* يبدو أن استقرار الأوطان بات يعرف من جنوبها! فإن هي كانت مستقرة استقر الوطن كله، والعكس صحيح. وفي ذلك إليكم ما يلي: جنوبلبنان لم يهدأ جنوبلبنان منذ أعوام، ثم كان ما كان، وتكوّن جيش لبنانالجنوبي، أو ما يُسمَّى بجيش "لحْد"، وهو ميليشيات مسلحة دعمتها بل شكلتها إسرائيل من أبناء القرى الجنوبية، والوحدات المنشقّة عن الجيش اللبناني، كان ذلك عام 1976م وبعدها بعامين؛ ومع الاجتياح الإسرائيلي توسّعت سيطرة هذا التشكيل، وبدأ في الاعتداء على كل التنظيمات المعادية لإسرائيل. ثم كان ما كان، وتكوّن "حزب الله" مُتزعماً حركة المقاومة الإسلامية، ومُجبراً الجيش الإسرائيلي على الانسحاب من جنوبلبنان، ومُحقِّقاً انتصارات عديدة وإنجازات كبيرة؛ قبل أن يصيبه الغرور، وقبل أن تختلط الأمور، وقبل أن يضيع مفهوم المقاومة، ويظل الجنوب موجوعًا! جنوب السودان بدأ الوجع في جنوب السودان مبكراً جداً، واستمر قروناً طويلة حرصت فيها الدول الاستعمارية المتوالية على تعميق الخلافات الدينية واللغوية والعرقية. وبعد جلاء بريطانيا وانفصال السودان عن مصر، ظهرت نزعات وشعارات انفصال الجنوب قبل أن تتبلور عام 1955م بتمرد أعضاء الفرقة الجنوبية من الجيش السوداني ضد الشمال! ثم كان ما كان، وتواصل فشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الملف الجنوبي، بدءًا من الرئيس النميري، نهاية بالرئيس البشير، قبل أن يتم بتر الجنوب كله بدلاً من معالجته، مُكوِّناً دولته الجديدة التي يتنازع عليها الآن رياك مشار وسلفاكير! جنوباليمن مع اختلاف التاريخ والجغرافيا واللغة، وكل عوامل الانصهار لا الانفصال، نجح الإنجليز مبكراً في عزل عدن عن موجة القومية العربية في ذلك الوقت! ومع اختلاط الأمور وغياب الرؤية؛ ظهرت جبهة تحرير جنوباليمن المحتل في الستينيات من القرن الماضي. انفصل الجنوب عن الشمال، ثم عاد مرة أخرى بعد سلسلة من الحروب والاغتيالات، ورغم استتباب الأمور لسنوات، عادت حمى الانفصال من جديد، لتصيب الجسد اليمني كله، مُحدثة نتوءات وتصدّعات وأورامًا أكثر من أن تُعَدّ! ومع اختلاط الأمور أكثر وأكثر، عرفت "القاعدة" طريقها إلى اليمن؛ لتزداد الحالة اليمنية سوءاً، وتجددت دعوات الاستئصال، وليس الانفصال فقط. جنوبالعراق منذ عام 1991م بدأت العمليات في الجنوب على يد عناصر "فيلق بدر"؛ التابع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق.. ثم ظهر إقليم جنوبالعراق الفيدرالي؛ قبل أن يظهر تسميات أخرى مثل اتحاد جنوبالعراق، ودولة العراقالجنوبية، لتنقل العدوى للموصل، فتظهر ولاية الموصل الجنوبية، وغيرها من مسميات، والحاصل أن سنوات من النسيان والقهر عملت عملها في جنوبالعراق وما تزال، قبل أن يظهر "داعش" وإخوانه أو وأخواته، وقبل أن تتكوّن الجيوش الجنوبية والميليشيات الجنوبية، ويختلط الحابل بالنابل، ويزداد نزيف العراق بحجة التصدي للإرهاب! جنوبالجزائر أصبح الخبر شبه الثابت في نشرات الجزائر الإخبارية يقول: "قتل أشخاص في تفجيرات دامية بالجنوب"! مَن فجّرها، بل مَن فجّر الجنوبالجزائري كله، وجعله وجعًا دائماً هناك؟! أسهل التبريرات أو الإجابات تقول: إنها الخلافات المذهبية بين العرب "المالكيين" والأمازيغ "بني ميزاب"! غير أن الحقيقة تقول: إنه النسيان والإهمال اللذان جعلا سكان الجنوب يشعرون أنهم جزائريون من الدرجة الثانية! هكذا وبدلاً من أن يتحوّل جنوبالجزائر إلى مصدر سياحي اقتصادي يساهم في زيادة الدخل القومي، تحوّل إلى مرتع للمغضوب عليهم من الضالّين والفارّين! جنوب ليبيا قبل أيام قليلة قال مسؤول فرنسي كبير: إنه يستبعد التدخل الغربي العسكري في جنوب ليبيا لمكافحة الإرهاب، وهو الطلب الذي تقدّمت به النيجر! ويبقى السؤال: مَن فَجّر الجنوب الليبي وجعله متّهما بالإرهاب؟! هل هو القذافي، أم الذين أطاحوا بالقذافي، أم كلاهما معًا؟! ترسل السلطة الحالية قواتها النظامية مزوّدة بالأسلحة، ويؤكد أنصار القذافي أنهم يسيطرون على الموقف.. وعندما تطالب الأصوات العاقلة بإيجاد حلول شاملة، يسارع مسؤول غربي قائلاً:" أنا أُفضِّل عملية دولية لمواجهة الإرهاب في جنوب ليبيا"!! وبالمصادفة فإن جنوب ليبيا غني بالثروات، شأنه في ذلك شأن جنوبالعراقوجنوبالجزائر، وكل الجنائب العربية الموجوعة!! جنوبالسنغال رغم استقرار السنغال المسلم، ورغم تقديمه نموذجًا فريدًا في تبادل السلطة، والتمسك بقيم العدالة والديمقراطية، ورغم تخطّيه الكثير من الصعاب الاقتصادية والاجتماعية، ما زال هناك وجع في الجنوب لم يتم علاجه على الوجه الصحيح! ومنذ أيام رفض "سيزار توتي باديات" -زعيم حركة كازان الجنوبية- كل اقتراحات الحل التي قدمها الرئيس "ماكي سال"؛ معتبراً إيّاها "خدعة تستهدف الالتفاف على الحركة"! ورغم اتهام السنغال لكل من جامبيا وغينيا بيساو؛ وبدعم المتمردين الجنوبيين في كازان، ورغم وجاهة أو منطقية الاتهام، يظل السبب الرئيس في وجع الجنوب هو فشل الحكومات المتعاقبة في لمِّ الشمل، وإعمال الحوار الحقيقي، وانطلاق قطار التنمية إلى هناك! [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain صحيفة المدينة