احمدالفقية د- القول بما أن الحق عقلي منطقي فإنه يجب استبعاد التخيل واستبعاد المجاز. ه- تفضيل الشعر القديم على الحديث، فكما أن التدين تكرار طقسي، فالشعر نوع من التمرس بفهم الماضي واستعادته في تكرار طقسي. و- نفي إمكان تحديد الشعر بالحاضر ونفي تحديده بالمستقبل ونفي الجدوى من كتابة الشعر إلا إذا كان استعادة للماضي وهذا يؤدي إلى إلغاء الشعر. (إنتهى) ومن الواضح أن تعدد مآخذه في الخاصية الثالثة يرجع إلى كون أدونيس شاعراً، وعلى الرغم من ذلك سيتضح لنا أن مقولاته هنا أسخف حتى مما سبقها. فبالنسبة إلى (أ) من الواضح أن أدونيس يتحدث وفي ذهنه الأشكال الحديثة من المدارس الأدبية والنقدية والفنية المعاصرة والتي يترك فيها للمتلقي أو القارئ استخلاص المعنى من النص أو الرسم أو المنحوتة التجريدية. وقد عرف الفن الإسلامي هذا الضرب من الفن قبل الغرب بمئات السنين. فالأشكال النباتية الزخرفية في الفن الإسلامي أعمال تجريدية بامتياز. أما الأدب العربي المعاصر فقد طور وجهة النظر هذه ونقلها إلى الأدب المكتوب شعراً ونثراً فلم يتخلف في ذلك عن نظرائه في الغرب إلا في الكم. فلا مكان كما نرى لمأخذ أدونيس هذه ولا مصداقية لها. أما ما ورد في (ب) فهو محض اختلاق من أدونيس، فأغراض الشعر لم تتغير ولن تتغير طالما ظلت تعبيراً مكثفاً عن مشاعر الإنسان ودخيلته وشجونه وما ظل الإنسان إنساناً لم يتغير، فهو هو، وهي هي. وأما الشكل فقد شهد تطوراً وهذا ثابت تاريخياً في شعر العذريين وشعر العصر العباسي الثاني وشعر عصور الانحطاط ثم في الشعر العربي المعاصر. ومن شاء فليرجع إلى مؤلفات الأستاذ شوقي ضيف. وبالنسبة إلى ما ورد في (ج) فمن نافلة القول أن القرآن لم يتحد الشعر والشعراء، وإنما تحدى البشر أن يأتوا بمثله أو بسورة ولم يخص الشعر أو الشعراء بل إنه لم يعن بتجنب تشابه ألفاظ فيه ورد شبيه لها في الشعر الجاهلي كقول الخنساء في الجاهلية: أبعد بن عمر من آل الشريد حلت به الأرض أثقالها وقولها: فخر الشوامخ من فقده وزلزلت الأرض زلزالها هممت بنفسي كل الهموم فأولى لنفسي أولى لها أو قول حجر بن عمرو بن معاوية الكندي (آكل المرار): آتاك المرجفون برجم غيب على دهش وجئتك باليقين وقول الأسلع بن القصاف: فما الناس أردوه ولكن اقاده يد الله والمستنصر الله غالب شفى الداء وأبيضت وجوه كأنما جلا النفس عنها وهي سود كوائب وقول عبد الله بن جعدة الكلابي: فلنقتلن بخالد سرواتكم ولنجعلن للظالمين نكالاً وقول دخنتوس ابنة لقيط بن زرارة: كالكوكب الدري في الظلماء لا يخفى بها وقول عنترة العبسي: وإذا ما الأرض صارت وردةً مثل الدهان وقول علقمة بن عبدة: إذا علموا ما قدموا لنفوسهم من الشر إن الشر مرو أراهطا وقول أمرئ القيس: ومن الطريقة جائرٌ وهدىً قصد السبيل ومنه ذو دخل ولا تكاد تجد في شعر أيام العرب في الجاهلية غير هذه الأبيات وردت فيها جمل تشبه ما في القرآن. ولعل البعد الديني الذي تخيله أدونيس للشعر الجاهلي يرجع إلى رفض المسلمين محاولة الدكتور طه حسين التشكيك في أصالة الشعر الجاهلي، في كتابه الشعر الجاهلي، واعتبارهم محاولته تلك مدخلا للتشكيك في أصالة القرآن الكريم، وإدعاء اصطناع المتأخرين له، ونسبتهم إياه إلى المتقدمين. أما ما أورده في (د) فيكفي اعترافه بأن العقل المسلم يرى أن الحق عقلي منطقي أما استبعاد التخيل والمجاز فالشعر العربي منذ صدر الإسلام إلى اليوم يكذبه بوضوح لا مزيد عليه. أما ما أورده أدونيس في (ه) فالمسألة مسألة ذوق، فأنا مثلاً أرى أن الشعر الجاهلي جيد كله وفيه روائع ليس لها نظير، إلا أن من الشعر في العصرين الأموي والعباسي وحتى الشعر المعاصر ما لا يقل عن الشعر الجاهلي روعة وجمالاً. أما حكاية التكرار الطقسي، فإن التدين في الإسلام ليس تكراراً طقسياً صرفا بل هو صراع مستمر بين الهوى