بعض الأسئلة تكون حساسة في أوقات معينة، فنتجنب طرحها، أو حتى الإشارة إليها، ونظن لوهلة بأن كتمانها قد يؤدي بمرور الأيام إلى تلاشيها، ولكن تمر السنين، ويتضح العكس، فالمشاكل تكبر، والأسئلة تتضخم، أما الإجابات، فتصبح أكثر صعوبة. في العام 1982، عرض تلفزيون الكويت مسلسلاً جريئاً في فكرته، رصيناً في طرحه، يحمل اسم أحلام صغيرة، مستوحى من رواية يوميات بنت للأديبة ناديا كمال، وشارك في بطولته حشد من النجوم، في مقدمتهم سعاد عبدالله وحياة الفهد وخالد العبيد وإبراهيم الصلال، والنجمة الصاعدة آنذاك رجاء محمد، والتي مثلت الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث. المسلسل يتحدث بشكل أساسي عن منى، الفتاة المراهقة التي يضج عقلها بتساؤلات عاطفية عميقة ترتبط بطبيعة المرحلة العمرية التي تعيشها، وفي محاولاتها الحثيثة، للحصول على إجابات صريحة عليها تصطدم تارة بتحفظ المحيطين بها، وتارة أخرى بعدم امتلاكهم للإجابة من الأساس، فالأسرة الخليجية لم تكن مهيأة يومها، للتعامل مع هذا النوع من الأسئلة. وترى فيها خروجاً على تعاليم الدين، وقيم المجتمع، الأمر الذي دفعها للجوء إلى صديقة لها، اقترحت عليها الدخول في مغامرة عاطفية مع رجل آخر، تستكشف من خلاله ذاتها، والعالم المحيط بها. هذا المشهد بالذات، صدم المشاهد الخليجي يومها، وأدخله في حالة إنكار، واستنكار شديدين لمضمونه، الأمر الذي دفع بالشرائح المحافظة في المجتمع الكويتي إلى الضغط على الجهات الإعلامية المختصة، لإيقاف عرض المسلسل، ليتحقق لها ما أرادت، ويتم إيقاف عرضه ابتداءً من حلقته الخامسة، لتبقى الأسئلة حائرة في عقل منى، وعدد غير قليل من بنات جيلها. الحقيقة التي غابت عن أذهان المعترضين حينها، هي أن إنكار المشكلات لا يعني عدم وجودها، وأن سلب الصغار حقهم في طرح الأسئلة، لا يحجب الحقائق عنهم، وأن المجتمعات التي لا تتفاعل إيجاباً مع واقعها، ستجد نفسها عاجلاً أو آجلاً عاجزة عن التعامل مع متغيراته، الأمر الذي ستنتج عنه فجوات حضارية عميقة، ستمثل منفذاً للكثير من الظواهر الاجتماعية الخطيرة. فالتجارب الإنسانية تقول إن أقوى المجتمعات، وأكثرها مناعة، هي تلك التي تصارح نفسها بمشكلاتها، وتسمح لأفرادها بطرح الأسئلة، وتنتهج أسلوب الدراسة المتعمقة والبحث الرصين، للحصول على إجابات شافية عليها، ولا تتردد في استبدال مفاهيمها القديمة بأخرى جديدة، متى ما اكتشفت عدم توافقها مع متغيرات العصر. فالتغير الاجتماعي سنة أصيلة من سنن الوجود، والجمود عند مراحل معينة من التاريخ، أمر غير ممكن، ويتنافى مع العقل والفطرة، ومحاولة استدعاء ثقافة الماضي، لإسقاطها بكل حيثياتها على مستجدات الحاضر، أسلوب عقيم أثبت فشله في الكثير من التجارب القديمة والمعاصرة. والكرة الآن في ملعب الآباء والأمهات، خصوصاً ونحن نعيش ثورة غير مسبوقة في تقنيات الاتصال، جعلت من عملية البحث (غير الرشيد) عن المعلومة أمراً في غاية السهولة والخطورة. [email protected] The post أسئلة لا تموت appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية