يبدو أن تونس التي وجّهت ضربات موجعة للإرهابيين في الداخل مؤخرا، تعيش اليوم على وقع ملف لا يقل خطورة... إنها فيالق الجهاديين العائدين من سوريا. مجدي الورفلّي من تونس: في الوقت الذي تحاول فيه السّلطات التّونسيّة تطويق الخطر الإرهابي، بدأت فيالق الجهاديّين بالعودة من الأراضي السّوريّة، أين كانوا يقاتلون ضد القوّات النظاميّة، ممّا سيفتح جبهة قتال ثانية من الأغلب أن قوّات الأمن والجيش التّونسي في غنى عنها خاصّة أنّها لم تتمكّن بعد من القضاء كليّا على "الخلايا الإرهابيّة المحليّة" التي لا تزال تضرب بقوّة من حين لآخر. مخاوف من العودة ولم تخف السّلطات والأوساط السياسيّة والحقوقيّة تخوّفها من عودة الجهاديّين التونسيّين من جبهة القتال في سوريا، خاصّة أنّهم تمرّسوا على حمل السّلاح وأصبحت لهم قدرة وخبرة قتاليّة عالية يمكن أن تُوجّه حربتها ضد قوّات الامن والجيش التي وجّهت مؤخّرا ضربات موجعة إلى جهاديّي تونس، وذلك بمقتل أو اعتقال المتهمين الرئيسيين في اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. بلغة الأرقام رغم غياب أرقام دقيقة تتعلق بعدد الجهاديين التّونسيّين الذين يقاتلون في سوريا، إلا أن عددهم قد يتراوح بين 3000 و3500، حسب بعض التّقارير الدوليّة، فيما يبلغ عدد الذين يقبعون السجون السّوريّة 300 جهادي تونسي. وارتفع عدد التونسيين العائدين من سوريا الى نحو 400 جهادي وفقا لوزير الدّاخليّة التونسي لطفي بن جدّو الذي قال خلال ختام اجتماع خصص للامن والتصدي للارهاب، غن وزارته لا تملك ارقاما محددة بعدد الذين عادوا ولكنه يقدر ب400. وتابع وزير الدّاخليّة: "للاسف لم يعتقلوا جميعا لانه لا يوجد قانون بهذا الخصوص، ولكننا نتابعهم من كثب ووضعنا قاعدة بيانات لانهم اكتسبوا الخبرة والتدريب ويجب متابعتهم من كثب، كما منعنا نحو ثمانية الاف شخص من الذهاب الى سوريا". العائدون مورّطون يقول هادي يحمد المختص في الحركات الإسلاميّة والجهاديّة ل"إيلاف"، إن ملف التونسيين الذين انظموا الى الجماعات الجهادية المتشددة، التي تنتمي الى المعارضة السورية، يعدّ أحد ابرز الملفات المؤرقة للسلط الامنية في تونس. وتابع: "بداية توجس السلط الامنية من هذا الملف برزت في المدة الاخيرة بعد التأكد من تورّط العديد من العائدين من سوريا في العمليات الإرهابيّة الاخيرة التي شهدتها البلاد، فقد اعترف احد المشاركين في قتل النّائب محمد البراهمي (المشهور بإسم "الصومالي") انه قاتل لمدة معينة الى جانب جبهة النصرة اضافة الى تلقيه تدريبات على مختلف انواع الاسلحة قبل ان يعود الى تونس". وأردف: "امثلة الصومالي كثيرة، إذ تقدر الجهات الامنية اعداد التونسيين الذين انظموا الى تنظيمي جبهة النصرة وداعش (الدولة الاسلامية في العراق والشام) بالمئات وهو ما يدعم المخاوف من تفجر هذا الملف في المستقبل وتصدره للاهتمام الاعلامي والامني خاصة ان هذه الجماعات لا تلغي امكانية الجهاد في تونس اذا ما توفرت الظروف الملائمة لاعلان تونس بلد جهاد". المنعرج في نهاية الحرب ويؤكّد الهادي يحمد ل"إيلاف" أنّ نهاية الحرب في سوريا سيشكل المنعرج الاخطر لتدفق الجهاديين التّونسيّين والتي لاحت بوادره مع عودة العديدين مؤخرا بعد إندلاع الحرب بين "داعش"وفصائل المعارضة السورية الاخرى. أضاف: "وبلا شك فان جحافل العائدين من سوريا سوف يشكلون احتياطيا للارهاب في تونس، ومع اقتراب فتح هذا الملف في المستقبل فان مقولة الانتصار على الارهاب ستوضع على المحك". وقتلت مجموعة مسلّحة مؤخّرا، اربعة اشخاص بينهم دركيان في منطقة جندوبة غرب تونس، بعد أن تنكروا في زي القوات النظامية ردّا على تصفية وإعتقال إرهابيّين آخرين. واعتقلت قوّات الامن في وقت سابق اربعة عناصر إرهابيّة، بعد تبادل كثيف للنّار، من بينهم "أحمد المالكي" الملقب ب"الصومالي"، وهو جهادي عائد من سوريا وأحد المورطين في اغتيال النّائب القومي محمد البراهمي، حسب وزارة الدّاخليّة. كما تم القضاء مطلع الأسبوع الماضي على "خليّة خطرة"، تابعة كذلك للتنظيم العسكري لأنصار الشّريعة، متكوّنة من 7 أفراد من بينهم كمال القضقاضي المتّهم الرئيس بعديد العمليّات الإرهابيّة، من بينها تنفيذ إغتيال اليساري شكري بلعيد والضلوع في تصفية محمّد البراهمي، إضافة إلى ذبح 8 جنود في جبل الشعانبي. ألغام مؤجّلة إنتقد المختص في الحركات الجهاديّة هادي يحمد غياب إستراتيجيّة أمنيّة تعالج ملف العائدين من سوريا قائلا: "تتضاعف هذه التخوفات في ظل غموض وعدم والضوح في استراتيجيات وزارة الداخلية والسلط الامنية التونسية في التعامل مع ظاهرة العائدين من سوريا". وواصل: "السلط الامنية مطالبة اكثر من اي وقت مضى بمصارحة التونسيين بخطورة هذا الملف والعمل على التوقي من انعكاساته الامنية والاجتماعية ودفع كل الفاعلين السياسيين والمجتمع المدني برمته بل والمجتمع التونسي كافة، من اجل التحضير لسيناريو عودة الجهاديين واخذ كل الاحتياطات من اجل تفكيك هذه الألغام المؤجلة". نجاحات أمنية إستنادًا إلى وزير الدّاخليّة لطفي بن جدّو، فقد تم إلقاء القبض على 293 شخصًا من العناصر المتورطة في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى سوريا للجهاد ومنع سفر أكثر من 8000 شاب وفتاة إليها. كما قتلت قوات الأمن الداخلية (شرطة وعناصر الدّرك) 23 إرهابيّا و قدّمت قرابة 1343 متهمًا بالضلوع في الإرهاب إلى القضاء، كما تمّ حجز 249 قطعة كلاشنيكوف و118 بندقية صيد و217 قنبلة يدوية الصنع و16661 من الذخيرة و1320 صاعقاً و25 لغمًا و270 قذائف حربية. وإتّهمت في وقت سابق وسائل إعلام محليّة وحقوقيّون دولة قطر بتمويل نقل الجهاديّين من تونس إلى سوريا، بعد تدريبهم في ليبيا، عبر ضخّ أموال إلى جمعيّات غير حكوميّة، وبالتّنسيق مع بعض القيادات المتشدّدة في حركة النّهضة التونسيّة، التي نفت الأمر. ايلاف