يعمل "مجمع شؤون القديسين" في إيطاليا على فحص "المعجزات" التي ترد عليه، والفصل بينها وبين الخرافة، من أجل الاستعداد لتطويب البابا يوحنا بولس الثاني وإعلانه قديسا بعد تسعة اعوام فقط على وفاته. عبدالإله مجيد من لندن: هناك في روما مكان لجمع المعجزات وفحصها وتمحيصها وتدقيقها وتطهيرها من أي تعطش للمجد أو خرافة وثنية. ويُسمى هذا المكان مجمع شؤون القديسين، وفي موعد اقصاه 27 نيسان (ابريل) سيجري في روما تطويب كارول فويتيلا المعروف ايضا بالبابا يوحنا بولص الثاني واعلانه قديسا بعد تسعة اعوام فقط على وفاته. يوحنا بولص الثاني وقلما كان الفاتيكان بمثل هذه العجالة لإنجاز مراسم تطويب. وبعد ما كان يوحنا بولس الثاني بابا عالميا سيصبح الشهر المقبل قديسا عالميا في القرن الحادي والعشرين. وكان البابا يوحنا بولس الثاني جرى تطويبه بالسعادة المقيمة ولكن اكتسابه مرتبة القديس تقتضي معجزة أخرى أُخضعت للفحص والتمحيص رسميا ولا يمكن تفسيرها بقوانين العلم. بين السماء والأرض... وساطة تجري هذه العملية في مكتب خاص حيث يتولى سلافومير اودر (53 عاما) انجاز الخطوات اللازمة لعملية التطويب الى مرتبة القديس بالعمل وسيطا بين السماء والأرض. وفي هذا المكتب تُجمع الأدلة وافادات الشهود على المعجزة قيد البحث وأخبارها. ودرس الموظفون العاملون في مكتب اودر كل كتابات كارول فويتيلا ابتداء من مسرحية كتبها بعنوان "متجر المجوهراتي" الى مفردات آخر كلمة القاها بصوت أقرب الى الهمس. ويغص مكتب اودر في الطابق الخامس من ميدان لاتيران في روما بالملفات وصور بابوات وهدايا قُدمت اليهم خلال رحلاتهم. ويحوي صندوق زجاجي طاقية بيضاء ومحفظة اقلام، ويؤكد المونسنيور اودر انها كلها اصلية ثم يشير الى مدخر فيه قطعة قماش عليها بقع رمادية قائلا انها من يوم محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 13 ايار (مايو) 1981 وهي أهم قطعة أثرية في المجموعة. طقوس التطويب ويضطلع مكتب اودر بادارة هذه القطع الأثرية المقسمة الى ثلاث فئات. أهمها مأخذوة من جسم البابا يوحنا بولس وهي في الغالب من شعره ودمه. والفئة الثانية قطع مما كان يرتديه البابا الراحل وأخيرا مواد لامست ما كان يملاس جسده من ألبسة. وهناك حاليا نحو 400 قطعة من الفئة الأولى ونحو 40 الفا من قطع الفئة الثانية التي تتألف كلها تقريبا من نتف صغيرة من أردية البابا. اما عدد القطع الأثرية من الفئة الثالثة فهو غير محدود. ولكن اودر يسارع الى القول ان هذه القطع لا تُستخدم كتعويذات وان القطعة الأثرية ليست تميمة تجلب الحظ بل مادة للتأمل ونافذة على العقيدة. ويدعو اودر زواره لأخذ بعض من هذه النتف. قصة اعجازية يُحفظ التقرير النهائي عن البابا يوحنا بولص في خزانة. وكانت نسخة منه أُعطيت للبابا فرنسيس فيما يبقى الأصل أمانة بعهدة اودر. ويزن ملف كارول فويتيلا نحو 4 كلغم في اربعة اجزاء تقع في 2709 صفحات تحت عنوان "تقرير عن حياة القداسة وفضائلها وسمعتها". ويضم التقرير، من بين اشياء أخرى، شهادة المستشار الالماني السابق هيلموت كول وكذل شهادة الدلاي لاما وشهادات نحو 100 شخصية معاصرة أخرى. وقام اودر بزيارتهم جميعا خلال السنوات الماضية وطُلب من كل واحد، إذا كان كاثوليكيا، أن يقسم بروحه انه يقول الحق. كما يتضمن التقرير قصة اعجازية حدثت قبل ثلاث سنوات على بعد 10 آلاف كيلومتر من الفاتيكان أو توخيا للدقة انها حدثت في الفص الصدغي الأيمن من دماغ فلوريبت مورا دياز. البابا الشفيع وتعيش مورا (50 عاما) في سان خوسيه عاصمة كوستاريكا حيث لها تسعة احفاد. واقامت في شرفتها محرابا تزينه الشموع وصور يوحنا بولص الثاني الذي سيصبح قديسا الشهر المقبل. وقالت مورا ان البابا الراحل "شفيعي" لأسباب لا يتطرق اليها الشك. ففي 13 نيسان (ابريل) 2011 شعرت السنيورة مورا بأن رأسها سينفجر ولم تعد تشعر بساقها اليسرى وكانت تتقيأ باستمرار. وقال لها الطبيب انها مصابة بمرض الشقيقة أو الصداع النصفي لكنها رفضت تشخيصه. وأخذها زوجها ادوين اركي الى افضل مستشفى في المدينة ليفحصها أفضل الأطباء. فأل حسن كان طبيب الأعصاب الذي فحص مورا شابا اسمه اليخاندرو فارغاس يبدأ عملياته على مرضاه بعبارة "توكلتُ على الله". واعتبرت مورا ان هذه الكلمات فأل حسن، وقالت مورا انها كانت تشعر ان رأسها متورم حتى انها لم تكن تجرؤ على العطاس. وبعد الفحص اخبرها الطبيب انها مصابة بتمدد الأوعية الدموية وهو مرض كثيرا ما يصيب من تجاوزا سن الخمسين وخاصة ذوي الأوزان الزائدة أو المصابين بارتفاع ضغط الدم. وروت مورا ان الدكتور فارغاس أوضح ان اوعيتها المتمددة موجودة في مكان من الدماغ يصعب الوصول اليه وأبلغها انها يمكن ان تقع في غيبوبة إذا أجرى لها العملية. وتتذكر مورا كيف عادها قس للصلاة على روحها قبل ان ترحل عن هذه الدنيا. وقال الدكتور فارغاس ان هذا النوع من العمليات يُجرى في المكسيك أو الولاياتالمتحدة ولكن ليس في كوستاريكا وانه وصف لها بعض المهدئات لأن تمدد الأوعية الدموية الدماغية لم يصل الى حالة ميئوس منها. ولكن مورا لم تصدق كلامه وكانت تعتقد ان لديها مشكلة خطيرة في الدماغ لم يتمكن من علاجها أفضل طبيب في كوستاريكا. واتصل زوجها بأفراد العائلة قائلا ان مورا لم يبق لها في هذه الدنيا سوى شهر واحد. وبكت مورا ثلاثة ايام متتالية كانت خلالها تتناول الحبوب التي وصفها الدكتور فارغاس وتصلي بين نوبات الوجع. وكان احد اطفالها يدخل عليها بين حين وآخر ويربت على يدها ليرى إن كانت لم تزل حية. المعجزة الحقيقية الوحيدة في 1 ايار (مايو) 2011 جرى تطويب يوحنا بولس الثاني بالسعادة المقيمة واعلن البابا بنديكتوس الساس عشر في حينه ان شذى قداسته كان محسوسا بعد تطويبه في وقت قياسي لا يتعدى ست سنوات من التدقيق والبحث في اعقاب رحيله. قديسًا إلى يوم القيامة ولكن هناك فارقا بين بين التطويب بالسعادة