الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء خالد باراس: النظام الاتحادي أنجح أشكال الدولة للحفاظ على الوحدة اليمنية وتنفيذ مخرجات الحوار أساس التنمية
نشر في الجنوب ميديا يوم 22 - 05 - 2014


اللواء خالد باراس
من اليتم، إلى جيش البادية الحضرمية، إلى إخلاص العمل السياسي القومي العربي، إذ صار الشاب النحيل الجسد، والمتداعي الملامح من جور المعاناة أبرز أعضاء حركة القوميين العرب، وشاهداً حياً على الاستقلال ومسار المد الثوري الوحدوي بين تعز وصنعاء وعدن، وصولاً إلى مقاليد العمل الأمني ومدير أمن حضرموت في السبعينات، ليغلق ملفاً عالقاً بتهمة قيدت ضد مجهول باعترافه بأنه هو المجهول، والمسؤول الرئيسي في قضية تهريب منشورات وتعاميم من عدن إلى حضرموت للجبهة القومية في 64م أثناء احتدام معارك الكفاح المسلح ضد المستعمر..
إنه القيادي العسكري والسياسي القومي اللواء خالد أبو بكر با راس.. مثقفا وأديباً ومؤلفاً أيضاً.. وصاحب رؤية تنضح بالتجربة الحياتية فلا يبالغ في ما أنجز، ولا حجم عن الاعتراف بأخطائه فعنده من الشجاعة ما يكفي لأن يقرأ الماضي بحيادية وينظر إلى المستقبل بتفاؤل محاربٍ أدرك الكر، واستفاد من عثرات الفرّ ..
في حوار الذكريات سجلت صحيفة الثورة تفاصيل من زوايا مظلمة عن تاريخ المد الوحدوي المعاصر، ومستوى تنامي ضرورة الوحدة بعد أن استفحل الشتات بفعل السياسية الاستعمارية، والصراع اليمني اليمني، ولم يغفل الإشارات الدقيقة لبعض مشاريع الوحدة التي طرحت قبل الاستقلال، وعوامل تثبيط ركبها الوحدوي.
إلى الجزء الأول من هذا الحوار الذكرياتي..
- قبل الخوض في تفاصيل رؤاكم حول مُجْمَل الملفات اليمنية، ومسيرة كفاح اليمنيين لتحقيق وحدتهم الغالية.. طالعت في بعض الحوارات السابقة شيئاً من حياة اليتم، والمعاناة التي عاشها اللواء خالد باراس.. وما لفت انتباهي هو أنك حين تقدمت للتجنيد رُفضت بحجة نحول بنيتك الجسدية.. فهلاّ عدت بنا إلى العام 1956م حيث قصة رفض المستعمر لقبولك ضمن جيش البادية وظروف الحياة حينها؟
- بداية أحيّي صحيفة (الثورة) الغراء وأهنئ الشعب اليمني بمناسبة الذكرى ال (24) للوحدة المباركة.. وعودة إلى قصة التجنيد التي كانت أولى خطواتي في حياتي العسكرية والسياسية، أتذَكّر أن عُمْرِي كان في الرابعة عشرة، وكُنْتُ حينها في القرية، وحيداً، بعدما توفيت والدتي وأختي التي كانت تكبرني، أما والدي فقد توفي وأنا في بطن أمي.. هذه الحالة التي كنت أعيشها، وكانت ظروف الحياة قاسية جداً، فلجأت إلى أخي في المكلا، فاتفقنا أن ألتحق بجيش البادية الحضرمية، وكان ذلك في بداية أكتوبر (1956م).. وكنت نحيل الجسم. وشكلي العام والملبس يدل على أني في حالة سيئة، من سوء التغذية، وكان الجيش البريطاني قد شكل لجنة لتشكيل سرية جديدة مشاة من الشباب إلى جانب سرايا وكتائب جيش البادية بحضرموت، وكان في اللجنة المكونة طبعاً من العسكريين أحد الضباط الذين يعرفون أسرتي والحال التي أنا فيها, فهو من القرية، وتربطنا قرابة، فهو ابن عمي، وهو عسكري قديم، فأدخلني ضمن المجموعة التي ستخضع لاختيار قبول ومواصفات يشرف عليها ضابط بريطاني رآني حتى غيّر نبرة صوته قائلاً: هذا لا يقبل، فهو غير مناسب، وعليه أن يرجع إلى أمه لتعطيه اللبن.. ولم أكن حينها قصيراً, بل كنت طويل الجسم نحيلا، ما يعكس أني كبير في السن، لكن مظهري يوحي بأن عندي سوء تغذية، حسب قول الضابط البريطاني..
- هل تتذكر اسم قائد السرية الذي كان يعرفك.. ؟ وماذا عمل لقبولك؟
- نعم أتذكره وهو ملازم أول أحمد عبد الله نوح با رشيد، ولأن هذا القائد العسكري والسياسي- الذي تعمر أكثر من 100 عام- يعرفني، قال للقائد البريطاني نعطيه هذه الفرصة وسيتغذى وسيعجبك، ، فرفض الضابط البريطاني لكن با رشيد أصرّ على أن يدخلني التجنيد، وكان يحرص أن أكون في الصفوف الخلفية، أثناء التدريب الميداني، وكنت أرابط عند المطبخ، وكنت آكل وجبتين، وجبتي ووجبة الزميل الذي يغيب في بعض الأحيان، فارتحت وتحسنت حالتي, وبعدها أمرني الضابط أن ألبس ملابس جديدة، وأن أعتني بمظهري، ومرت (5) أشهر وأنا متخفّ، وصادف أن وجدني الضابط البريطاني الذي رفضني وأنا في السرية, وكان برنامجنا هو القراءة غيباً وعن ظهر قلب، قانون جيش البادية كنت واقفا أقرأ وبقية المجموعة جالسين، رآني هذا البريطاني، وعرفني، ومن خوفي سكت، في انتظار أن يطردني.. لكني فوجئت بأمره : واصل القراءة يا جندي جيش البادية.. فارتحت وآمنت، وظهرت من لحظتها في مقدمة الصفوف..
