الملك سلمان يرعى نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    بايرن ميونيخ يحتفل بلقب الدوري للمرة ال 34 ويودع نجمه المخضرم توماس مولر    الموسم المقبل.. 6 أندية إنجليزية في دوري الأبطال    "صوت النساء يعلو".. احتجاج نسوي واسع يطالب بإنهاء التدهور الخدمي والمعيشي في عدن    رسالة الحرائر إلى رأس الافعى الذي منع توريد وقود الكهرباء    اعلام صهيوني: الصواريخ اليمنية ليست عادية وتشكل معضلة أمام دفاعاتنا    مرحلة عصيبة ومعقدة تمر بها عدن    مايهزك نبيح ياعدن    مطالبة بالخدمات أم أمر آخر    وثيقة عقوبات قبلية تثير استياء واسع في اوساط المثقفين اليمنيين    الفن بين المرآة والسيف: خطر مشهد السحل في الدراما "طريق إجباري" نموذجًا    المقالح يبدي خشيته من استغلال اتفاق مسقط لتعزيز الكيان الانفصالي    العدالة للداخل قبل الخارج..!    - كيف ينظر وزير الشباب والرياضة في صنعاء لمن يعامل الاخرين بسمعه اهله الغير سوية    حركة الجهاد في فلسطين تنعى المحرر الشهيد معتصم رداد -عربي    بايرن ميونخ يتوج بطلا للدوري الالماني للمرة ال 34 في تاريخه    إب تعيش ازمة وقود رغم اعلان شركة النفط انتهاء الازمة قبل أيام    تصاعد جرائم اختطاف وتهريب المهاجرين الأفارقة في شبوة    يعاقبون لأنهم لم يطابقوا القالب    إنصاف ينفذ جلسة إرشادية في الدعم النفسي للنساء في الأحياء الشعبية    أميركا والصين تختتمان جولة أولى من المحادثات في جنيف    صنعاء .. البنك المركزي يعلن بدء عملية صرف المرتبات ويحدد جهات الصرف    عدن.. مظاهرة نسائية احتجاجاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية وانقطاع الكهرباء    الرئيس المشاط يعزي في وفاة الشيخ ناجي أحمد سنان    -    - طيران اليمنية في صنعاء تتحمل كلفة العالقين خارج اليمن الذين كانوا سيصلون صنعاء    شاهد ..الانتهاء من معظم اعمال الصيانة في مطار صنعاء .. وقرب تشغيله    وزير العدل يوجه بسرعة البت في قضايا التخابر مع العدوان    الرئيس الزُبيدي يهنئ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيد النصر        - توقيع اتفاقية دعم اعلاني بين اللجنة الاعلامية باتحاد كرة القدم وشركة هيملايا الهند    ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية في غزة الى 52,810 شهداء و 119,473 مصابا    الراعي يتفقد أنشطة الدورات في عدد من المراكز الصيفية بمديرية التحرير    إصلاح ريمة ينعى الفقيد الوليدي ويثمن أدواره في نشر القيم الدينية والوطنية    عاجل: ترامب يعلن عن وقف الحرب بين الهند وباكستان    تأمين السكن يهدد ربع مليون نازح بمأرب    الإعلان عن القائمة الأولية لمعسكر المنتخب الوطني الداخلي في المكلا    تحذير أممي من استخدام المساعدات طعما لنزوح الغزيين    وسط توتر بين ترامب ونتنياهو .. واشنطن تلغي زيارة وزير الدفاع إلى إسرائيل    كفى عبثا كفى إذلالا.. أهذه شراكة أم استعمارٌ مقنّع؟    الأرصاد ينبه من الأجواء الحارة في الصحاري والسواحل    أنشيلوتي يترك ريال مدريد بعد الكلاسيكو    إثر خلافات أسرية.. رجل يقتل شقيقه بمدينة تعز    دراسة : عدد ساعات النوم الصحية يختلف باختلاف البلد والثقافة    وزير الأوقاف: تفويج حجاج اليمن سيبدأ الثلاثاء القادم    تصل إلى 100 دولار .. لجنة حكومية تفرض رسوم امتحانات على طلاب الثانوية اليمنيين في مصر    ارتفاع أسعار الذهب قبيل محادثات تجارية مرتقبة بين واشنطن وبكين    الأسباب الرئيسية لتكون حصى المرارة    لماذا يحكمنا هؤلاء؟    عيد ميلاد صبري يوسف التاسع والستين .. احتفال بإبداع فنان تشكيلي وأديب يجسد تجارب الاغتراب والهوية    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    أول النصر صرخة    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيسي لن يكون عبدالناصر... ولكن ماذا عن أوزال أو بينوشيه؟ - الحياة اللندنية - جمال خاشقجي
نشر في الجنوب ميديا يوم 01 - 03 - 2014

GMT 0:05 2014 السبت 1 مارس GMT 12:36 2014 السبت 1 مارس :آخر تحديث
جمال خاشقجي
يحلو لأنصار المشير عبدالفتاح السيسي أن يصوروه مثل عبدالناصر، ولكنه في الغالب يعلم أن نجاحه كرئيس لمصر ألا يكون عبدالناصر، بل أن يصلح الاقتصاد المصري الذي أفسده «الزعيم الخالد». لا بد من أنه يعلم أن مشكلة مصر الحقيقية هي الاقتصاد، ويعلم أن كل من جاؤوا بعد عبدالناصر حاولوا ذلك ولكنهم لم ينجحوا.