المقيمة والتطويب الى مرتبة القديس. إذ لا توجد عطلة دينية إلا باسم قديس حقيقي ولا يمكن التعبد إلا بقطعه الأثرية بصرف النظر عما يظهر من وثائق أخرى في المستقبل. والقديس وحده يبقى قديسا حتى يوم القيامة وما بعده. ولكن الشذى مهما كان قويا لا يكفي لتطويب صاحبه قديسا بل يتطلب هذا معجزة مؤكدة. وكانت القدرة على صنع المعجزات نُسبت الى البابا يوحنا بولس الثاني خلال تطويبه بالسعادة المقيمة. ففي عام 2005 اعلنت الراهبة الفرنسية ماري سيمون بيير انها شفت من مرض باركنسون باستحضار البابا الراحل والتضرع اليه. وبموجب القواعد المتعبة فان الشهادة مثل الاغتيال ستكون كافية للتطويب بالسعادة المقيمة ولكن المطلوب معجزة للتطويب الى مرتبة القديس. وفي حالة البابا يوحنا بولص الثاني فان هذا سيحدث في أي وقت بعد 2 أيار (مايو) 2011. يد العون من يوحنا بولص لم تتمكن مورا من النوم ذات الليلة فقررت ان تشاهد التلفزيون. وكان عدد خاص من جريدة لا ناسيون مع صورة بالأبيض والسود للبابا يوحنا يوزع بركاته، ملقى على تلفزيون مورا. وتتذكر مورا ما حدث قائلة "في الصباح نظرت الى صورته في الجريدة وسمعت صوتا يهتف. نعم كان صوت رجل، وكان بالاسبانية. قال "انهضي ولا تخافي". وامتدت يداه من الصورة". مورا روت هذه القصة عدة مرات وكانت تبكي في كل مرة ترويها. وتقول مورا "وقلت "نعم سيدي"، وتمكنتُ من الذهاب الى المطبخ. شعرتُ بتحسن طفيف. أحسستُ بدفء داخلي. كنتُ مقتنعة بأني تعافيت حتى وإن كان جسمي يقول العكس. انه شفيعي خوان بابلو (كما يُسمى يوحنا بولص بالاسبانية)". خفَّت اوجاع مورا في رأسها ثم اختفت تماما. وفي تموز (يوليو) تعجب الدكتور فارغاس لرؤية مريضته عائدة اليه في المستشفى وقد اختفت أعراض مرضها تماما. وقال فارغاس انه عندما فحص الصور الإشعاعية ظن انه ارتكب خطأ بفحص صور مريض آخر. إذا لم ير اثرا لأي تمدد في الأوعية الدماغية وبدا الشريان طبيعيا جدا حتى بعد القسطرة. وقال الدكتور فارغاس "كان انطباعي ان شيئا ما حدث ولم أجد شبيها له في كتب الطب". دم البابا في كوستاريكا لم تجد مورا حاجة للحديث بعد الآن عن وقوع معجزة وما كان العالم ليعلم بها لولا القس البولندي داريوش را الذي زار كوستاريكا حاملة معه هدية خاصة. إذ قرر الأب داريوش زيارة صديقه الكوستاريكي الأب دونالد سولانا الذي توقع ان يأتيه حاملا مقانق بولندية، ولكن الأب داريوش وصل حاملا معه دماً بابويا. ورغم انه كان قطرة فقط إلا انه كان قطرة من دم البابا يوحنا بولس الثاني. ومن دون قطرة الدم التي حملها الأب داريوش مع امتعته الى كوستاريكا لن يكون هناك تطويب في 27 نيسان (ابريل) 2014 أو ميدان في الفاتيكان يُسمى ساحة القديس جيفاني باولو الثاني (كما يُسمى يوحنا بولص بالايطالية). والسبب ان المعجزات لا تسقط من السماء بل تُصنع. وجرى تجفيف قطرة الدم التي حملها معه الأب داريوش من مدينة كراكوف البولندية على رقعة