ما يزال القرار السياسي في حاجة ماسة إلى سرعة اتخاذ القرار الحاسم الحشد الشعبي سيد الأرض في الجنوب وغياب الإرادة والقيادة السياسية يصيب هذا الهدير في مقتل ما يزال الإعلام الرسمي يعتبر توقيع الفرقاء لوثيقة مخرجات الحوار إنجاز اليمن الأكبر في منطلق القرن الواحد والعشرين. «كلما صفت غيمت»... لا تصف هذه الأغنية –كما يبدو- حال عاشق أو مغترب مهاجر عن وطنه فحسب, بل لعلها تصف حال اليمن؛ على كافة صُعدها وعلى الأجدر منها السياسية والاقتصادية. هذا البلد الذي لم يميزه في تاريخه أكثر من حروبه ومشاكله وثوراته وانقلاباته؛ حركة دائبة من العنف والعنف المضاد. حتى اللحظة, لا يزال الكفاح جاريا من أجل إرساء دعائم دولة ووطن, وكلما مضت العجلة نحو الأمام, دخلت بعض العصي الغليظة في الإطارات, وأعاقت السير؛ ومؤخرا استمرت هذه الإعاقة لعقود قبل أن يعود الأمل يسجل بعضا من الحضور. أدلف إلى الحديث عن كلمة السيد الرئيس عبدربه منصور هادي بمناسبة العيد ال24 للوحدة اليمنية. تلزم الإشارة أولًا إلى أن الوحدة اليمنية بعد صيف 1994 لم تعد تلك التي كانت قبل هذا التاريخ الفاصل (وحتى في بدايتها شابها الكثير). كان 22 مايو بالفعل فاصلا, وبالإمكان النظر إلى هذا الوصف من أكثر من جانب, لكن صيف 94 جاء ليفصله عن مساره, ولتتحول الوحدة إلى مشروع آخر مختلف تمامًا (على الأقل عن بعض عفويته وإن كانت السياسة لا تنسجم مع العاطفة)؛ كان أن جاء لصالح مافيات الحرب والفساد, الغنيمة والفيد. ولما كانت الحرب قد دمرت ما قبلها في غضون أشهر من المعارك, فهي أيضا قد دمرت ما بعدها, وأسست لأرضية متشققة أنتجت فيما بعد وبعد سنوات حراكا سياسيا في الجنوب يطالب ب«فك الارتباط» بين الجنوب والشمال, وهو الحراك الذي كان سباقا للأحداث التي عمت عددا من دول الوطن العربي نهاية العام 2010 وبداية العام 2011, ابتداء من تونس وانتهاء بسوريا. في اليمن اندلعت احتجاجات عارمة عُرفت بثورة الشباب أو ثورة التغيير, وكان أن أدت إلى بعض التغيير في المعادلة السياسية اليمنية. مع هذه التغييرات التي أفسحت المجال لمبادرة خليجية أن تدخل حيز التنفيذ ابتداء من نوفمبر 2011, وفيما بعد في فبراير 2012, وهو التاريخ الذي أصبح فيه المشير عبدربه منصور هادي رئيسا للجمهورية اليمنية بعد انتخابات خاطفة لم ينافسه فيها أحد, وأريد بها أن تنهي حقبة صالح بشكل نهائي؛ بتفويض شعبي قُدر فيما بعد بأكثر من 6 ملايين ناخب وناخبة في عموم اليمن, وإن كان بمشاركة أقل في الجنوب. سنتان وثلاثة أشهر تقريبا منذ تولي الرئيس هادي السلطة في البلد والأربعاء الماضي بثت القناة الرسمية كلمة مقروءة له بمناسبة ذكرى الوحدة. كانت في تقديري الشخصي الأولى من نوعها في ذكرى من هذا النوع, مشتملة لعدد من النقاط المهمة جدًا, وفي مقدمتها الملف الاقتصادي. ابتدأ هادي كلمته بامتداح «الوحدة اليمنية» كما هو متوقع من شخص بهذا المنصب, قبل التذكير مباشرة بالأزمة السياسية ومؤتمر الحوار الوطني والنتائج التي ترتبت عليه ومخرجاته, والتي من أهمها «دستور جديد وأقاليم ستة؛ اثنان منها في الجنوب وأربعة في الشمال».. الخ. كنتُ في وقت سابق, مستهل هذا العام, كتبتُ منتقدا الرئيس هادي على موقفه السلبي –والذي ما زلتُ أراه كذلك- بخصوص ترجيح كفة أحد الخيارين (الأقاليم الستة مقابل الإقليمين) دون أن ينأى عن التدخل في شؤون المتحاورين. حينها شُكلت لجنة الأقاليم من قبل الرئيس وحسمت أمر التقسيم الفيدرالية في