محمد خروب تسببت استقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوي في اندلاع موجة عاتية من التحليلات والتكهنات والشائعات, التي بدورها زادت من منسوب الحيرة والقلق لدى الشارع المصري, بعد أن بدت الأمور (قبل الاستقالة) وكأنها تتجه في شكل محسوب ومبرمج نحو الاستحقاق الرئاسي في نيسان الوشيك, وسط انقسام أفقي وعامودي في الاحزاب والحركات السياسية, وخصوصاً في مواقفها من ترشيح المشير عبدالفتاح السيسي لمنصب الرئاسة, بعد أن لم يعد وارداً التعديل الوزاري, الذي رشحت أنباء عن اقتراب موعده لتمكين نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع السيسي من التفرغ لحملته الانتخابية, الامر الذي زاد من ضبابية المواقف والتوجهات وبات الجميع في انتظار تصريح من هنا أو توضيح من هناك, يفك الالغاز ويضيء على المناطق المعتمة في اداء الحكومة الانتقالية وحقيقة موازين القوى داخلها, وهل كان الببلاوي رجل المرحلة التي دشنتها موجة 30 حزيران 2013, حيث يتعرض الان لحملة شرسة من الانتقادات والشيطنة, لم تظهر أي دلائل وازنة على أنها على هذه الدرجة من الهشاشة والضعف, عندما كان الرجل في موقعه وكانت الترجيحات تميل الى بقائه في السلطة حتى نيسان القريب, وما عليه سوى اجراء تعديل محدود, اذا (وعندما) يقرر السيسي «المنافسة» على منصب الرئاسة.. صفحة جديدة فتحتها استقالة حكومة الببلاوي التي أظهرت عجزاً موصوفاً في الاقتصاد والخدمات والأمن, وبدت وكأنها مجرد واجهة لحكومة ظل تديرها أجهزة وجهات وشخصيات نافذة, فيما يتم تحميلها مسؤولية انعدام الأمن وانتشار العنف والارهاب وتزايد حوادث السطو المسلح والسرقة, وتراجع الانتاج وهروب الاستثمارات أو فشل الحكومة في جذب المزيد من هذه الاستثمارات, التي تحتاج الى أجواء آمنة وادارة ناجحة وبيئة جاذبة, وهي أمور أفتقدتها حكومة خريطة المستقبل الانتقالية, ناهيك عن عزوف الجمهور المصري وابتعاده عن السياسة وتصدع الاحزاب والحركات والنشطاء الشباب بتشكيلاتها المختلفة وخصوصا اولئك الذين تصدروا الصفوف وحشدوا الملايين لاسقاط مرسي واطاحة سلطة الاخوان كحركة «تمرد», والعودة التدريجية المنظمة والمدروسة لرجالات ورموز نظام مبارك واستعادتهم الثقة بانفسهم على نحو بات مألوفا ان تجد هؤلاء على شاشات الفضائية وفي وسائل الاعلام وفي الشارع. عودة مثل هذه المخاوف اسهمت فيها جهات عديدة وإن بدرجات ومساهمات متباينة, وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين والهيكل المفبرك الذي اخترعته والمسمى تحالف دعم الشرعية, الذين لم يتركوا اي شكل من اشكال العنف والارهاب المادي والفكري «يعتب» عليهم، اضافة بالطبع الى وسائل الاعلام الاقليمية والدولية المؤيدة لهم, التي لا تتوقف عن ممارسة ابشع واسوأ انواع التحريض والشحن والتزييف والكذب والمبالغة، زد على ذلك ضخامة «الملفات» التي ورثتها حكومة الببلاوي عن حكومة هشام قنديل، عزيز محمد مرسي غير المؤهل، متواضع الخبرة والكاريزما، دون اهمال الاضواء التي سرقها «وزير» في الحكومة رأى فيه الكثيرون انه الرجل القوي وصانع القرار, لكنه يقود من الخلف حتى لا يتحمل المسؤولية او (حتى لا نظلم الرجل) يتوفر على كياسة وتواضع، ويحترم التراتبية وينتظر فرصته التي غدت مؤكدة ونحن هنا نتحدث عن الفريق اول عبدالفتاح السيسي الذي تمت ترقيته الى مرتبة مشير في رسالة قرأها المعنيون بالامر بأنها الخطوة الاخيرة قبل خلع بزته العسكرية والجلوس في قصر الاتحادية. قد لا يكون اعلان حمدين صباحي ترشحه للرئاسة مُعطلاً أو مؤثراً في سيرورة خطة المستقبل التي اخذ السيسي على عاتقه يوم اعلنها في 3 تموز 2013 وتنفيذها، وبخاصة أنه تم الالتزام بأجندتها – حتى الان – رغم تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية, كما أن المؤيدين للسيسي, وهم قطاع واسع ومتنوع من المجتمع المصري لن يعيروا اهتماماً كبيراً لترشيح رئيس الاركان السابق الفريق سامي عنان, رغم ما قد يؤشر اليه هذا الترشح – الذي بات مؤكداً – وبخاصة في شأن وحدة موقف المؤسسة العسكرية المصرية, إلا أن احداً لا يمكنه تجاهل ثقافة الثأر والعنف, التي باتت تهيمن على عقل حركات الاسلام السياسي في مصر وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين وذراعها العسكرية (أنصار بيت المقدس) التي تروع الآمنين وتفتك بالعسكريين وتعيث خراباً وارهاباً في سيناء ومعظم المدن المصرية, وما يمكن أيضاً أن يلجأ اليه الاخوان والتحالف الداعم لهم «قبل» فتح صناديق الاقتراع عبر دعمهم لهذا المرشح أو ذاك, في حال عقدوا صفقة معه أو ارادوا «تحجيم» فوز السيسي (في حال ترشح) ليبدو وكأنه فوز بطعم الهزيمة, رغم كل ما يقال عن تراجع قوتهم وانفضاض الناس عنهم وانكشاف خطابهم. مصر أمام «استحقاقات» كبيرة, أبرزها الاستحقاق الرئاسي (على أهميته) إلا أن المخاوف تزداد, كلما غابت الحقائق وطال الانتظار.. بقي أن نعرف ما الجديد الذي ستأتي به حكومة ابراهيم محلب الذي كُلّف تشكيلها يوم امس. ايلاف