جيش البادية
- جيش البادية حينها كان يتبع السلطنات الحضرمية، أم يتبع المستعمر؟
- جيش البادية، كان هو القوة العسكرية، بحضرموت وهو من أبناء حضرموت، لكن كانت قياداته من البريطانيين، ويخضع للمستشار البريطاني المقيم في حضرموت، ويتبع إدارياً المندوب السامي في عدن، وجيش البادية الحضرمية كان مخصصاً للمنطقة الشرقية من الجنوب اليمني والتي تتكون من سلطنة "الواحدي" و"القعيطي"، و"الكثيري"، وهي التي تسمى حالياً إقليم حضرموت باستثناء بعض المديريات التي أضيفت إدارياً إلى شبوة في مراحل الدولة اليمنية المعاصرة..
- ماذا مثلت لك مرحلة جيش البادية..؟ وكيف انتقلت للعمل السياسي؟
- مرحلة دخولي جيش البداية مثلث انطلاقتي الأولى للحياة العسكرية، والسياسية، والقومية، فقد حصلت على أول ترقية في1959م بعد أن حزت على الترتيب الثاني في السرية في التدريبات العسكرية ومنها الرماية وكانت ترقيتي أنني أصبحت عامل لاسلكي أو ما تسمى "بالمورش" الإشارة، ذلك الوقت، وكانت مهنة راقية حينها،.. وكانت هذه المرحلة هي الفرصة التي كونتْ لدي رصيدا من الثقافة والاطلاع من خلال قراءة الشعر والأدب وما يصلني من بعض المجلات والصحف، وخلال سنتين تعرفت على كثير من الأدباء والمثقفين ، أبرزهم المثقف الكبير عبدالله علي باسودان ، وهو الآن في جدة ، والمثقف والشاعر الكبير صالح محمد الديني، رحمه الله، وقد اختفى في السبعينيات أيام الصراع والتصفيات.. كما أن مرحلة عملي في محطة اللاسلكي، ما أتاح لي فرصة الانطلاق السياسي حيث كونت نسيجاً من العلاقات الواسعة، وأتذكر أنني كنت في محطة اللاسلكي الموجودة في السلطنة الكثيرية، في سيئون، وكانت تحت إشراف المستشار البريطاني..
علاقة قديمة بالبيض
- على الصعيد السياسي والقومي .. يذكر البعض أنك ارتبطت بعلي سالم البيض من وقت مبكر.. كيف بدأت علاقتك بالبيض؟
- العلاقة بدأت بصدفة عابرة، فقد التقينا والبيض، لأول مرة في سيئون أثناء عملي في محطة اللاسلكي، وقد أتى إلى سيئون ليقضي فترة التطبيق على المعدات الزراعية كمهندس تخرج من المعهد الفني بعدن، وكان في سيئون مشروع كبير للمعدات الزراعية ، فتعارفنا وتواصلت بيننا المعرفة، والثقة وكان قد التحق بحركة القوميين العرب، فكاشفني أنه عضو في حركة جديدة، وهي تتكون الآن في حضرموت، وخلال الأيام القادمة، سيتم تأسيس قيادتها، فإذا كان عندي استعداد فعلي الموافقة، فوافقت، نظراً لقراءتي ومعرفتي بأشياء عن المسار القومي العربي، ودخلت الحركة وكنت عضواً مخلصاً فيها، وظلت العلاقة مع البيض، في تنامٍ على مدى العقود التي تلت تلك الفترة ، أي 1961م وما بعدها..
ثورة 26 سبتمبر
- في 1962م حدثت في صنعاء ثورة السادس والعشرين من سبتمبر .. كيف سمعت بها؟
- كنت حينها عضواً في اتحاد القومين العرب، وكنا مجموعة من الجند نعمل في عقبة تشرف على وادي دوعن مهمتنا في الوادي أن تبلغ المكلا بعد أن نسعف المصابين من الحوادث المرورية في هذه العقبة الكبيرة التي كانت مشهورة بالحوادث.. وكنت عندما ينتهي الدوام أحوِّل اللاسلكي إلى راديو ولمدة ساعة كنت افتح إذاعة صوت العرب ، لأقيس الجند الحضور، وإمكانية ضمهم إلى حركة القوميين العرب، ولكني لم أنجح إلا بضم سائق السيارة الذي كان يقرأ كثيراً..
أهم ما في الأمر أننا في الليلة التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر تقريباً سمعنا الخبر والتفاصيل وتصريحات حول الثورة اليمنية على الملكية بصنعاء، من إذاعة صوت العرب، وكان الخبر ملفتا، لكنه لم يكن بالأهمية لدينا خصوصاً والكل يجهل ما في صنعاء في ذلك الزمن المعروف بالانغلاق والشتات.
النفسُ الوحدوي
- في مطلع الستينيات كيف كانت حياة الناس في حضرموت في ما يتعلق بثقافة الوحدة والحلم بيمن موحد؟
-كانت حياة العامة ونظرتهم تجاه شيء اسمه الوحدة اليمنية غائبة جداً، نظراً لغياب التواصل وقلة التعليم وجهل الناس أصلاً باليمن كهوية واحدة.. ووحدهم المثقفون كانوا يعيشون النفس والوجدان الوحدوي لاطلاعهم وعلاقاتهم ومعرفتهم التاريخية.
