هواية قديمة يؤكد الشرجبي للجزيرة نت أن توثيق الأغنية هواية قديمة عاشت معه مختلف مراحل عمره، لكنها اليوم تتخذ طابعا مؤسسيا، يحتمه عشقه الباذخ للموسيقى، وضرورة حماية الأغنية اليمنية من الضياع، ومن الأيادي التي تمتد إليها بصورة لا تتفق وقوانين التبادل المعرفي الإنساني. وأشار إلى أنه وفريق العمل في بيته الموسيقي وثقوا لما يقارب من 46 ألف أغنية شملت أغاني التراث التقليدي، والأغاني الحديثة، وأغاني الثورة، وأغاني الزراعة، وأغاني الإنشاد الصوفي، وأغاني البحر والصيادين، وأغاني الأمهات، وأغاني العمل، وأغاني الأفراح، وأغاني البدو الرحل، مع مراعاة التنويعات اللحنية بين مختلف المناطق اليمنية. وقد شمل التوثيق -بحسب الشرجبي- اسم المؤلف والملحن والمغني والمقام الموسيقي (بيات، صبا.. إلخ)، ونوع الإيقاع (سريع أو وسط أو بطيء)، ثم زمن الإيقاع علميا، ثم اللون والمنطقة التي يعود إليها هذا اللون (صنعاني، حضرمي، تعزي..). كما تمَّ توثيق الآلات الموسيقية المستخدمة في الأغنية، وتاريخ تسجيل الأغنية ومكانه، ومصدر الحصول عليها، والفنانون الذين تتابعوا في أدائها، حيث تجاوز عدد الأغاني التي تكررت تحت هذا البند خمسة آلاف أغنية، ثمّ الأغاني التي بقيت ألحانها، وتغيرت كلماتها، والأسبقية في كل ذلك للأقدم. وينفي الشرجبي أي مبالغة في عدد الأغاني الموثقة، مؤكدا أن للمشروع بقية ربما تمتد لسنوات وأغان أكثر، نظرا لالتصاق الغناء بالإنسان اليمني في مختلف ظروفه وأحواله، مشيرا إلى أن فترة الحراك الثوري عام 2011 كانت من أخصب المراحل، حيث رشح عنها ما يزيد على خمسة آلاف أغنية في مختلف الساحات الثورية، وكلها شُملتْ توثيقا وتدوينا. ويؤكد الشرجبي أن الجهات الرسمية وقفت بعيدا عن هذا المشروع، وكأن الأمر لا يعنيها، داعيا إلى إلغاء وزارة الثقافة التي هادنت الحالة المتردية للمشهد الثقافي بكافة تفاصيله، وأصبحت عبئا على المثقف نفسه، بل عامل إحباط بامتياز لكل المشاريع الطموحة. الخطوة القادمة ويرى الشرجبي أن الخطوة القادمة لهذا العمل الجبار ستكون تقديمه في ملف متكامل للمنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية (الويبو)، وذلك بعد استكمال النواقص، وتدوين الأغاني نصوصا ونوتات موسيقية. غير أن المشروع في اتساع مخيف، يفوق إمكانات البيت وقدراته، فالتنوع الثقافي والشعبي في عموم الخارطة اليمنية انعكس تنوعا في هذا التراث غير المدون بشكل يفوق التوقعات، وجعلنا نشعر وكأننا في محيط زاخر، لا نقوى مفردين على الإلمام به.. لكننا أيضا لا ولن نقوى على التراجع عنه. ويختتم الشرجبي حديثه للجزيرة بالقول: إن نتائج هذا الجمع والتوثيق "ستعود بنفع على الأغنية اليمنية، حيث سنقدم من خلاله مرجعية تفصيلية لها، وسياجا يقيها شبح الاختطاف، مؤمنين حد اليقين أن الفن مشترك إنساني". وأشار إلى أنه لا مانع من إعادة تسجيل الأغاني اليمنية من قبل الفنانين العرب، ففي ذلك خدمة للأغنية اليمنية -كما يقول- لكن على أن يتم ذلك باحترام حقوق الملكية الفكرية، بالاستئذان أولا، وبنسبتها إلى تراثها الحقيقي ثانيا. وأشار في هذا السياق إلى الأغنية اليمنية الشهيرة "سرُّ حبي فيك غامض" التي غناها فنانون يمنيون كثيرون، ثم غناها الفنان اللبناني "راغب علامة" ونسبها إلى التراث الخليجي، ولأنّ البيت اليمني للموسيقى كان قد جمع كل التفاصيل عن هذه الأغنية، فقد تواصل مع الجهات المختصة داخل اليمن وخارجها، وأسفر ذلك عن اعتذار الفنان اللبناني، والاعتذار -بحسب الشرجبي- ثقافة نبيلة. عدن الغد