية التي ذكرها زيباري أصبحت أقل إيلامًا من النار الإيرانية، حتى أنها لم تعد تثني الحكومة العراقية عن موقفها المؤيد لنظام الأسد. انعكاسات الأزمة السورية على العراق لم يكن العراق بمنأى عن دائرتي التأثير والتأثر فيما يخص أزمة سوريا، التي انعكست تطوراتها على الوضع العراقي، لا سيما في المجالات التالية: 1- يُعاني الوضع العراقي من تردٍّ كبيرٍ في قطاع الخدمات والارتباك في المشهد السياسي، وكان انطلاق الثورات العربية والاحتجاجات في سوريا دافعًا لقطاعات واسعة من الشباب والمنظمات وبعض التيارات السياسية للقيام بالمظاهرات والاحتجاجات المطالبة بإسقاط الحكومة، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وتحسين الخدمات التي يفتقر لها الشعب، وإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين، بيد أن الحكومة وجهت الجيش لقمع التظاهرات، وقع على إثرها العديد من الضحايا، وتمت تصفية أبرز قادة الاحتجاجات بين الاغتيال والاعتقال. واتسع نطاق الاحتجاجات ليشمل محافظات: الأنبار، وصلاح الدين، ونينوى، وديالي، وكركوك، واستمرت هذه المظاهرات التي لم تلقَ استجابة فعلية من الحكومة لمطالبها؛ بل تطور الأمر إلى ارتكاب مجزرة الحويجة ضد المحتجين، والآن تشن القوات الحكومية أكبر حملة عسكرية على محافظة الأنبار كان المعتصمون هم هدفها، تحت ذريعة وجود "جماعات إرهابية" بين صفوف حركة الاحتجاج، وأخذ الأمر طابعًا طائفيًّا بحتًا. 2- تسببت تناقضات المواقف تجاه الأزمة في سوريا بحصول صراعات سياسية أثرت في العملية السياسية بالعراق، فكان التباين جليًّا بين الكتل السياسية وأعضاء مجلس النواب ومراكز صنع القرار السياسي الخارجي، فلرئيس الوزراء تصريحات تختلف عن توجهات وزارة الخارجية العراقية الرامية إلى عدم التدخل بالشئون الداخلية للدول، كما اختلفت الكتل البرلمانية فيما بينها حول هذه الأزمة، مثلما اختلفت مع مواقف رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية في مواقف وتصريحات عدة. 3- أدت الأزمة السورية إلى حدوث اختلالات أمنية مضافة إلى الوضع العراقي المرتبك، وتتخوف الحكومة العراقية من أن تؤدي سيطرة مقاتلي المعارضة السورية على مناطق محاذية من الحدود العراقية-السورية إلى زيادة نفوذ الجماعات الإسلامية، نظرًا لوجودها بين قوى المعارضة السورية المقاتلة، مما قد يؤدي إلى تدهور الوضع الأمني في العراق في ظل مشهد الصراع السياسي المحتدم. والحال الذي لم يستطع العراق التخلص من وقعه هو انتقال الجماعات المسلحة بين العراقوسوريا، وإدماج بعضها تحت مسمى واحد كتنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي أعلن تحوله إلى "دولة العراق والشام الإسلامية" وفتحت صراعها على أطراف عديدة في العراقوسوريا، وعلى مختلف المستويات، فتارة تحارب ضد مسلحي الفرع السوري لحزب العمال، وأخرى ضد مقاتلي الجيش السوري الحر، وغيرها تعلن أنها ضد الحكومة العراقية. وفي المحصلة، تؤدي كل هذه التطورات إلى زعزعة الوضع الأمني في العراق لارتباط الجماعات المسلحة، والقرب الجغرافي، وتماثل الأوضاع، وكلما شهد الصراع في سوريا تطورًا انعكس الأمر على المشهد الأمني في العراق، لا سيما في ظل وجود جهات عراقية تدعم طرفي الصراع في سوريا. 4- أحدثت الأزمة السورية قدرًا من التحول في موازين القوى ما بين كل من العراقوإيران وتركيا، وذلك في أجواء بحث إيران عن حليف جديد يشغل مكان الحليف السوري في حال انهياره، بغية الحفاظ على مصالحها الإقليمية، بما يرجح تزايد التدخل الإيراني في الشأن العراقي، وكذلك الحال فيما يخص ميزان القوى ما بين العراق وتركيا. كما تأثر الموقف العراقي من سوريا إلى حدٍّ ما بالصراع السياسي بين إيران وبعض الدول العربية، وفي مقدمتها السعودية، كما أن لإيران -حليفة نظام الأسد- نفوذًا وتأثيرًا على العراق، لذا فإن اتخاذ مواقف عراقية مغايرة في التعامل مع أحداث سوريا قد ينعكس سلبًا على كثير من الملفات المشتركة بين العراقوإيران. 5- لا ينفصل جوهر التعامل العراقي مع أزمة سوريا عن علاقته مع المحيط العربي والإسلامي؛ إذ تراكمت مشاكل العراق مع الدول الداعمة للمعارضة السورية، ومنها قطر والسعودية وتركيا، وبدا من الطبيعي وقوفه في الصف المقابل لها. المشهد الذي نتج عنه اختلال علاقات العراق الدولية مع هذه الدول. ويتضح مما سبق أن الموقف العراقي من الأزمة السورية اتسم بالتباين الذي أدى بدوره إلى انعكاسات معقدة تركت أثرها في الساحة العراقية سياسيًّا وأمنيًّا على المستويين الداخلي والخارجي. عدن الغد