وما أتذكره من تلك الفترة بخصوص اليمن أننا كنا نقول لمن سافر من حضرموت إلى (أحور) بأبين، فلان سافر اليمن وهذا ما كان يعرف حينها.. لكن ذلك لا ينفي تجذُّر العلاقة بين أبناء حضرموت كيمنيين مع كل أجزاء اليمن، وأبناء المناطق اليمنية الأخرى بحضرموت وعبر التاريخ.
- وأنت حينها في حركة القوميين العرب وقارئ جيد.. كيف كنت تنظر إلى مشروع الوحدة اليمنية ؟
- كنت كعضواً في حركة القوميين العرب لا أنظر لشيء اسمه الوحدة اليمنية، فهذا أمر مفروغ منه بعد تحقيق الاستقلال من الاستبداد والاستعمار، فاليمن في نظري ليست سوى جزء بسيط، وبعد استقلالها سنحرر الجزيرة العربية، ونحقق الوحدة العربية العظمى، وسنصبح إمبراطورية العرب الكبرى.. لكن بعد مرور الأحداث في البقاع اليمنية اتضحت خيوط العلاقة المتصلة بالهوية اليمنية، من خلال تأُثر أبناء اليمن شماله وجنوبه بتلك الأحداث.
التدريب في تعز
- في 64م، ذهبت إلى تعز في مهمة عسكرية في صالة.. ما نوع المهمة ؟ ولماذا تعز؟
- كانت المهمة تدريبية ذات وجهين الأول، كانت ضمن جيش البادية الذي يبتعث أفراده للتدريب، في عدن أو تعز والوجه الثاني كان ثمة عمل سياسي نقوم به كحركة القوميين العرب لمنتسبيها، السريين المتواجدين في مرافق مختلفة من تشكيلات..
أما لماذا تعز، فتعز تحولت إلى محطة قومية بعد ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر فكانت مركزاً للتدريب لأبناء اليمن الشماليين المقاومين لفلول الملكية، ولأبناء اليمن الجنوبيين المواصلين كفاحهم المسلح لطرد المستعمر، وكانت هذه المحطة ذات تأثير كبير في إيقاظ المدّ الثوري الوحدوي اليمني، كون الكل شاركوا في الدفاع عن سبتمبر وفي مواصلة ثورة أكتوبر حتى الاستقلال.
ناهيك عن كون تعز كانت المركز العسكري والتدريبي المدعوم من الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر مباشرة، وقد تجلى ذلك من خلال زيارته لها في وخطبته الشهيرة التي أقلقت المستعمر في عام 1965م..
العودة إلى عدن
- بعد التدريب في تعز.. أين ذهبت؟
- تدربت في تعز شهراً ونصف الشهر، وعدت في بداية نوفمبر إلى عدن والتقيت بالقائد العسكري محمد صالح عولقي.. وذهبناً سوياً للالتقاء بعبد الفتاح اسماعيل – رحمهما الله – في المنصورة، وهناك ناقشنا مواضيع التواصل في ما بيننا وما الذي يجب عمله وإعداده من الأسلحة والمتفجرات لمواصلة الكفاح المسلح الذي بدأ بثورة 14 أكتوبر 1963م بصفتي مسؤول الجبهة القومية في حضرموت، لأصير حينها مسئولاً عن تمرير هذه المعدات والمتفجرات إلى أفراد الجبهة القومية، وعندما عدت من عدن بالطائرة كان عندي مجموعة منشورات وتعاميم الجبهة القومية لقراءتها في حضرموت والاطلاع عليها، وكان من الصعب تمريرها، فاشتريت كرتون فواكه، وعملت المنشورات تحت طبقة كرتونية أسفل الكرتون والفواكه من أعلى، وهي تفاح وبرتقال وأعطيت شخصاً في المطار يكتب اسم فلان .. على الكرتون بحجة أني لا أقرأ حتى استطيع القول إذا اكتشف أمري هو مرسل معي من عدن لفلان مررت من مطار عدن بسلام.. وتم اكتشاف المنشورات في مطار سيئون (الريان)..
- هل تتذكر الشخص الذي كتبت اسمه على الكرتون.. ؟ وكيف تم اكتشاف المنشورات.. ؟
- نعم أتذكر، فقد اخترت شخصية كانت بارزة اسمها أحمد عبد الكريم الجاوي كان مساعد المستشار البريطاني.. أما كيف اُكتشف الكرتون فقصته طويلة.. لكن خلاصتها أن التهريب للحشيش والمخدرات كان منتشرا حينها، وقد تم كشف حالات كثيرة ومع أشخاص ليسوا بدواً ولا أصحاب زي يمني معروف بل شخصيات مدنية معروفة وشباب أغلبهم يلبسون بنطلونات.. ولسوء حظي أني كنت يومها لابس بنطلون ومظهري مدني مثقف - حسب حكي الضابط بعد سنوات من الحادثة من اكتشاف المنشورات في الكرتون– وصلت عند الضابط المسؤول عن الحشيش في مطار الريان، فرأى هذه الملامح فأوقفني بعد أن شك في مظهري، وفتش الكرتون حتى وصل عند المنشورات ولكن لحسن حظي أنهم لم يعيدوني إلى عدن بل أخذوني إلى الاحتجاز في الشرطة بسيئون، فحققوا معي وكانت إجابتي أني أسمع عن مساعد المستشار البريطاني بحضرموت، فقابلني أبوه في مطار عدن وقالي لي هل تعرف فلان (اسم مساعد المستشار) فقلت: هذا مسؤول عندنا. فقال: أنا والده أوصل هذا الكرتون الفواكه إليه. ففرحت أن أسدي له خدمة وأتعرف عليه.. فطلبوا المستشار ولما رآني استغرب قال أنا لا أعرف أحد ليبعث هدية من عدن، ووالدي ليس في عدن فهو مهاجر من زمن بعيد.. وكان يقول لي: ( أنا أيش سويت بك يا أخي..؟. لماذا اخترت هذا الشخص فقط..؟).. فأجبت عليه أنا لا أعرفك وأنما أسمع عنك ففرحت أن أتجمّل بخدمتك..
