مقالات ليبيا ومخاطر الخيارات ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 13/04/2014 من كان يظن أن البديل لنظام القذافي الاستبدادي بكل جنونه وتجاوزاته السياسية والاقتصادية، سيكون الفوضى العارمة التي تجتاح الواقع الليبي في الوقت الراهن، فقد انفرط عقد الدولة، وربما تصبح في القريب- لا قدر الله- دويلات، خاصة بعدما نجح إقليم برقة في شرق ليبيا في تصدير أول ناقلة نفط بعيداً عن إشراف الحكومة المركزية في طرابلس، والتي بدت عاجزة عن إدارة شؤون البلاد، وغير قادرة على بسط الأمن في مختلف المناطق الليبية . ويؤخذ عليها بالتالي أنها لم تستطع بسط نفوذها على أبرز المرافئ النفطية التي سيطر عليها الانفصاليون في الشرق، بالرغم من الإعلان عن الاتفاق مع الحكومة يوم الثلاثاء الماضي والذي يقضي بفتح عدد من المنشآت النفطية، في حين دعت حركة "تمرد" بتنفيذ عصيان مدني شامل في كافة المدن الليبية . بعيداً عن الدخول في المماحكات الداخلية في ليبيا، فمن الضروري القول إن أحداً، ومهما أوتي من قوة وحنكة سياسية، لن يكون بمقدوره معالجة الأوضاع المزرية في ليبيا بين عشية وضحاها، فالواقع الليبي يمثل كارثة حقيقية، فمع سقوط نظام القذافي، سقطت الدولة الليبية بكل ما فيها من مؤسسات وأجهزة، كما أن الجيش الذي يعتبر عماد النظام في أية دولة، لا وجود له في ليبيا، فلم يهتم النظام البائد بهذا الأمر، بل اعتمد على ما يسمى "اللجان الشعبية"؛ باعتبار أن ليبيا كانت في حالة ثورية دائمة، وعندما حدثت الثورة على ذلك النظام عام ،2011 سرعان ما تراجعت اللجان الشعبية أمام العناصر الثورية المتلهفة للحرية، وأدى ذلك إلى انفراط عقدها، وبلوغ الثوار العاصمة طرابلس بعد مسيرة شاقة من الدماء . لكن الثوار لم يكونوا يخضعون لقيادة واحدة ولا لولاء واحد، نظراً لغلبة الولاء للقبيلة في المجتمع الليبي، ما أدى إلى تشتت شملهم، فأعلنت مجموعات منهم إقليم برقة في الشرق إقليما فيدرالياً في شهر يونيو/ حزيران عام ،2013 وتم تشكيل حكومة محلية لإدارة شؤون الإقليم . أما الميليشيات الموجودة في طرابلس وما حولها، فقد ظلت في حالة صراع مع بعضها؛ بسبب انتماء غالبيتها إلى التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وكان إقليم فزان في الجنوب قد ظل على ولائه للنظام السابق، ولذلك لم يشترك في الحكم الجديد، وأعلن نفسه إقليماً فيدرالياً في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2013 من منطلق أن الفيدرالية تحفظ حقوق المواطنين فيه . وقد تضافرت هذه العوامل وسواها حتى جعلت من ليبيا دولة مهترئة، لا أمل في عودتها لُحمة واحدة كما كانت عليه في السابق . فمن المؤكد أن الفيدرالية هي مدخل لتفكيك ليبيا إلى دويلات متعددة، وليس لإنشاء دولة عصرية تهتم بتنمية كل المناطق فيها على سوية واحدة؛ إذ كيف يمكن فهم قيام حكومة إقليم برقة بتصدير النفط إلى الخارج، من دون العودة إلى حكومة طرابلس . ألا يُعدُّ ذلك استخفافاً بالحكومة المركزية، وعدم اعتراف بشرعيتها على ذلك الإقليم؟! إن الفيدرالية تعني الحكم الذاتي في الإقليم ولا تعني استقلال الإقليم عن الدولة، فمثلاً هل تستطيع ولاية أمريكية أن تتعاقد مع دول أجنبية بعيداً عن الحكومة المركزية في واشنطن؟ . قطعاً لا يجوز لها أن تفعل ذلك، أما في ليبيا حيث تم تفريغ الدولة من مضمونها، بحيث يكون التقسيم- الفيدرالية- هو الحلّ، كما سبق أن حصل في العراق، واليمن . ومن الإجحاف إلقاء المسؤولية عن كل ما يحدث على الحكومة وحدها، على الرغم من إقرارنا بأنها حكومة عاجزة، ولكن كيف ستعمل هذه الحكومة أو أية حكومة سواها في ظل أجواء الفوضى هذه؟! فلا قوانين مرعية، والجيش والشرطة انفرط عقدهما، والسلاح بمختلف أنواعه في حوزة القبائل والأفراد، وبقايا النظام السابق الموالين له لا يزالون يسيطرون على بعض المناطق، وخزائن الدولة تكاد تكون خاوية على عروشها - فلا مداخيل تأتي إلى الخزينة العامة سواء من ضرائب أو من خدمات أو من بيع نفط وثروات باطنية أخرى- حتى بلغ الأمر بعجز الحكومة عن دفع مرتبات الموظفين العاملين لديها . وفي ظل هذه الظروف الصعبة؛ فإن الحديث عن إمكانية إقامة دولة قوية- في المستقبل القريب- في ليبيا لن يعدو أن يكون أماني لا دليل عليها . ولا شك في أن الشعب الليبي عليه أن يدرك أن الفيدرالية ليست خياراً جيداً لمستقبله، فقد تكون هناك حساسيات داخلية حول شغل الوظائف والحصول على المزايا، لكن ذلك ليس مبرراً أبداً للتفكير في تحطيم وحدة ليبيا . فالمستقبل يزدهر بوجود دولة ليبية قوية تكون لكل أبنائها، وإذا لم يستوعب الشعب الليبي ما يحدث في بلاده، وإذا لم يسرع إلى الوقوف صفاً واحداً مع بعضه بعضاً، فإن ليبيا لن تكون أحسن حالاً من الصومال التي سقط النظام فيها عام ،1992 وكانت هناك أحلام كبيرة لدى الشعب الصومالي بالحرية والعيش الرغيد، لكن ما لبثت الغمة أن انقشعت، وظهرت النزعات الانفصالية، وتحولت الصومال إلى دولة للفوضى الدائمة حتى هذا اليوم . إن العالم لن يقدم لليبيا سوى الوعود والكلام المعسول، أما من يصنع المستقبل فهو الشعب الليبي نفسه، وعلى الدول العربية ممثلة في جامعتها أن تضطلع بمسؤوليتها تجاه الدول العربية المأزومة، ولا تترك الأمر للدول الغربية وحدها، صحيح أن الدول الغربية ساعدت هذا الشعب على الخلاص من النظام السابق، لكن تلك الدول كان لها مصلحة في إزالة ذلك النظام الذي كان على صراع معها في مراحل طويلة من حكمه . ولذلك فإنها عندما أسقطته، وأنجزت المهمة تركت ليبيا تعاني الفوضى . ورغم كل ما يحدث في هذه الدولة من فوضى، فإن أحداً من المسؤولين الغربيين لم يعلق بكلمة ولا بموقف، وكأن الأمر لا يعنيهم، مع أن ليبيا على حدود أوروبا الجنوبية، وهي يمكن أن تشكل بؤرة للإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود . وساعتها ستعض الدول الأوربية أصابعها من الندم . محمد خليفة [email protected] الخليج الامارتية