أكدت أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز وعضو لجنة صياغة الدستور أن مصيبة البلد تكمن في تزييف الوعي والنظرة السطحية للأمور والتحيزات التي ما زالت موجودة كنتيجة لصراعات الماضي وعقلية الإقصاء والحس الأمني، والشك وتصنيف الأشخاص والحكم على مواقفهم من مجرد رأي في موقف ما، وتنميط الناس بعيداً عن تحليلات السلوك وجذوره الرئيسية والعوامل المتسببة بالصراع من جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو الأمر الذي لا نريده أن يتكرر في الدولة التي نريدها بعد الثورة الشبابية الشعبية.. مضيفة في اللقاء التالي معها بأنها ليست متمردة على حزبها حزب الإصلاح، وإنما تنطلق في مواقفها وفقاً لقراءتها للأحداث خاصة بعد الثورة الشبابية الشعبية.. سنة لصياغة الدستور بداية أهنئكم بثقة القيادة السياسية أستاذتنا القديرة باختياركم ضمن فريق لجنة صياغة الدستور، وبالمناسبة كيف سيتم صياغة الدستور الجديد وكم المدة التي ستستغرق ذلك؟ شكراً لك وللقيادة السياسية التي أولتني هذه الثقة، في هذه المرحلة المهمة من تاريخ ثورتنا الشبابية الشعبية والمتمثلة بتجسيد صياغة دستور دولة اليمن الاتحادية، والذي سيكون انعكاسا لمخرجات الحوار الوطني، وحسب ما جاء في القرار الجمهوري فإن أقصى مدة محددة للصياغة والاستفتاء على الدستور هو عام واحد يبدأ من صدور القرار. دستور بناءً على مخرجات الحوار كيف ستتم صياغة الدستور وهل سيتم الاستعانة بخبراء أجانب أو محليين؟ صياغة الدستور ستتم بناء على نتائج مخرجات الحوار الوطني بدرجة أساسية، وحسب علمي سيكون هناك استعانة بخبراء محليين وعرب وأجانب بحسب ما تحدده اللجنة، وسيتم أيضاً الاستعانة بأصحاب الخبرات في مؤسسات الدولة والوزارات، كما سيكون هناك تشاور مستمر مع الهيئة الوطنية لمتابعه تنفيذ مخرجات الحوار. قرار مجلس الأمن أيضاً كيف تنظرين أستاذتنا القديرة إلى قرار مجلس الأمن الأخير حول الوضع في اليمن؟ قرارات مجلس الأمن الأخيرة والقرارات السابقة التي تناولت أحداث الثورة اليمنية تدل على أن هناك توجهات دولية حديثة تنحو نحو المساعدة والضغط لتقدم اليمن للأمام، خاصة وأنها قرارات تستخدم الحلول التدريجية والمركزة على احتياجات اليمن في كل مرحلة، وهو الأمر الذي يختلف عن كثير من القرارات الخاطئة التي استخدمها مجلس الأمن في كثير من الدول العربية في مراحل تاريخية سابقة. وبالنسبة لمخاوف بعض اليمنيين والجماعات من هذا القرار له مبرراته بسبب تجارب مجلس الأمن في التدخل في سيادات بعض الدول بطريقة خاطئة ، والآن نقول صار دخول اليمن ضمن قرارات مجلس الأمن واقعاً، ولن ينفع الحديث عن قبوله أو رفضه، المحك الرئيسي الآن هو هل ستكون الأحزاب والجماعات اليمنية على قدر اليمن ويخلقون إرادة جديدة لتنفيذ مخرجات الحوار والتغيير في اليمن حتى يقطعوا الخط على مجلس الأمن أو غيره بتنفيذ بنود الفصل السابع تأكدوا أننا إذا وصلنا لمرحلة التدخل فهذا يعني أن النخب السياسية والثقافية والاجتماعية ستكون هي السبب الأول في ذلك، وعندها يجب أن نتحمل مسئولية غبائنا السياسي والاجتماعي والثقافي، وحدها يا رئيس الجمهورية ويا أحزاب ويا جماعات القرارات التي تحقق العدل والإنصاف وفقاً لمبادئ العدالة الانتقالية هي من ستحول بيننا وبين أي تدخلات خارجية وستقوينا من الداخل وتمنع الاحتراب، وستخرج اليمن إلى مشروع وطني لصالح كافة فئاته ومكوناته السياسية والاجتماعية ويدفع باليمن إلى الأمام. أما بقية قرارات مجلس الأمن التي تهدف لطي مرحلة نظام صالح واستعادة أموال الشعب المنهوبة فستكون عامل مساعد للنهوض باليمن واستعاده عافيته. مخرجات الحوار لو تحدثنا عن مخرجات الحوار الوطني هل هي ملبية لطموح الشارع اليمني شماله وجنوبه؟ مخرجات الحوار كإطار نظري تمثل عقداً اجتماعياً جديداً، سيفضي في حالة تنفيذها إلى مجتمع العدالة والبناء والتنمية، ولكن الرهان يظل على تحويلها لواقع، وهو ما سيحتاج لحكومة قوية متخصصة وذات كفاءة ورؤية تغييرية، وأيضاً ستحتاج إلى أحزاب تحول هذه المخرجات إلى برامج عمل تنافس بها، وقبل كل هذا يجب تحديد أولويات التنفيذ لمخرجات الحوار بناء على قراءة واقعية وليس عملية انتقائية. صعوبات ما هي الصعوبات التي واجهتكم كأعضاء في مؤتمر الحوار؟ أكثر صعوبة واجهتنا هي دخول كثير من الأعضاء مشحونين ومثقلين بصراعات الماضي وآثارها الأمر الذي كان ينعكس بشكل كبير على الأداء وطريقة التفاعل مع القضايا وأزمة الثقة السائدة بين مختلف المكونات. تقييم كذلك ما الذي لفت نظركم في هذا المؤتمر بمعنى كيف كان أداء السياسيين المعروفين وكذلك الشباب المغمورون وأيضاً مكون المرأة؟ ما لفت نظري أنه كان هناك حس وطني عال عند الجميع للوصول لحلول عادلة ومنطقية تنقذ اليمن، حتى الذين كانوا يريدون أن يتشددوا في بعض آرائهم ويمارسوا ضغوطاً وتصلبا في بعض المواقف، كانوا يعودون ويقدموا تنازلات تجعل الجميع يقترب من حالة التوافق، في المجمل طبعاً، مع بقاء بعض الحالات الاستثنائية. وأجمل ما لفت نظري أيضاً كيف استطاع الشباب الذين دخلوا بطاقة حماسية ثورية أن يستوعبوا إلى جانب طاقتهم ذلك البعد السياسي لحوارات المؤتمر حيث قدموا رؤى سياسية ومواقف تنتصر لسياسة ما بعد الثورة، وليس لسياسة المصالح التي تعودت عليها بعض الأحزاب، وهو ما مارسته المرأة أيضاً كمكون أثبتت من خلاله أنها كانت خط التوازن ومرجحة لكفة السلام والبناء بمواقف قوية وشجاعة. أقاليم بالنسبة لتقسيم اليمن إلى أقاليم كيف تنظرين إلى هذا التقسيم وأيضاً تحول اليمن إلى هذا النظام الجديد خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب للبلد؟ أولاً هذا التقسيم هو تقسيم إداري جديد جاء كحاجة واقعية، بعد أن أثبتت المركزية الشديدة وأدواتها المدمرة فشلها في تحقيق العدالة لليمن، ومصيبة اليمنيين بدرجة أساسية هي الأدوات التي تستخدم علاقتها كمراكز قوى لتظل حاضرة ومسيطرة على المشهد السياسي وهو ما عانت منه اليمن سنين طويلة. إجراءات ضرورية للفيدرالية من وجهة نظركم هل اليمن قادرة على التحول إلى النظام الفيدرالي بسلاسة أو هناك صعوبات وتحديات أرجو ذكرها؟ اليمن لن تتحول إلى أقاليم بسلاسة إلا إذا بدأنا فوراً بإجراءات العدالة الانتقالية التي ستضمن لنا ابتعاد المعقين، والفاسدين مالياً وإدارياً، الرئيسين في عرقلة التحول، وأيضاً ستكشف حقيقة الثقافة التقليدية التي ستقاوم هذا التغيير، أيضاً ممكن أن تتعمق المعيقات في حالة تسلم إدارة الأقاليم شخصيات تربت على صراعات الأحزاب، ولا تمتلك كفاءة إدارية وتخصصية في مجال بناء الأقاليم. المصالحة الوطنية كيف يمكن تحقيق المصالحة الوطنية؟ المصالحة الوطنية في اليمن ممكن أن تتم باتفاق سياسي بعد أن تنهك القوى المتصارعة من الصراع، ولكنها لن تكون مصالحة حقيقية تؤسس لترك انتهاكات الماضي وضمان عدم عودتها، والضمان الوحيد لعدم عودة صراعات الماضي وانتهاكاتها هو الالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية من كشف حقائق ما جرى ومساءلة ومحاسبة المنتهكين، والاعتذار وجبر الضرر وإصلاح مؤسسات الدولة وأهم شيء خروج المنتهكين من المشهد السياسي والوظائف العليا في الدولة، هذه المبادئ هي من ستؤدي لمصالحة وطنية حقيقة تعيد الاتزان للمواطن اليمني، فلا يوجد قهر ودمار للإنسان كقهر الظلم والانتهاك. إسقاط المنظومة المتخلفة أيضا كيف يكمن إسقاط المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية المتخلفة خاصة أن الفساد أيضا أصبح ثقافة؟ ستسقط المنظومة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي شرعنت للاستبداد الثقافي والاجتماعي والسياسي بتنفيذ مخرجات الحوار بحيث تصبح استراتيجية دولة وبرامج أحزاب وسلوك أفراد، وهذا يعني مواجهة مع من سيعرقل هذا التنفيذ لأنها تتضارب مع مصالحه التي اكتسبها عبر هذه المنظومة وهم لصوص هذا البلد وناهبوه. أهداف الثورة الشبابية من وجهة نظركم ما الذي تحقق من أهداف الثورة الشبابية وما الذي تبقى؟ طبعاً نحن بالحوار الوطني أسسنا لثقافة جديدة وأسس سياسية واجتماعية في حالة تطبيقها سنحقق هدف إسقاط المنظومة التي حكمت اليمن، وسنستطيع العبور باليمن، ولكننا ندرك أن المقاومة ستكون شديدة في الواقع لأن إسقاط الأفكار والثقافات الفاسدة يكون أحياناً أخطر وأكثر مقاومة من إسقاط الأفراد. تمرد ما سبب تمرد الدكتورة ألفت على حزب الإصلاح كما نلاحظ خاصة أنك تؤيدين الحوثيين في كثير من المواقف؟ أنا لست متمردة على حزب الإصلاح، أنا أحترم هذا الحزب ونضاله في ثورة الشباب، لكني أنطلق في تقييمي للأحداث ومواقفي انطلاقاً من تخصصي في علم الاجتماع وقراءة الأحداث بعد ثورة شعبية تحتاج إلى أن نحلل الواقع بناء على عدة معطيات ومتغيرات هي من تجعلنا على ضوء ذلك نحكم على الظواهر، وكون الإصلاح يسمح بهذا التنوع بين أعضائه فهذا دليل صحة وليس مرضاً. أما قولك إني أؤيد الحوثي فأقول لك إن مصيبة هذا البلد تكمن في تزييف الوعي والنظرة السطحية للأمور والتحيزات التي ما زالت موجودة كنتيجة لصراعات الماضي، وهي نفس التحيزات التي لعب على وترها صالح وسياسة هذا مؤتمري وهذا إصلاحي وهذا اشتراكي وهذا حوثي وهذا ....الخ وعقلية الإقصاء والحس الأمني والشك وتصنيف الأشخاص والحكم على مواقفهم من مجرد رأي في موقف ما، وتنميط الناس بعيداً عن تحليلات السلوك وجذوره الرئيسية والعوامل المتسببة بالصراع من جميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما لا نريده أن يتكرر في الدولة التي نريدها بعد ثورة، وإعادة هذه المنظومة من التقييمات بسبب التركيز على نتائج صراعات الماضي، أما أنا فمنهجي في التقييم يرتكز على سد بؤر الصراع التي كانت متسبباً رئيسيا فيما وصلنا إليه. أما مسألة أني أؤيد الحوثي فلا صحة له لأني أكتب أيضاً عن رفض لمواقف أخرى للحوثي، كما أؤيد أو أرفض مواقف كل الأحزاب بلا استثناء، فأنا أركز على السلوك وأبعاده الرئيسية في أي حزب كان وفي أي اتجاه كان وتحليله وفقاً لعدة متغيرات وليس متغير واحداً كما يركز عليه الكثير، ولأني أدرك تماماً أن ثورتنا لن تحقق أهدافها إذا ظللنا نفكر بنفس الأدوات التي أنتجت مشاكل الماضي، والتي من أهمها الحزبية البعيدة عن النظرة العلمية والقائمة على التعصب وإقصاء الآخر والتي هي أحد مشكلات هذا البلد الرئيسية. زهرة اليمن