- لماذا اخترت هذا الشخص بالذات ؟
- فكرت في الاسم كثيراً فقلت لو أضع اسم إنسان بسيط سأجلب بلية على رأسه لا يقدر دفعها وقد أتورط بظلمه إذا كشف الأمر وقد يورط هو بريء ومسكين.. فاخترت هذا الشخص لعلمي أن عنده القدرة على الدفاع عن نفسه وسيدفع عني الجريمة إذ سيتضح للجميع أني تورطت وأن أحدا انتحل صفة والد مساعد المستشار غير الموجود أصلاً ليورطني وإياه.. وبهذا ضاعت التهمة واحتجزت 15 سنة وظلت القضية معلقة حتى أنهيتها بعد سنوات حيث تعينت مديراً لأمن حضرموت بعد الاستقلال، وأثناء زيارتي لقسم الشرطة بسيئون أخبرني مديره أن ثمة ملفاً معلقاً باسمي، في تهمة لم تثبت إدانتي فيها، فتم إلغاء الملف.. وكنت ناسياً للقضية نهائيا، وحين رأيت الملف والأسئلة.. وتذكرتها جيدا سجلت اعترافي بمسؤوليتي عن الكرتون، ولذلك أريد إنهاء هذه القضية باعترافي.
الاستقلال والوحدة
- حتى لا نتوه كثيراً في تفاصيل الكفاح المسلح، وواحدية الثورتين... السؤال الأهم هو لماذا لم تتحقق الوحدة اليمنية بعد الاستقلال.. ؟
- في تقديري ورأيي.. الحمد لله أنها لم تتم في ذلك التاريخ، فلو تمت في ذلك الوقت، لانتهت بعد عام، نظرا للصراعات التي تفجرت بعد 67م، ونظرا لعدم الفهم الكامل لمعطيات الوحدة اجتماعيا وسياسيا وفكريا وثقافيا إذ كان الكل في دوامة من الصراع.
- مقاطعاً- لكن مسألة الوحدة كانت مطروحة حينها.. فماذا تغير؟ وماذا تتذكر من قضية طرح مشروع الوحدة قبل الاستقلال؟
-كان الثابت في أوساط النخب اليمنية هو الحلم الوحدوي، لكن لم تكن الرؤية واضحة لملامح الواقع، وإمكانية ملائمته لتحقيق هذا الحلم فلم يكن ملائما وكان المتغير في مسار العمل السياسي هو احتدام الصراع وانشطار الحركة الوطنية..
أما أبرز الذين طرحوا قضية الوحدة بشجاعة فكانوا كثيرين وأتذكر أنه قبل الاستقلال بأسبوع أننا اجتمعنا في حضرموت لنقاش موضوع الأسماء التي ستفاوض في جنيف على استلام السلطة كنا في الاجتماع وكان جنبي الفقيد العزيز فيصل علي العطّاس رحمه الله – فكان يهمس في أذني في الجلسة لماذا يا باراس نشكل وفداً من الجبهة القومية يذهب إلى جنيف للتفاوض.. خلاص نتصل بالإخوة في صنعاء يشكلون وفداً يمنياً مختلطاً من كل الأطياف اليمنية ويذهب إلى جنيف لاستلام قرار الاستقلال واستلام مقاليد الحكم.
- بماذا رديت عليه؟
- قلت له: أخي فيصل.. هل تتحدث بعقل ؟.. هذا لن يكون مقبولاً.
- مما كانت تنطلق هذه الإجابة؟
- لم تكن هذه الإجابة تنطلق من رفض شخصي للوحدة، بل كانت تنطلق من الإحاطة بالجو العام فالناس لا يفكرون هذا التفكير وإن كان صائبا فنحن نعيش في وسط الشعب ونعيش مرحلة صراع وكانت الفكرة عند العطّاس أن نتعاطى مع حدث الاستقلال تعاطيا وحدويا أي تعلن الوحدة قبل الاستقلال... وكان أول من اختلف معه هو خاله عبدالرحمن الدَّحم واصفاً هذه الفكرة بالجنونية.. وكان فيصل وحدويا يمنيا وشجاعا وسياسيا كبيرا.
لكنه بعد حرب صيف 1994م أصبح انفصاليا معتبرا أن الوحدة مجازفة غير مدروسة لما شاب الوحدة من تعاط لا مسؤول مع شركاء الوحدة أنفسهم.
_____________________
الجزء الثاني من الحوار:
يعترف اللواء خالد باراس -كسياسي شجاع وأصيل- أن الساسة اليمنيين أخفقوا، ليس بأخطائهم العابرة وإنما بتكرار ضياع الفرص، على حساب الواقع الوحدوي، فهو يعتبر 22 مايو فرصة عظيمة أضاعها الساسة، بالشقاق وحب الاستحواذ والهيمنة والاغتيالات والتصفيات لبعضهم البعض.
