لن تنطفئ شمعة الشعر فهو طيب السمر وعطره والشعر شجرة تضرب جذورها في أعماق التاريخ تعمر قرنًا بعد قرن ويتجدد فصلًا بعد فصل. قديمًا كان المقهى والأسواق الشعبية هي قبلة هواة الفن والأدب في منطقة القنفذة حيث كانت تُكنى بهذا المسمى قبل نظام المحافظات ونظرًا لأهمية الشعر في ذلك الزمان استطاعوا أن يفتحوا نافذة تطل على عالمهم الحقيقي يستمدون منه أعمالهم ومصادر رزقهم وخاصة في الأسواق الشعبية ويشكل جزءًا من حياتهم وإبداعاتهم ومن هُنا جاءت شهرة المقاهي والأسواق الشعبية، المقاهي من ذلك الزمن البعيد إلى يومنا هذا لا نجادل في حقيقة إذا قلنا أن القهوة أو الشاي ماهُما سوى مكانان وجدا أصلا للاجتماع أو اللقاء ثم للتجارة والاستراحة. قهوة المغربي بمدينة القنفذة آنذاك من أشهر المقاهي تقع في الجهة الغربية من السوق الشعبي القديم وتستنشق نسمة البحر العليل وتناظر البحر لعدم وجود مبانٍ تحجب الشاطئ وهي ملتقى شعراء أيام زمان ومكان للسمر على ضوء القمر والكوكب الساري وشعراء السمر يصعب حصرهم ووصفهم وقصائدهم النابعة من الوجدان والإحساس المرهف.. لم يكونوا متعلمين ولا هناك «جوجل» للبحث عن قصائد وتركيبها وطعم قصائدهم وكثرة اتجاهاتها بأكثر من معنى لم تكن لهم نوادٍ ولا مكتبات يقتبسون منها ما يكمل شعرهم. يحرص الزائر للقنفذة على براد الشاهي أبوأربعة من قهوة المغربي على تناوله فهو طعم آخر ولحقنا هذا المقهى ونحن طلاب في أواخر الثمانيات الهجرية تحلو به وتطيب جلسة السمر.. الشعراء يتسامرون على ضوء القمر والفانوس الموجود في المقهى.. هذه القهوة أشبه بمقهى الفيشاوي في القاهرة فهي مقسمة إلى جلسات لهواة لعب الحجر (الضومنة) البعض شغوف ومولع بهذه اللعبة وينتظرون دورهم إلى وقت طويل وتصل بينهم خلافات كثيرة ولكن سرعان ما يخفت صوت حجر (الضومنة) بمجرد حضور الشعراء وتتجه القلوب إلى مركاز الشعراء لسماع أعذب القصائد وبعض من الُعُشاق يصور معاناته لأحد الشعراء لعله يخفف لوعته.. في ذلك الوقت لم يكن أجمل من سماع غناء أم كلثوم من راديو صوت العرب أو اللجوء إلى قهوة المغربي وحينها يصور الشاعر قصة هذا الملتاع في بدع ورد من شاعر آخر. محمد أحمد الناشري - القنفذة صحيفة المدينة