والواجب المتمثل في اتباع وسلوك سبل الحق، ولا يمكن أن يكون صراع كهذا مجرد تمرس بمحاكاة الأول، بل إنه تجربة متجددة بتعدد الأفراد من المسلمين. ولهذا السبب بالذات كان الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان لأنه يخاطب جوهر الكينونة الإنسانية في الفرد. وبالمثل فإن الشعر الذي يبدعه المسلمون إنما هو تجربة متجددة بتعدد القصائد. أما مقولة أدونيس التي في (و) فإنها لا معنى لها وواضحة السخف والتفاهة، فلا أظن أن في العالم كله من الشعراء ما لدى العرب، فأين ومتى تم إلغاء الشعر؟ يقول أدونيس "والخاصية الرابعة على صعيد التطور الحضاري هي التناقض مع الحداثة الغربية، فهو (أي الإنسان المسلم) يأخذ المنجزات الحضارية الحديثة ولكنه يرفض المبدأ القبلي الذي أبدعها، والحداثة الحقيقة هي في الإبداع لا في المنجزات بذاتها، فهو إذن يرفض الحداثة الحقيقية". لقد أثبت في مقالتي (الإسلام والثقافة والحضارة والتنمية) مستخدما منهجاً وضعياً لتحليل الظواهر لاكتشاف قوانينها العقلية، أي علاقاتها الثابتة في التوالي والتشابه وهو ما يسمى بالمنهج الإكلينيكي لتشخيص الحالات بوصف الأعراض: أن التنمية تتم في مجتمعات متباينة الثقافة ولا تستلزم شروطا مسبقة من الناحية الثقافية كما يدعي المستغربون وأن هناك عوامل خمساً مشتركة هي التي تؤثر حصراً في إمكانية إنجاز عملية التنمية وتوطين التكنولوجيا وهي: أنظمة تعليم ممتازة وخاصة الفنية والمهنية وفي العلوم والرياضيات توفر رأسمال كاف عن طريق جلب استثمارات خارجية أو استخدام دخل الموارد الطبيعية بحصافة. تحقيق الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي عن طريق تجنب السياسات المغامرة داخلياً وخارجياً. الأمر الذي يؤدي إلى الاستغناء عن الإنفاق العسكري الكبير وتوجيه الموارد بدلاً من ذلك إلى التنمية. التركيز على الأولويات الصحيحة كالزراعة والصناعات الخفيفة التصديرية، ثم بعد اكتساب الخبرة والتراكم الرأسمالي الكافي يتم الانطلاق إلى صناعة الإلكترونيات المتقدمة والصناعات الثقيلة. إتباع مزيج متوازن من اقتصاد السوق الحرة والتخطيط الاقتصادي. وفيما عدا ذلك فإن ما يطلبه المستغربون ليس إلا من باب لزوم ما لا يلزم، وأهم ما يتعلق بالبعد الثقافي وأثره على التنمية هو المحتوى الذي يصبغ به المجتمع المعني، سواء في العلاقات بين الشرائح والطبقات الاجتماعية المكونة للمجتمع أو علاقة الفرد بالمجتمع والدولة وموقعه فيهما وحقوقه وواجباته إزاءهما، وعلاقة الدولة بالمجتمع كسلطة، وعلاقتها بالدول الأخرى. وكلها إشكاليات ينبغي حلها حلاً ديموقراطياً في غمار العمل السياسي السلمي من أجل الديمقراطية والتي يأتي الحل سلمياً من خلال آلياتها. وقد أثبت التاريخ المعاصر المشاهد بما لا يدع مجالاً للشك أن التخلف الاقتصادي والعلمي والتقني لا يمكن أن يعزى إلى الموروث الثقافي لأي مجتمع، ذلك أن كل مجتمع بما هو إنساني، قابل للتكيف واكتساب المهارات التي تتناسب مع توجهه الاقتصادي أو الحضاري عموماً ومع مستوى تطوره دون أن يكون للثقافة الموروثة والدين منها بالذات أي أثر معيق أو سلبي بل إن السياسات المحاربة للثقافات الموروثة هي التي أثرت سلباً على التنمية بسبب ما أثارته من صراعات غير مجدية. فالهند الهندوسية تشهد نهضةً واسعة وكذلك الحال في ماليزيا المسلمة ودول الخليج العربية كما هو الحال أيضاً في مجتمعات أخرى تتبع الكونفوشية أو تدين بالبوذية وإلى جانب ذلك هناك دول مسيحية متخلفة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ولم تجدها (الفضائل البروتستانتية) التي عزى ماكس فيبر إليها فضل تقدم أوروبا. كما أن جهود علمنة تركيا لم تكن ذات فضل عليها ولم تؤد بها إلا إلى صراعات أثنية وسياسية وثقافية عميقة تهدد مستقبلها بأخطار جسيمة. aa عدن اف ام