اللواء خالد أبو بكر باراس في الحلقة الثانية من حوار الذكريات، بعث – عبر صحيفة الثورة- رسائل لكل من يظن أن عجلة التاريخ سترجع للخلف، فوجه رسائل قوية للقوى التي تخوض معترك التعقيد أمام ركب مخرجات الحوار الوطني حفاظاً على مصالحها، وبعث رسائل زاجرة وقوية للعناصر الموجودة في الخارج، ورحب بتصريحات العطَّاس واصفاً لها بالموقف العظيم والتاريخي تجاه الوحدة ومخرجات الحوار الوطني.. مؤكداً أن الوطن يتسع للجميع وأن الشعب اليمني سيستقبل كل عائدٍ إلى أرض الوطن وهو حامل قيم التسامح من أجل يمن اتحادي يحمي الوحدة ويحافظ عليها.. إلى تفاصيل الحلقة الثانية من هذا الحوار التاريخي:
- البعض ينظر إلى غياب إعلان الوحدة بعد الاستقلال من زاوية المحاذير المرتبطة بواقع الصراع الذي خلفته بريطانيا.. فهل كان للمستعمر دور في عرقلة الوحدة؟
- لا أبداً.. لم يكن للمستعمر أي دور مطلقاً وإنما الجو العام والثقافة لدى الناس، فغالبية الناس لا تفكر بالوحدة حينها، وأنا أتحدث عن حضرموت وجزء كبير من شبوة والمهرة وسقطرى, لم تكن الوحدة واردة خصوصاً في ظل واقع الإمارات والسلطنات.
أيضاً البعد التاريخي للوحدة التي شهدها اليمن منذ التاريخ وعامة الناس في هذه المناطق لا يدرون متى وكيف, كل ما في الأمر أن أحد التبابعة حكم اليمن شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً في عصر من العصور إثر صراعات واستقواء البعض على الآخر في عهود الأقيال وصولاً للحكم السلطوي لأحد التبابعة.. إذ لم تكن هناك وحدة سياسية بدولة وسيادة ومساواة..
- مقاطعاً.. لكن عامة الناس كانوا يعيشون حلم الوحدة ليلاً ونهاراً خصوصاً في المناطق التي تلتقي على خطوط التماس المصطنعة بين شطري اليمن.. ألم يكن هذا كافياً لإعلان الوحدة في وقت مبكر بعد الاستقلال؟
- لم يكن ذلك كافياً، ليس لأن العاطفة حينها كانت سيَّدة المواقف الشعبية تجاه الوحدة بل لأن قوى تتصارع وفق حرب نفوذ جديدة لا يدركها الناس خصوصاً بعد احتدام الصراعات بين جبهة التحرير والجبهة القومية وما شهدته مراحلها من تصفيات، أيضاً واقع الشمال كان ملغوماً بحروب وحركات وانقلابات واغتيالات أما المناطق التي تتقارب في خطوط التماس فمن الطبيعي أن يكون أملها الوحدة فقط كانت الوحدة ملاذاً وحيداً لها من تبعات النزاعات والصراعات، وهي وحدها لا تعبر عن كل الخارطة اليمنية..فلو تمت لكانت عاطفية في. في ذلك وقت فشلت لأنها لم تراع مطلقاً مصالح الناس المتداخلة في كل أرجاء اليمن.. لكن الحمدلله تمت في عام 1990م بعد أن استوفت كل عوامل الاستجابة والنجاح.. صحيح أنها تعرضت لأعنف هزة وكادت أن تفشل في صيف 1994م.
- أين فتيل الخطر، وأنت ذكرت أنها استوفت كل عوامل النجاح؟
- فتيل الخطر لم يكن في سطور المعاهدات والاتفاقات والاستجابة العاطفية لدى الناس خصوصاً بعد مرارات التشطير.. بل كان فتيل الخطر في النوايا ونزعة الاستحواذ التي كانت خفية أثناء المفاوضات فمن رضي بالتوقيع على الوحدة اقتنع برؤى واتفاقات ليست مدروسة من الناحية السياسية والواقعية لمنظومة القوى التي تتصارع وتتفق فمثلاً، من يحكم سوريا والعراق في السبعينيات والثمانينيات كان هو حزب واحد حزب البعث العربي، فلماذا لم يتوحدوا؟ رغم محاولاتهم.. كل ذلك كان سببه أن مصالح الناس في البلدين بحاجة إلى دراسة واقعية ودقيقة، غير المظهر العام للجانب السياسي واحدية الحزب الذي يحكم كل بلد وفق خصوصيات تختلف عن الأخرى.. فنحن اندفعنا بعاطفية فلم نقف على اختلاف العمل الاقتصادي والتجاري في عدن والجانب التجاري في صنعاء ولم نقف على الجانب السياسي والحزبي في الجنوب ولا الجانب القبلي في الشمال.. تجاهلنا كل هذا لأننا نريد أن نتوحد فجاءت الحرب على هذا الأساس بعد فترة من الاحتدام السياسي والصراع والتباعد والاغتيالات.
- مقاطعاً قبل الحديث عن فترة ما بعد الوحدة كان أهم إرهاص غير المسار من التفاوض بين قيادتي الشطرين إلى ضرورة إعلان الوحدة.. هو ما حدث في (86) من أحداث دامية عرفت بكارثة 13 يناير ماذا عن هذه الكارثة..؟ وكيف عاشت اليمن خلال 86-90م؟
- ما حدث في 13 يناير 1986م كان هو الانفجار الخطير وكان هو بمثابة إعلان وفاة العمل والنظام السياسي والسلطوي للحزب الاشتراكي اليمني في ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. وكانت تلك الأحداث كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فبدأت هذه المرحلة بمعطى جديد يسير باتجاه الوحدة كأمر واقع، وملاذ أخير.. فقد رحل نصف الحزب الاشتراكي ونصف المجتمع المدني من عدن إلى صنعاء، ومجموعة من القيادات والنخب قضت في تلك الأحداث والتصفيات..
