اليمن دولة بحرية بامتياز, فرغم أن مساحتها لا تصل إلى 600 ألف كم فإن لديها شريطا ساحليا بطول 2200 كم يحيط بها من الغرب والجنوب, وأنشئت عشرات المدن الساحلية على امتداده, لكن عدن المطلة على بحر العرب (المتصل بالمحيط الهندي) جنوبا, والحديدة الواقعة على البحر الأحمر غربا هما أهم موانئ اليمن, وأكثرها شهرة. ولكن ومع إعلان الحكومة اليمنية أن عدن ستشهد نقلة اقتصادية نوعية في 2008 بمجرد توقيع إرساء مناقصة إدارة ميناء عدن على شركة وموانئ دبي العالمية، إلا أن ذلك لم يحدث. وعوضا عن ذلك، كانت النتائج عكسية تماما, حيث أظهرت إحصائيات نشاط ميناء عدن تراجعاً مخيفاً في أدائه، فبينما استقبل الميناء نحو 500 ألف حاوية خلال العام الذي سبق تشغيل دبي العالمية للميناء (2007)، تناقصت هذه الكميات عاماً بعد آخر حتى وصلت إلى 130 ألف حاوية فقط خلال عام 2011م, ليصعد إلى 212 ألف حاوية في 2012، بينما توقف عمل خطوط ال«BIL» التي كانت تعمل في الميناء منذ 25 عاماً كخطوط ترانزيت للسفن التي تتوقف للتزود بالوقود. ولكن مؤخرا، قبل أقل من نصف عام (سبتمبر2013), وبعد جهود تفاوضية بين الحكومة اليمنية وشركة موانئ دبي, عادت عدن (الميناء) بمنطقتها الحرة إلى إدارة السلطات اليمنية بعد 4 أعوام من إدارة موانئ دبي العالمية. خلال العقدين الأخيرين تعرضت عدن لسلسلة من الصفقات الغامضة لإدارته كميناء من قبل مشغلين دوليين, وبعد أن خسرت الخزينة اليمنية 200 مليون دولار كتعويضات للشركة السنغافورية التي شغلته لسنوات, عقدت في العام 2008 صفقة مشبوهة أخرى بعد طول جدل وتفاوض مع الشركات الدولية التي تقدمت لتشغيله, وقدمت عروضا متفاوتة جعلت التصفيات الأخيرة تنافسية بين شركة كويتية - يمنية, وبين مؤسسة موانئ دبي العالمية التي تدير قرابة 43 ميناء حول العالم, لترسو عليها المناقصة بطريقة لا تزال محل جدل في الأوساط السياسية والاقتصادية اليمنية بمن فيهم أعضاء البرلمان ووزراء في الحكومات المتعاقبة, حتى بعد تنازل موانئ دبي عن ميناء عدن رسميا للجانب اليمني في 20 سبتمبر 2013 مقابل 35 مليون دولار دفعتها الحكومة اليمنية, حيث كانت الشروط مجحفة, والعروض أقل مما عرضته شركات أخرى كالشركة الكويتية. لم تكن دبي قد ظهرت على خريطة موانئ العالم بأي حجم حينما كانت ميناء عدن تحتل المرتبة الثالثة عالميا (بعد نيويورك, وليفربول) خلال فترة الاستعمار البريطاني, لكن دبي نجحت منذ نوفمبر 2008 في احتكار إدارة أهم الموانئ المنافسة لها على الإطلاق, إن أديرت بشكل ممتاز, وأصبحت عدن في قبضة دبي, التي لا يمكن لليمنيين تصور أن تديرها وتؤهلها لتصبح منافسها, إن تحولت اليمن إلى دولة مستقرة في المنطقة, فهي أقرب لخطوط الملاحة الدولية, وتنعم بعمق طبيعي كاف لاستقبال السفن العملاقة. وتم ذلك رغم تقدم منافسين لدبي بعروض أفضل, لتتناقل وسائل الإعلام حينها أن صفقة غامضة قد أدارها رجال السلطة الكبار حينها وحصلوا بمقابل الصفقة على امتيازات مالية شخصية. وهو أمر أكده أحد المسئولين اليمنيين الكبار الذي كان أحد المفاوضين من جهة الحكومة اليمنية مع شركة موانئ دبي، ل«المونتر» بالقول نعم لم تكن دبي ستحصل على الصفقة إن مرت الأمور بطريقة شفافة، ولكن ضغوطات عليا حينها أجبرتنا على إقصاء شركات أخرى بعروض أفضل, وإن كان لا يمكن الجزم بذلك لعدم وجود وثائق مساندة, إلا أن طريقة تمرير الصفقة, وطريقة إدارة الميناء خلال 4 أعوام (حتى سبتمبر2013) لا توحي بأن تلك الصفقة مرت بشكل قانوني, كما عكست على الأقل أن موانئ دبي لم تلتزم بالاتفاقية الموقعة مع اليمن لإدارة الميناء