أوقفت إسرائيل مشاركتها في محادثات السلام مع السلطة الفلسطينية، بعد إبرام حركة فتح اتفاقاً للمصالحة، وإعادة وحدة الصف الفلسطيني مع حركة حماس في قطاع غزة، على الرغم من أنه كان من المفترض أن ترحب إسرائيل بهذه الخطوة، وتعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إبرام اتفاق سلام تاريخي ينهي الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، سرعان ما استنكرت الخطوة، واعتبرتها نهاية للطريق الدبلوماسي بين الجانبين، وقالت إنها لن تكون طرفاً في أي عملية سياسية تضم حركة حماس التي تعتبرها «منظمة إرهابية تريد تدمير إسرائيل». وفي الواقع فإن أي مشاركة فلسطينية في أي عملية سياسية وجهد دبلوماسي بحثاً عن السلام هي مثيرة للجدل والشكوك والتساؤلات حول قيمتها وأهميتها، لأن لحركة حماس وزنها الذي يؤهلها للمشاركة ضمن الجانب الفلسطيني، ومنذ نجاحها في الانتخابات التشريعية في 2006 لم يعد بإمكان السلطة الفلسطينية أو إسرائيل أو الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية تجاهل دورها كأحد العوامل السياسية واللاعبين المؤثرين في المنطقة. الحليف الأمين لإسرائيل منذ اتفاقات أوسلو في 1993 فإن هناك إشكالية بالنسبة للموقف الأميركي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومحاولات حله، وهي أن المسؤولين الأميركيين، بلا استثناء، لا يملّون ولا يكفّون عن ترديد أن الحكومة الأميركية ملتزمة التزاماً قاطعاً وأبدياً بان تظل الحليف الأمين لإسرائيل، والمدافع عن وجودها وأمنها، وفي الوقت ذاته يبخلون بأقل القليل من الثقة على الفلسطينيين، ويؤكدون لهم أنهم طرف وسيط ونزيه ومحايد في عملية السلام، لكنهم في واقع الأمر منحازون كل الانحياز للجانب الإسرائيلي. رسائل «حماس» بعثت حماس بأكثر من إشارة ورسالة لرغبتها الجادة والصادقة في التوصل إلى اتفاق طويل للهدنة مع إسرائيل، حينما تكون الأخيرة مستعدة جدياً للانسحاب كاملاً من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها 1967، واحترام سيادة الدولة الفلسطينية التي ستقام على هذه الأراضي، وكذلك احترام حقوق الشعب الفلسطيني. وتستغل حكومات إسرائيل بشكل سيئ فكرة تعهد حماس بتدمير إسرائيل لابتزاز الإسرائيليين، وتوظيف خوفهم لخدمة الأهداف الانتخابية للأحزاب والسياسيين في إسرائيل، ولإقناع الإسرائيليين بضرورة استمرار الصراع مع الفلسطينيين، ما جعل هذا التفكير وهذه الممارسات نهجاً إسرائيلياً رسمياً وفعلياً لتفضيل التوسع على السلام. وقبل أيام من إبرام الاتفاق الأخير للمصالحة بين حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» اشتكت إسرائيل من تحركات دبلوماسية وقانونية للسلطة الفلسطينية، جعلت فلسطين عضواً في 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، وهي خطوة أخرى كان ينبغي على إسرائيل النظر إليها بصورة إيجابية وكخطوة في الاتجاه الصحيح، إذا كانت ترغب بجدية وصدق في طي صفحة الصراع مع الفلسطينيين نهائياً، لأن من مصلحة إسرائيل أن تكون فلسطين عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي ومؤسساته ومعاهداته، غير أن إسرائيل كانت ترغب في أن يبقى الجانب الفلسطيني في حالة انتظار عبثية مفتوحة بلا نهاية، كما هي الحال في مسرحية «في انتظار غودو»، وأن ينتظر الفلسطينيون أن تتكرم عليهم إسرائيل بدولة تحدد هي شكلها وملامحها وحدودها من خلال محادثات السلام وخريطة الطريق المرتبطة بها، بغض النظر عما تستغرقه هذه المحادثات من وقت. ولإزالة أي شكوك من أمام أولويات حكومة نتنياهو، فإن هذه الحكومة أعلنت خلال تسعة أشهر من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مناقصات لبناء ما لا يقل عن 13 ألفاً و851 وحدة سكنية لإضافتها إلى المستوطنات القائمة، لاسيما في القدس الشرقية التي يريد الفلسطينيون أن تكون عاصمة لدولتهم، إضافة إلى أنها دمرت وهدمت 312 بيتاً للفلسطينيين، وصادرت المزيد من أراضيهم لضمها إلى المستوطنات، وهذه خطوات كلها غير قانونية، ومخالفة للقانون الدولي. وكان الإسرائيلي جدعون ليفي محقاً حين كتب يقول في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إنه حين تسمح الحكومة الإسرائيلية ببناء وحدة سكنية واحدة في أية مستوطنة أثناء المفاوضات، فإنها بذلك تبعث برسالة واضحة لا لبس فيها إلى الشعب الفلسطيني وقادته، مفادها بأنها ليس لديها أدني اهتمام بالتوصل إلى اتفاق جاد وحقيقي للسلام. وجاء استئناف المفاوضات في أغسطس الماضي بفعل مبادرة قوية وضاغطة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي مارس ضغطاً كبيراً على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والذي أكد بصورة درامية لافتة للغاية أن هذه المفاوضات تمثل الفرصة الأخيرة لإنقاذ العملية السياسية التي تقوم على حل الدولتين لإنهاء الصراع، وأنه لابد للطرفين من اتخاذ القرارات الشجاعة والمؤلمة لتسهيل التوصل إلى اتفاق. كما حذر كيري بقوة من أن إسرائيل تخاطر بتعريض نفسها للعزلة والمقاطعة دولياً إذا قاطعت المحادثات قبل التوصل إلى اتفاق، ليس هذا فحسب، بل نبه قبل أيام إلى إسرائيل قد تصبح دولة عنصرية إذا ما أصرت على رفض الحل السلمي، ورفضت الاستمرار في المفاوضات. ويبدو أن أحداً في الخارجية الأميركية لم ينبه كيري مسبقاً قبل الإدلاء بهذه الملاحظات إلى أن التوصل إلى اتفاق على أساس حل الدولتين قد مات وتم دفنه كخيار واقعي، وأن إسرائيل أقامت بالفعل نظاماً للفصل العنصري في الضفة الغربية منذ عقود، وهو ما دفع مسؤولين أميركيين إلى المسارعة إلى التفسير والشرح والتبرير لما قاله كيري، الذي لم يكتف الإسرائيليون والمؤيدون لهم في واشنطن باعتذاره وقوله إنه تم إخراج تصريحاته وملاحظاته عن سياقها. ومعروف أن الساسة الأميركيين يحرصون أشد الحرص على مراعاة كل ما تتحسس منه إسرائيل، وكل من يخرج عن هذا النهج يجد نفسه تحت نار الهجوم. وحتى في حال استئناف المفاوضات التي انتهى موعدها رسمياً في 29 أبريل الماضي فإن ذلك لا يعني المزيد من الأمل في التوصل إلى اتفاق، لأنه لم يستجد أي سبب يدفعنا للتعويل على العملية الدبلوماسية، بل إن ذلك سيوفر لإسرائيل المزيد من الوقت لمراجعة خططتها بشأن التوسع والاستيطان للاستمرار فيها إلى حد يجعل مجرد تصور قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بجوار إسرائيل ضرباً من الخيال. ريتشارد فولك - مقرر الأممالمتحدة السابق لحقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية الامارات اليوم