وعاشت اليمن فصلاً جديداً من التداعيات والقلق والبحث عن الحل الأنجح والأفضل فكانت الوحدة هي الحل بالنسبة لنظام الجنوب لكن هذا لا يعني أن كل شيء على مايرام في الشمال فقد كانت الوحدة مخرجاً لكثير من مشكلات النظام القائم في الشمال..
- أين كنت يوم إعلان الوحدة؟ وماذا تتذكر من ملامح الجو العام في عدن خصوصاً وفي اليمن عموماً؟
- قبل إعلان الوحدة بظرف زمني قصير كنت أقول عندما نتوحد سنذهب جميعاً إلى عمل تنموي ومشاريع ذات بعد تنافسي خاص في بلد يتسع للجميع وكنت على قناعة أننا سنترك العمل السياسي والحزبي وكان هذا هو تطلع أبناء الشعب اليمني حيث كانوا يحلمون أن اليمن سترتاح من وعثاء السياسية ودوامات الصراعات وسنصبح شعباً موحداً بوضع أفضل وكانت هذه المآمل هي سر الفرح والدموع والابتهاج الذي عم ربوع اليمن.
وأتذكر ذلك اليوم الذي لا ينسى في تاريخ اليمن حيث كنت في عدن وشهدت لحظة رفع علم الوحدة علم الجمهورية اليمنية من قصر 22 مايو في مدينة عدن، وأتذكر أن الجميع ذرف دموع الفرح وعاشت عدن واليمن كلها أبهى حلل الابتهاج بالوحدة كمنجز عظيم.. لكن سرعان ما بدأت ملامح الموت السياسي لهذه الفرحة.
- ما هي أولى تلك الملامح؟ وهل تتحمل الوحدة وزره؟
- أول المظاهر التي اتجهت نحو قتل الأمل والفرح هو ما رأيته في مطار عدن، "قائد عسكري ليس وزير دفاع أو رئيس هيئة أركان"، يأتي إلى المطار وفي طيارته سيارته المصفحة وأطقمه وموكبه ليفاجئ عدن بأول المظاهر التي لم تعتادها من القادة العسكريين وأنا كنت قائدا عسكريا وسياسياً كبيراً ولم أخرج بموكب.
وهذا تعبير خاطئ عن قوى نافذة لا تؤمن بالدولة الحقيقية وتسيئ لأصحابها، أما الوحدة فهي إنجاز عظيم، نحن من أسأنا لها بصراعنا وإصرارنا على الهيمنة والتسلط على بعضنا.. الوحدة منجز عظيم لكننا لسنا عظماء.. والدليل على ذلك أن أزمة الصراع التي نتج عنها سلسلة من المظاهر العبثية بالصورة الذهنية للدولة وما حصل خلالها من تصفيات لرموز الحزب الاشتراكي، بدأت في 1992م وبدأ التمترس حول المواقف والمشاريع الضيقة وبدأت مرحلة الاعتكاف السياسي لنائب رئيس دولة الوحدة آنذاك علي سالم البيض احتجاجاً على الاغتيالات التي وصلت إلى أقرب المقربين منه وكان على القيادة السياسية حل الإشكال قبل دوامة صيف 1994م وإعلان الانفصال.. وما تبعها من إقصاء، وتصرفات دمرت الوحدة وجدانياً بالغبن الاجتماعي الذي طال الكثير..
- عودة إلى ما قبل صيف 1994م وفترة الاعتكاف التي بدأها علي سالم البيض.. ما الذي كان يجب على القيادة السياسية اليمنية عمله سواء علي عبدالله صالح أو علي سالم البيض؟
- لن أنظر كثيراً حول ما الذي كان يجب فعله أثناء تلك الفترة.. فتخيل لو أن الرئيس علي عبدالله صالح أيام بدأ البيض اعتكافه في المعاشيق بعدن، أخذ طائرة ونزل إلى عدن إلى حيث علي سالم البيض وقال له وأنا معك نعتكف هنا، وندع الشعب يحكم فقد انتهى دورنا بإعلان الوحدة ورفع علم الجمهورية اليمنية.. لكن كانت نزعة السيطرة والهيمنة سيدة الموقف في تلك الفترة وتجلى ذلك في حرب صيف 1994م التي أعقبها اجتياح حقيقي وقتل واضح لمعاني ودلالات ومعطيات الوحدة.
- مقاطعاً - لكن واقع الحال حينها يقول إن الحرب صارت ضرورة للانتصار للوحدة، وأنت كنت في صف البيض الذي أعلن الانفصال.. فيما الفريق الذي قوى عوده حينها هو المنادي بترسيخ الوحدة وليس بالانفصال.. فما الذي تغير بعد انتصار الوحدة..؟
- إعلان الوحدة كانت تغلب عليه العاطفة، فدخل اليمنيون في فترة صراعات على المسار العملي لتجسيد الوحدة على الأرض والثروة والسلطة، وحين احتدم الصراع جاء قرار الانفصال كخطوة منطلقة من العاطفة الانفعالية أيضاً وردة فعل منطقية لسلسلة الاغتيالات، والخطأ في القرار هو الاستناد إلى العاطفة أيضاً وهو ما أشعرنا بالهزيمة.. وأتذكر أني بعد الهزيمة، رجعت إلى قريتي وآمنت بانتصار الوحدة حينها لكن ما حدث غير الموازين وقاد إلى تراكم الغبن الاجتماعي تباعاً للغبن السياسي الذي طال نخبة وقيادة الحزب الاشتراكي اليمني شريك الوحدة.
