ضئيلة إلى درجة أنها لا مرئية، هي الحدود التي تفصل بين الأنماط الفنية التشكيلية من وجهة نظر الفنان الإماراتي الحائز جائزة الدولة التقديرية عبدالرحيم سالم، خصوصاً عندما تكون تلك الحدود مقصوداً بها العلاقة بين الرسم والنحت، لكن سالم يرى أن الإبداع بالفرشاة يمنحه مساحة أوسع للبوح من تلك التي يحصره في إطارها النحت. لم أتوقف لا يقر الفنان الإماراتي عبدالرحيم سالم بأهمية وجود الفنان في قلب ساحة الإبداع بناء على كمّ المعارض الشخصية خصوصاً، وهو الاتجاه الذي يعضده حقيقة أن سالم يعد واحداً من أكثر الفنانين اقتصاداً في إطلاق معارض شخصية. وبعد نحو ثلاث سنوات من أحدث معارضه الشخصية التي استضاف أعماله فيها حينها مؤسسة العويس الثقافية، عاد سالم بمعرض شخصي، قال إنه يهدف من خلاله إلى استشراف ما استجد في مساره الشخصي من خلال انطباعات روّاده. المعرض الشخصي بالنسبة لسالم ليس رقماً يضاف إلى السيرة الذاتية للفنان، وخيار التواجد في معرض جماعي مشترك كان اتجاهه خلال الفترات التي توسطت تواقيت معارضه الشخصية القليلة عدداً، إذ يرى سالم أن «الصالات الفنية الخاصة رغم أن الكثير من منظميها وضع نصب عينه أهدافاً تجارية بحتة، فإن بعضها الآخر لعب دوراً مهماً في إثراء الحركة الفنية في الإمارات عموماً، وفي دبي بصفة خاصة». المعرض الأخير لسالم الذي استضافته ندوة الثقافة والعلوم بدبي مثّل مناسبة مختلفة لا يراها ذاتية، رغم أنها تحيل مباشرة إلى عيد ميلاده ال59، بقدر ما يربطها بتلك السنوات التي قضاها باحثاً عن «مهيرة»، وهو الإطار الفلسفي الذي أبدع عبره مئات الأعمال في رحاب امرأة فاتنة قادته إلى العديد من الخيالات، بعد أن أخرجها من فضاء الأسطورة الشعبية إلى فضاء آخر في أعماله. هل مهيرة التي تبدو حاضرة بنسب متفاوتة في الكثير من النتاجات التشكيلية لسالم امرأة حقيقية، أم أنها محض خيال فني؟ سؤال من الأسئلة التي لن يتوقف أمامها المبدع الإماراتي، لأنه مشغول حسب ما تحيل إليه لوحاته بما هو أبعد عن الغوص الذاتي من خلال مشروع يلحّ على التجريب، ومحاولة اكتشاف إمكانات المادة اللونية والخامات، خصوصاً الأبيض والأسود، وما بينهما من تدرجات لونية. تجربة البناء والهدم، وإعادة بناء اللوحة، من التقاليد الفنية التي يلتزم بها سالم رغم تأكيده أن «اللوحة هي محور إبداعي متكامل في حد ذاتها»، إلا أن هذا المحور يبقى منسجماً مع سواه، لمصلحة الرؤية الفنية لسالم المحرضة دوماً على التجريب. ويضيف سالم «لكل عمل حساسية خاصة ومنفصلة، لكن في المقابل يبقى هناك خط واحد يجمع الأعمال على تنوعها، وهو الحركة واللون والانسجام الذي يحيل في كثير من الأحيان إلى فضاء تتجانس موجوداته. الجمع بين الإبداع باللون من جهة، والنحت من جهة أخرى، ليس ما يفسر بشكل آلي تأثر أعمال سالم بتقاليد النحت»، مضيفاً «لا أسعى إلى خلع قيم فن النحت على التشكيل بالفرشاة، وأعرف المساحات المعتبرة بين عوالم الفرشاة وعوالم النحت من جهة أخرى، لكن ما يحدث بالنسبة لتجربتي أن ليس كل الخيالات يمكن أن تطوع بسهولة من خلال أدوات النحت، او بالأحرى تبقى بحاجة إلى معطيات قد لا تكون متوافرة دوماً من أجل استيعابها، في حدود الزمان والمكان الخاصين، لذلك تتخلق اللوحات وهي متشربة بمراحل تخلق المنحوتة، في مخيلة فنان، قد يكون اختار في اللحظة الأخيرة أن يكون مشروعه عبر الفرشاة والألوان». وفي ما يتعلق بتوجيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بتحويل محطات مترو دبي إلى متاحف فنية تستوعب أعمالاً فنية، توقع سالم أن يمثل القرار نقلة مهمة في حضور الفن التشكيلي خصوصاً في المجتمع، مضيفاً أن نتاج هذه الخطوة سيكون «ثورة» حقيقية في علاقة الجمهور بالفنون البصرية، فهو ليس قراراً عادياً، وإنما هو إشارة لمنعرج هو الأهم في علاقة الحمهور بالنتاج الفني، ومن شأنه أن يعكس الحالة الإيجابية التي أصبح عليها الفنان الإماراتي والمقيم. وأعرب سالم عن طموحه في أن يكون مشاركاً ببعض أعماله في هذا المشروع الحضاري. وقال «لا أستطيع أن أعايش مشاعر الفنان الإماراتي حينما يرى أعماله في خضم أكبر عدد ممكن من الرواد والزوار، أتمنى أن أعايش تلك التجربة المبهرة». وتابع «هذه الخطوة من شأنها أن تضع الفن في قلب الحياة اليومية للمجتمع، وصولاً إلى نهضة محلية وعربية في رحابه، توازي ما حققته دبي في المجالين الاقتصادي والعمراني». واقترح سالم حضوراً قوياً في الأعمال المنتخبة بصفة خاصة للفنان المحلي والمقيم، كي تكون بمثابة انطباع حقيقي لازدهار الفن المحلي. ولد عبدالرحيم سالم في دبي عام 1955، وحصل على بكالوريوس فنون جميلة بالقاهرة عام 1981، تخصص نحت. فاز بالجائزة الأولى في بينالي القاهرة عام 1992، وبالجائزة الأولى في بينالي الشارقة عام 1993، وبالجائزة الأولى في المعرض الدولي في دبي عام 1994، وقبل أن يفوز بالدانة الذهبية في الكويت عام 1999، كما أنه شارك في الدورة الأولى لملتقى نحت دبي الذي استضافته ندوة الثقافة والعلوم العام الماضي. أقام سالم معارض شخصية عدة في العديد من المدن، وشارك في معارض فنية متعددة داخل الإمارات وخارجها، وكانت أعماله بمثابة سفير حاضر بتميز للفن الإماراتي في العديد من المحافل الدولية. الامارات اليوم