من القماش وحُفظت في وعاء نحاسي. وكان مصدر القطرة آخر عينة دم أُخذت من البابا اثناء احتضاره. اتصال من الفاتيكان يقول الأب دونالد ان سيدة حضرت ذات يوم الى الكنيسة بعد اغلاقها. كانت تنحب وأصرت على ان ترى قطرة الدم. فسمح لها بالدخول. وتحدثت السيدة التي لم يتذكر اسمها عن شفائها من مرض كانت مصابة به وان البابا يوحنا بولس هو الذي انقذها. وكتب لها الأب داريوش صديق دونالد القادم من بولندا عنوان موقع على الانترنت تستطيع ان ترسل اليه قصتها. وذات صباح في نيسان/ابريل 2012 تسلم الأب دونالد اتصالا من اودر الذي قدم نفسه بصفته المسؤول عن ملف البابا يوحنا بولص في مجمع شؤون القديسين في الفاتيكان. وقال اودر له "ابحث عن السنيورة مورا. فنحن نحتاجها". تمكن الأب دونالد من العثور على مورا في مدينتها بمساعدة اصدقاء وشركة الهاتف المحلية. وقال الأب دونالد لمجلة شبيغل اونلاين "ان الفاتيكان ارسل 1200 دولار لفحص مورا في عيادة خاصة. وكانت النتيجة واحدة. لم يكن هناك تمدد في الأوعية الدماغية. وأرسلتُ الصور الإشعاعية الى روما دي اتش ال اكسبريس". وبدأ العمل في مجمع شؤون القديسيين، إذ كان كثيرون ينتظرون معجزة ولكن ليس لأسباب مرضية بكل تأكيد. انتفاء الحاجة الى مورا في 17 تشرين الأول/2012 استقلت فلوريبت مورا الطائرة لأول مرة في حياتها. ورافقها الأب دونالد الى روما حيث حُجزت لها غرفة في مستشفى غيميللي على الطابق نفسه الذي نُقل اليه البابا يوحنا بولص بعد محاولة اغتياله. وفي المستشفى أُخضعت مورا لفحوص طويلة ومتعبة حتى ان صحتها تدهورت والغت زيارة كانت تريد القيام بها الى كنيسة اسيسي. وبلغت بها الحال حتى انها لم تعد تريد سوى العودة الى بلدتها. وحينذاك كانت الحاجة انتفت الى بقائها. واوضح اودر من مجمع شؤون القديسين ان المعجزة ليست هي التي تصنع القديس بل التأكيد النهائي لوقوعها. بكلمات أخرى ان المعجزة تخضع لتدقيقات تقنية ويقوم فريق من علماء اللاهوت بالتوثق من حدوث صلاة صادقة قبل حدوث المعجزة. وقبل ذلك يُدعى فريق من الأطباء الأكفاء الذين ليس من الضروري ان يكونوا قريبين من الكنيسة. وأكد الفاتيكان ان الأطباء لم يجدوا تفسيرا علميا لشفاء مورا من مرضها. وقال اودر ان شفاءها "كان حقا معجزة". في 27 نيسان/ابريل 2014 سيتقاطر الزوار على روما مرة اخرى ليحضروا اضافة اسم جديد الى الى قائمة القديسين هو القديس كارول. واليوم تجلس مورا في الصف الأمامي خلال القداس في كنيسة بلدتها، وزارها في بيتها مؤخرا اشخاص من البوسنة طالبين بركاتها. وما زالت مورا حائرة إزاء تطويب شفيعها يوحنا بولس ليكون قديسا وحقيقة ان اسمها سيُذكر بكل اللغات قريبا. ولكن ماذا سيحدث إذا حدث تمدد جديد في اوعيتها الدماغية؟ يقول اودر مسؤول ملف يوحنا بولص في مجمع شؤون القديسين "ان هذا سيكون مرضا جديدا تماما بموجب القانون الكنسي". وستحتاج مورا الى معجزة جديدة أو طبيب أفضل. ايلاف