- عندما عدت إلى قريتك بعد الهزيمة وآمنت بانتصار الوحدة ما الذي كان يجب على المنتصر فعله للحفاظ على الوحدة؟
- بعد هزيمتنا حصل وتغير الكثير من الواجبات تجاه الوحدة التي انتصر بها الطرف الآخر وكان المفروض على المنتصر علينا أن يصدر بيانا لكل أبناء الجنوب يقول فيه خلصناكم من الاشتراكيين والانفصاليين ولم نأت لكي نحكمكم الآن انتخبوا مجالسكم المحلية ومحافظيكم وسن قانون يمنع كل أبناء اليمن شماله وجنوبه من استباحة حق أحد أو نهب أرضه أو إقصائه من الوظيفة العامة وبسط هيبة الدولة التي تكبح النافذين ويتساوى في ظلها الجميع في الحق والواجب والثواب والعقاب لكن هذا لم يحصل وأنا كنت في القرية بحضرموت ولم أغادر إلى المملكة إلا في منتصف أغسطس، وكنت أقول لرفاقي وأًصدقائي لو أن السلطات المنتصرة ساعدت الجنوبيين الذين وقفوا مع الوحدة ولم يشجعوا الانفصال وسلمتهم السلطة المحلية واسعة الصلاحيات وأقامت العدل لأضافت لنا هزيمة أخرى لأننا وقفنا ضد النظام الوحدوي ولو حدث ذلك لغادرت إلى خارج الوطن ولن أعود بتاتا لكن خلال الشهر والنصف التي قضيتها في القرية كانت تصلنا الأخبار من المكلا، أخذوا كذا وكذا نهبوا كذا وكذا سرحوا عدد كذا من الجيش.
- حتى لا نتوه في التشخيص التفصيلي لما اعترى مسار الوحدة من اعوجاج كيف تقيمون ما جاءت به المبادرة الخليجية من إنصاف كقاعدة للتسوية السياسية وكيف تقيمون ما تم إنجازه؟
- الأمل ظل معلقا على مجريات التداعي السريع لما بعد 2011م باتجاه التسوية التي أوصلتا إلى المبادرة الخليجية التي شكلت القاعدة الصلبة لهذه التسوية وتقييمنا لمبدأ الإنصاف الذي تضمنته المبادرة الخليجية يجعل أملنا أكبر حيث نرى في المبادرة أنها جاءت بحلول ناجحة ومرضية لكل الأطراف وانتصرت لما جرى بعد الوحدة في الجنوب والشمال وكان إنصاف المبادرة سببا لقبول الكثير من القوى بالدخول والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل كأكبر حوار وطني يشهده تاريخ اليمن السياسي.
أما ما تم إنجازه فقد تم الكثير وبقي الكثير، والآن الأمل معلق على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني كاملة وهذا أن حصل.. إن شاء الله سينقل اليمن نقلة نوعية باتجاه بناء الدولة الاتحادية ذات الستة الأقاليم.
- اليمن على عتبات دولة اتحادية ذات نظام فيدرالي مكون من ستة أقاليم كيف تنظرون لمستقبل الوحدة..؟
- إن مخرجات مؤتمر الحوار التي نصت على أن تصبح اليمن دولة اتحادية من 6 أقاليم وفقا، لأي نظام فيدرالي، توزع الموارد بينها بعدالة ومساواة وإعطاء هذه الأقاليم فرصة حقيقية في حكم نفسها بمشاركة واسعة من أبناء الإقليم يجعلني على ثقة من أننا اتخذنا قرارا تاريخيا عظيما وعالجنا الوحدة كما يجب أن تعالج من أول خطوة حدثت بعد إعلانها عام 1990م وأن هذا هو العلاج الحقيقي السليم والدائم والشافي وهو ما سيصون الوحدة اليمنية وينتصر لكل ما شابه من جراحات ولكن نتمنى أن نتجاوز الخلافات والتحديات والمخاوف..
- ما هي التحديات التي يجب تجاوزها؟ وما هي المخاوف التي تتوقعها؟
التحديات كثيرة وأهمها الأمنية والإرهاب والتحديات التنموية أيضا وما يتطلب من الشعب اليمني هو مزيد من الاصطفاف الوطني تجاه كل من يخرب الكهرباء ويفجر النفط ويختطف الأجانب ويسيء لليمن الموحد..
أما المخاوف التي نتوجسها هي خوفي الكبير من أن نضيع فرصة الحوار وقراراته القوية والتاريخية كما أضعنا 22 مايو 1990م بالصراعات والحروب وأضعنا فرصة وثيقة العهد والاتفاق في عمان وأضعنا 7 يوليو الذي كان يعني الوحدة على الانفصال، وكما قلت أننا أنجزنا الوحدة كمنجز عظيم لكننا لسنا عظماء بقدر عظمتها وإلا ما ضيعنا تلك الفرص ولو كنا شعبا عظيما في هذه الظروف العصيبة لخرجت جموع الشعب من كل المحافظات إلى صنعاء بدون سلاح وفي مسيرة سلمية إلى مارب، حيث التخريب والإرهاب لتقول الجموع لمفجر النفط وقاطع الكهرباء ومحتجز قاطرات المشتقات نحن هنا بلا سلاح أقتل من شئت فلن نعود إلا وقد حاكمناك وأخذنا حقنا منك، لكن للأسف شعب طيب وصابر ويقف طوابير لانتظار الديزل والمشتقات النفطية ويعيش الظلام بصمت وفي وقت الدولة تحارب الإرهاب باستماتة وبسالة وتعاني التحديات المالية، ألا يقف الشعب إلى جانب قيادته السياسية في هذه الظروف العصيبة..؟
القرارات الجمهورية
- عودة لمسار التسوية السياسية، كيف تنظرون لقدرات رئيس الجمهورية المتعلقة بمعالجات قضايا المبعدين وملف الأراضي وغيرها؟
- قرارات رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي قرارات سلمية وصائبة وتلبي المصالح الحقيقية والحلول العادلة لكن للأسف الشديد أن الجهات التنفيذية ليست صادقة وسريعة، ولهذا فالقرارات لم تأت ثمارها بعد فهناك تباطؤ تنفيذي كبير فمثلا قرارات عودة المسرحين لم تكتمل حتى الآن ولا زالت الجهات التنفيذية تماطل في وعودها على الأقل في صرف ما يشير إلى تسوية الأوضاع وإعادة المسرحين إلى أعمالهم..