حاول السادات إجراء إصلاحات اقتصادية سميت الانفتاح، من دون المساس بهيكل الدولة الريعية والاقتصاد الموجه الذي تركه عبدالناصر، فكانت النتيجة ظهور اقتصاد موازٍ أفرز ما اتفق المصريون على تسميته «القطط السمان» الذين يتمتعون برخاء وحدهم بعيداً من الغالبية الفقيرة. حسني مبارك حقق إنجازات أفضل، واستعان باقتصاديين حقيقيين، ولكن استمرت معادلة الاقتصاد الموازي. دافع مبارك عنه مرة مستخدماً نظرية «اقتصاد الانسياب من أعلى إلى أسفل» Trickle Down Economy وهي نظرية شاعت في الولايات المتحدة خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان الذي كان يشجع خفض الضرائب على الأغنياء، وإعطاء حوافز لرجال الأعمال على أمل أن ترتفع مداخيلهم فتنساب نحو بقية الاقتصاد.
من الواضح أن النظرية فشلت في مصر فكانت ثورة 25 يناير التي كانت «العدالة الاجتماعية» أهم شعاراتها. المشكلة أن الساسة والمثقفين في مصر يهربون من مناقشة أمّ القضايا في بلادهم وهي الاقتصاد، ويفضلون أي قضية غيرها، دولة مدنية أم دينية، مدنية أم عسكر، عسكر أم «إخوان»، مؤامرات دولية، علاج ثوري للأيدز والكبد الوبائي، أي شيء إلا الاقتصاد، ربما لأنهم جميعاً يعلمون أنه الوحش الحقيقي الذي لا قِبَل لأحد به إلا باتخاذ قرارات مؤلمة جداً قد تؤدي إلى ثورة أكبر مما رأت مصر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. كل الإصلاحات الاقتصادية التي قدمتها الحكومات المصرية الخمس بعد إقصاء مبارك، كانت مسكنات ووعوداً، بل إن أهم أسباب إقالة حكومة الخبير الاقتصادي حازم الببلاوي قبل أيام، أنها أصدرت قراراً برفع الحد الأدنى للأجور تم تفعيله أول كانون الثاني (يناير) الماضي، ولكنه لم يشمل الجميع، ومن شملهم لم يشعروا به نتيجة التضخم، فانتشرت الاعتصامات والإضرابات الفئوية.
أي رئيس مقبل لمصر يعلم أن المشكلة بسيطة جداً، ولكن حلها عويص جداً. المشكلة أن دخل الدولة أقلّ من إنفاقها، إذ بلغ عجز الموازنة المصرية حوالى 240 بليون جنيه (34.9 بليون دولار)، أي ما يعادل 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية الماضية، والحل أن يتساويا على الأقل، وهذا لن يكون إلا بالتخلص من تركة عبدالناصر، أي القطاع العام الهائل، وجيشاً من الموظفين لا تحتاجهم الدولة، يزيد على 6 ملايين موظف يتوقع أن يزيدوا إلى 7 ملايين قريباً مع استجابة الحكومة لعمليات تثبيت الموقتين، وآخرها هذا الأسبوع عندما تم تثبيت 75 ألف معلم، مع دعم مكلف لسلع أساسية، أبرزها الطاقة التي تلتهم وحدها 140 بليون جنيه (20 بليون دولار) من موازنة الدولة، أضف إلى ذلك شبكة معقدة من الأنظمة «الحمائية» التي قيّدت الاقتصاد وأبقت مصر حائرة بين اقتصاد السوق الحر والاقتصاد الموجّه.
في زمن مبارك حصلت معالجات لذلك، ولكن شابها الفساد والاستثناءات، ولكن وعلى رغم «ظلمها» للبعض - وهذا البعض كثير جداً - ساعدت في تحقيق نسب نمو جيدة للاقتصاد المصري الكلي، بلغت 7,1 في المئة في عز الأزمة المالية العالمية عام 2008، ولكن لم يشعر بها ربع السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر. على رغم ذلك تظل خبراً جيداً جداً بالمقارنة مع نسبة النمو خلال الربع الأول من العام المالي الحالي التي لم تزد على واحد في المئة فقط.
دول كثيرة مرّت بالحال المصرية، ولكن اثنتين تستحقان من «الرئيس» السيسي أن يمضي وقتاً يقرأ ويتأمل التحولات فيهما حتى خرجتا من عنق الزجاجة. لم يكن ذلك سهلاً، بل مكلفاً، وطالما أن مصر تدفع كلفة باهظة لفرض الأمن وإعادة هيبة الدولة من نظام فردي لا مجال لنصحه بتوسيع قاعدته الوطنية بلمّ الشمل والمصالحة، فالأفضل أن توجه هذه الكلفة نحو خدمة الوطن لا الفرد، وحتى لا تكون دورة مغلقة من أزمة إلى أخرى، بل فرصة لكسر دورات الحكم الشمولي إلى نهضة اقتصادية تؤسس لمجتمع ديموقراطي تعددي.
