قراءة بين سطور يافا أم الغريب للكاتبة أسماء أبو عياش على شاطيء ذلك الكتاب الكبير بحجم بحر يافا ذرفت دمعة على اقتلاعي من هناك .. أنا التي ولدت بعد الاقتلاع بإحدى و أربعين سنة شعرت بألم الاقتلاع بعدما عايشت ذكريات من عاشوا في ذلك المكان الذي تخطى حدود الأمكنة و الأزمنة أنا التي اقتلع جدها من أرضه في الرملة عشت طيلة صفحات الكتاب في يافا .. أليست أم الغريب ؟؟ لكنني لست الغريب .. كلما قرأت كتابا يتحدث عن ذكريات من عاشوا هناك تقمصت تلك الشخصيات و أدخلت نفسي عنوة في ذلك المكان .. عشت ذاكرة نسجتها من ذاكرة اولئك الناس .. لعبت على شاطيء البحر .. بنيت بيتا من الرمل .. قطفت ياسمينة من ياسمينك يافا .. زرت العجمي .. سينما الفاروق .. سينما الحمراء جامع حسن بيك .. أبو كبير .. سلمة .. الجبلية .. كنيسة القلعة .. جامع النزهة .. و جلست على مقاعد الدراسة في مدرسة الزهراء .. ذهبت الى تل الريش .. المستشفى الفرنساوي .. كنيسة الخضر .. كلية يافا الأرثوذكسية .. و مسحت على جبين المنشية التي لم تعد هناك.. ( بابا ما في مكان في يافا اسمه المنشية ..!! ) كم هو مؤلم أن لا تجد ذلك المكان الذي لاطمت امواج البحر فيه قدماك يوما و لامس عبق الفل و الياسمين و زهر الليمون ممتزجا برائحة البحر انفاسك هناك .. هناك لا تتنفس الأوكسيجين كباقي البشر .. هناك تتنفس بحرا ياسمينا و أكثر .. أسماء أبو عياش جعلتنا نعيش مع ذلك الرجل الذي اشترى ب 50 جنيها من أصل 150 كانت معه مذياعا و رفض بشدة أن يشتري أرضا .. اشترى مذياعا ليستمع اليهم عندما يذيعون خبر العودة ..! رفض ان يشتري ارضا او بيتا فأرضه و بيته هناك في يافا .. أسماء أطلعتنا على رحلة شهلا الكيالي إلى يافا التي تدور حول الشمس .. شهلا التي وجدت على شاطيء طفولتها قطعة من فئة 20 مليم و التي علقتها في سلسلتها الذهبية لتتزين بها أسماء أخذتنا لنشاهد ذلك المشهد المؤلم لخروج عائلة تمام الأكحل ليلا .. مشيا في حواري يافا القديمة .. و عادت بنا مع تمام بعد سنين عجاف لترى بيتها يزخر بأعمال فنية لم تكن اعمالها بل كانت لتلك الفنانة التشكيلية التي احتلت بيتها .. ذلك المشهد لسفينة تبتعد في البحر و يافا تحترق .. مشهد كان فيه اسماعيل شموط عائدا إلى اللد بعد 49 سنة فما كان منه الا ان بكى و صرخ و هو يمشي في شوارعها .. و مشهد لوالد الفرد طوباسي و الذي حاول جاهدا ان يقاوم خوفه من العودة الى يافا خشية أن يراها قد تبدلت فآثر الرجوع بعد الوصول إلى باب الواد مفضلا أن تبقى يافا في ذاكرته كما عهدها .. و كم كان مؤلما أن تعيش أسماء مشهدا مشابها لمشهد الرحيل عن يافا الذي لم تعشه لكن كان رحيلا عن بيروت هذه المرة .. سأبقى أضيف مخزونا لذاكرتي في ذلك الوطن .. تلك الذاكرة التي لم أعشها و إنما أقتبسها من ذكرياتهم .. أولئك أبناء البحر .. .شكرا أسماء أبو عياش Asmana Naser.. و الشكر موصول للأستاذ ماجد أبو غوش الذي أتاح لي قراءة الكتاب دعاء غوراني دنيا الوطن