بدليل انهيار مستوى التداولات في الميناء إلى أقل من النصف مما كان عليه قبل تسليمه لها, وبعكس ما حدث مع ميناء جيبوتي الذي تديره موانئ دبي أيضا, حيث تطور ونمت مداولاته السنوية, وهو بطبيعة الجغرافيا منافس هام لعدن لكنه ليس كذلك بالنسبة لدبي. وزير النقل اليمني الحالي واعد باذيب (وهو من أبناء عدن) أكد في تصريح للصحافة اليمنية أن موانئ دبي مارست دوراً سلبياً في ميناء عدن بأن أهملت صيانة المعدات ولم تنفذ مرحلة التطوير المتفق عليها مما أدى إلى تدهور الأداء, بل بدلا من أن تستقطب خطوطا ملاحية جديدة خسرت الميناء الخط الملاحي الأهم الذي كان يمثل حوالي 98% من حركة حاويات إعادة الشحن. ما بعد إدارة موانئ دبي؟ خرجت الحكومة اليمنية كما تقول بأقل الخسائر بإنهاء اتفاقية إدارة ميناء عدن مع موانئ دبي, لكن عدن لم تزل تلك الجوهرة التي هجرها الجواهرجي المحترف (بريطانيا) منذ نصف قرن, لتنتقل بعده بين أيادي الفحامين والسماسرة, وخلال 5 أشهر لم تزل النقاشات المحلية جارية حول مصير الميناء بعد عروض صينية لتشغيله, بما تحظى به الشركات الصينية في اليمن من ثقة وسمعة طيبة لدى العامة, لكن صحفا محلية كشفت عن وجود شركات قطرية وأمريكية وبريطانية تبذل, عبر مراكز قوى وأطراف سياسية يمنية نافذة, مساع حثيثة للحصول على ميناء عدن بالشراكة من الباطن مع مراكز قوى سياسية بصنعاء. وعلى أية حال، فهو حتى الآن لا يزال في وضع النائم ولم يتم استثماره بشكل فعال حتى بعد خروج شركة موانئ دبي. ليس الفساد وحده هو عدو الموانئ في اليمن، وإنما القرصنة أيضا. ذلك أن ازدياد حركة القراصنة في البحر وارتفاع حوادث الاختطاف لناقلات النفط، بدورهم أضروا بسمعة الميناء وبالحدود البحرية اليمنية خلال الأعوام الماضية. موانئ البحر الأحمر لم تخضع موانئ البحر الأحمر اليمنية وأبرزها الحديدةوالمخا لِما خضعت له عدن من تدمير وفساد محلي وإقليمي. كما أن الحديدة استفادت على صعيد المنافسة المحلية من الاضطرابات التي عاشتها عدن منذ اندلاع الحراك الجنوبي في العام 2007, وعمل تجار الشمال بشكل خاص على تحويل بضائعهم إلى الحديدة, لتستحوذ على 70% من واردات اليمن كمنفذ رئيس للاستيراد, ولكنه ليس مناسبا كترنزيت كما هو حال عدن. من جانب آخر استمرت المخا (التي عرفت تاريخيا بميناء البن القادم من اليمن) كمركز رئيسي للتهريب إلى اليمن, فالأسلحة والمخدرات, والبضائع المهربة بأنواعها إن لم تصل إلى المخا (الميناء) فهي تدخل من محيطها الواسع الأقل حماية ومراقبة, والأكثر اتساعا, كما أنها تمد الساحل الغربي للبحر الأحمر بدورها بالوقود اليمني المهرب نتيجة انخفاض سعر شرائه كسلعة مدعومة محليا, وبيعه هناك بالأسعار الدولية من قبل شبكات واسعة محلية ودولية للتهريب لا يزال نفوذها قائما حتى اليوم. بين سنديان الفساد ومطرقة القرصنة والواقع الأمني، تعيش الموانئ اليمنية أسوأ أيامها بعد أن كانت قديماً مصدر النقود والمال وموانئ السفر البعيد. * نقلًا عن موقع «ALMONITOR». عن صحيفة "الأمناء" الصادرة اليوم الخميس العدد 262 تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية : أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال. أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء. أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم. أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية. لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية. ل "الأمناء نت" الحق في استخدام التعليقات المنشورة على الموقع و في الطبعة الورقية ". الامناء نت