إنهما تشيلي وتركيا اللتان سادت فيهما الفوضى والتضخم عقوداً، ما دفع الجيش إلى التدخل. لا يهم إصدار أحكام الآن في ما إذا كان ذلك محموداً أم مذموماً. في تشيلي تسلّم السلطة الجنرال بينوشيه عام 1971، وأسقط حكومة منتخبة. كان قاسياً جداً، ولا يزال التشيليون يحملون ذكريات أعوامه القاسية. آلاف لا يزالون مفقودين. والد الرئيس الحالي مات في سجون بينوشيه تحت التعذيب، ولكن معظمهم يعترف بأنه نجح وبيده الغليظة في فرض إصلاحات اقتصادية عجز عنها من سبقه من حكومات منتخبة، فمهّد لما يسمى اليوم «معجزة تشيلي»، بل إن التلامذة التشيليين للاقتصادي الشهير الحائز جائزة نوبل ميلتون فريمان، هم الذين قادوا إصلاح الاقتصاد في بلادهم خلال عهد بينوشيه مطبقين نظرية فريمان في «تحرير السوق»، التي أدت - وفق ما يقول في مذكراته - إلى «أداء أفضل للاقتصاد، ما خلّص تشيلي من الحكومة المركزية، واستبدال الطبقة العسكرية الحاكمة بمجتمع ديموقراطي». ولعل بعض الليبراليين المصريين يجدون مبررات أفضل لقبولهم بوضع الديموقراطية «أون هولد» لو تعمقوا في أفكار مدرسة ميلتون فريمان التي تسمى أيضاً «النيوليبرالية»، فهو يؤمن بأن الديموقراطية تعمل في شكل أفضل في المجتمعات المكتفية التي تنعم باقتصاد حر، وبالتأكيد فإن المجتمع المصري غير مكتفٍ اقتصادياً ولا يتمتع باقتصاد حر، ولكن أحد أهم التحديات التي واجهت «النيوليبرالية» حيث حلّت في أوروبا الشرقية وروسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي وأميركا اللاتينية، الفساد واستغلال «القليل» أو من أطلق عليهم «الأوليغارشيه Oligarchy» الذين يهيمنون الآن على مقدرات البلاد، فيواجههم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تارة ويهادنهم تارة أخرى، ولم تحسم بعد العلاقة بينهم وبين الدولة. ويجب أن تعترف النخب المصرية بوجود حال «الأوليغارشيه» في بلادهم، مشكّلة معاً مراكز قوى تشترك في حكم البلاد، وأن هذه الحال لا يمكن أن تستمر في نظام ديموقراطي كامل.
في تركيا، قاد الجنرال كنعان إيفرين انقلاباً عام 1980 على حكومة منتخبة بعد أعوام من الفوضى. في أول عامين من حكمه كرئيس شهدت تركيا أياماً سوداً، اعتقالات بعشرات الآلاف، إعدامات، ومثل تشيلي لا يزال الأتراك يبحثون عن آلاف فقدوا. بعدها سلّم رئاسة الحكومة للاقتصادي تورغت أوزال الذي قاد إصلاحات اقتصادية هائلة قريبة من مدرسة «النيوليبرالية»، وفتح الباب لمصالحة تاريخية بين تراث تركيا الكمالي العلماني وتراثها الإسلامي. بعد عقد خرج العسكر من الحكم، وتحولت تركيا إلى معجزة اقتصادية. الخلاصة أن الجميع مضى - ظالمين ومظلومين - وبقيت تركيا وتشيلي، بل أصبحتا تتصدران قائمة أسرع الاقتصادات نمواً. يجلس اليوم التركي أو التشيلي في مطعم أنيق يقرأ صحيفة حرة تنتقد الحكومة أو توافقها، يناقش صديقه حول الانتخابات المقبلة في بلاده من دون أن يخشى أمن الدولة، أو يقلق مما إذا كان يستطيع تسديد فاتورة المطعم الفاخر.
حري بالمصريين أن يوجهوا جدلهم المحتدم نحو معضلة الاقتصاد، ويقبلوا الحلول التي ستكون قاسية، والتي من الأفضل أن تكون بإجماع وطني يحتاج إلى مصالحة معجزة لا تبدو في الأفق. الوحيد الذي فعل ذلك هو الروائي عز الدين شكري فشير في روايته «النبوئية» الرائعة «باب الخروج» التي فتح فيها كل الأبواب غير باب الخروج. توقفت أمام شخصية عز الدين فكري الذي يصل إلى السلطة، فيبطش بكل خصومه لأجل تحقيق أهداف الثورة، ولكنه يسقط عندما يقترب من الستة ملايين موظف. وحش البيروقراطية الهائل الذي يرمز إلى الدولة الريعية، ربما لأنه كان وحده.
ايلاف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.