- ما هي دعوتكم للجهات التنفيذية وللقوى السياسية لمساندة القيادة السياسية في تنفيذ هذه القرارات لترجمة مخرجات الحوار الوطني والتسوية السياسية؟
- أنا أدعو كافة الجهات التنفيذية إلى أن تكون صريحة واضحة وأن تضع الحقائق الماثلة والتحديات التي تعيقها في تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية القاضية بالمعالجات والحلول العادلة ما لم فهي مسئولة دستوريا وقانونيا عن عرقلة تنفيذ أي قرار، كما أدعو كل القوى السياسية إلى الوقوف بجدية وأمانة إلى جانب القيادة السياسية لتنفيذ مخرجات الحوار الشامل واستكمال تنفيذ النقاط العشرين والإحدى عشرة التي كان من المفترض أن تنفذ عقب صدورها وخلال الحوار أيضا ما لم فكل القوى أمام مسؤولية وطنية كبرى ناهيك عن قرارات مجلس الأمن، وضعت وستضع أي معرقل للحوار ضمن البند السابع.
- برأيكم هل ستسهم هذه القرارات التي ذكرت في شد القوى السياسية لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني..؟
- هذه القرارات هي موقف دولي يعكس الحرص على نجاح التجربة اليمنية، إذ يعتبر نجاح، له أيضا وعليه فقرار البند السابع مطروح لكن حتى الآن وفي تقديري الأمور لا تتطلب التنفيذ خصوصا وأنا ألاحظ خطاب القوى السياسية تجاه المخرجات وتجاه القرار الأممي فكل من سيحاول العرقلة أو سيستمر فيها فسيأتي وقت يحكم العقل سواء بوازع وطني أو خوفا من القرار أو يأسا من محاولاتهم فقد يقول البعض سأحتفظ بالأموال التي نهبتها بدلا من إهدارها في العرقلة وبدون فائدة لأن القطار مضى والشعب اليمني كادح ومتعود على الأزمات ومستمر في الحياة على عكس ما يتوقع من يريد الإضرار به وأنا أنصح المعرقلين لا يخسرون كثيرا ولا يخسرونا معهم فالأمور تسير ولا يمكن أن تعود إلى الخلف أبداً والشعب اليمني طيب فكلمة واحدة يقولها من يدورون في ذهني ويسعون للمشكلات ممكن يصفح الشعب عنهم ويستقبلهم استقبال حافل..
- ما هي الكلمة التي تتمنى أن يقولها البيض للشعب اليمني بدلا عن دعوات الانفصال الفاشلة..؟
- لو يقول البيض للواهمين به خلاص نحن حاولنا الانفصال وعملنا ما نستطيع من أجل استعادة دولة الجنوب فالواقع الآن ليس سيئا وأنصح كل من يرد شعارات استعادة الدولة أن ينخرطوا في العمل السياسي والتنموي وأن يعملوا بتنافس لنهوض أقاليمهم والسير على مخرجات الحوار..
- مؤخراً صدرت تصريحات من حيدر أبو بكر العطاس أثناء لقائه مع أمين الجامعة العربية دعت إلى الوقوف إلى جانب اليمن ورحبت بمخرجات الحوار الوطني كيف تنظرون لهذه التصريحات..؟
- حيدر أبو العطاس شخصية سياسية، وعنده من الخبرة رصيد كبير، كإداري وسياسي محنك وأحترمه جدا وتحدثت معه قبل أيام وتصريحاته الأخيرة تعبر عن موقف تاريخي يحظى بكل التقدير من اليمنيين، ونحن نرحب بعودته ما دام يعتبر مخرجات الحوار حلا لمشكلات اليمن ويدرك أن الدولة الاتحادية هي صيغة مناسبة للحفاظ على الوحدة وطي صفحة الماضي فهذا شيء عظيم نرحب به ونرحب بكل من يسانده في نفس هذا الموقف التاريخي، فاليمن واسعة وتتسع للجميع وسأكون من أول المستقبلين له في المطار إذا قرر العودة..
أخيرا
- كلمة أخيرة تود قولها للشعب اليمني بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين للوحدة اليمنية؟
- لننسى ما مضى وندرك أننا جميعا مسئولون عن ما حصل ولا نلقي اللوم على شخص بعينه فكل منا شارك في السلبيات والإيجابيات، ثمة أخطاء نتيجة تصورات خاطئة وحسابات سياسية قامت على الخطأ، وأخطاء أخرى حدثت نتيجة طموحات وطنية أو طموحات سياسية.. والكل ضالع في هذه الأخطاء بشكلٍ أو بآخر.. لكن نقول: لننسى كل هذا الماضي ونأخذ العبرة منه، لنحافظ على وحدتنا ونبني مجتمعنا، وكل عام والجميع بخير وأمان..
مؤتمر الحوار الوطني اليمن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.