غضون أيام عشرة تقريبا, وبثت القناة الرسمية حفل التوقيع: فرقاء اليمن وفي الوسط منهم السيد الرئيس. لا يزال الإعلام الرسمي يعتبر ذلك إنجاز اليمن الأكبر في منطلق القرن الواحد والعشرين. وحقيقة, إن لم يتم تدارك هذا الخطأ الفادح بإلغاء الأقاليم الستة لصالح مشروع الإقليمين أو على الأقل أن يكون الجنوب إقليما واحد متكاملا من المهرة إلى باب المندب, فإن حلا من هذا النوع لن يلبث إلا أن يكون مشكلة المستقبل الكبرى (وسيأتي من يقول: كنا بدولتين صرنا بست وربما أكثر).. هنا ليس محلا لمواصلة الحديث حول الفيدرالية ذات الأقاليم الستة, فالموقف الواضح إزاءها صرخت به عدد من التجمعات الكبيرة في الجنوب في كل من حضرموت وعدن برفضها مشروع تقسيم الجنوب بذات التقسيم التي دعمه الاستعمار البريطاني ذات يوم مضى في منتصف القرن العشرين, مع الأمل الكبير أن تقود عدد من المشاورات الداخلية والخارجية, ومزيد من الضغوط إلى الانتصار للقضية الجنوبية بأن يكون للجنوب إقليم واحد في إطار حل جاد وعادل للقضية الجنوبية التي لن تضمن اليمن تقدمها ما لم تتقدم أولا في ميدان حل هذه القضية الحل العادل. وعودة. لعلنا في اليمن نلمس جديدا يُذكر هذه المرة : رأس الدولة كان صريحا في حديثه حول الأزمة الاقتصادية وأسبابها واعتزامه تقديم عدد من الحلول, وتلك مزية تُحسب. كما أنه لم يغفل التذكير بدور مافيا الحرب والفساد في البلد والتي كبلت الشعب اليمني في الجنوب والشمال معا كلفة باهظة, ولا تزال مستمرة في الهدم والحرب, أكان ذلك في شمال البلد أو جنوبه (وجنوبه أكثر). لا أغفل هنا أن الحرب التي دارت في جنوباليمن في شبوةوأبين بين الجيش من جهة وعناصر القاعدة من جهة أخرى, ليست في معزل عما تعمله هذه القوى في البلد. ومن الواضح أمام من يريد أن يقرأ كيف أن شبكة التدمير والفساد واحدة ومترابطة مع بعضها, لدرجة بدت معها بعض القوى منزعجة من خوض الجيش حربه ضد القاعدة, التي قد تكون (بل هي وبدون قد) من المعارك النادرة والصادقة التي استعاد معها الجيش بعضا من مكانته ودوره في ظل رئاسة هادي ودور بعض القادة العسكريين والضباط وفي المقدمة منهم قائد المنطقة الرابعة اللواء الركن محمود الصبيحي. وحقا ستبدو قوى المافيا منزعجة؛ لأن تنظيم القاعدة كان قد ولد معها شبكة علاقات واسعة, وليس ببعيد أن بعض قواعد تنظيم القاعدة (الذي بالفعل صار قواعد, منها ما يُستغل خارجيا وآخر داخليا) خرجت من توليد هذه القوى مباشرة عوضا عن التقارب الواضح في خارطة المصالح مشتركة. وحسنا ما صنع الرئيس هادي بعدم الاستماع لأصوات ماكينة قوى الطاعون التي لا تريد لجيش يستعيد تنظيمه ولا بلد يستعيد عافيته. وكان أن تقاطعت مع هذا الموقف القوي –هذه المرة ويفترض أن يواصل مؤشر القوة هذا صعوده- مواقف واضحة لعدد من الكتاب والقوى المدنية. الموقف واضح وسيكون واضحا طالما هناك هم وطن ومشروع دولة. قال الرئيس هادي في كلمته تلك «لعل أبرز معالم مخرجات الحوار تتمثل في إنجاز صياغةٍ حديثة ومعاصرة لمشروع الوحدة اليمنية على أساس اتحادي ديمقراطي يضمن الحقوق المشروعة في العدالة والمساواة لكل أبناء اليمن بعد معالجة السلبيات وإنصاف المظالم وجبر الضرر... الخ». ولا ينقص هذا الحديث الجميل إلا الإشارة الصريحة والواضحة إلى «القضية الجنوبية» باعتبارها نصف المعادلة السياسية اليمنية, هذا من ناحية, وجعل هذا الحديث الناعم واقعا معاشا وملموسا من ناحية أخرى. يلزم هنا التذكير بهاتين النقطتين: لا يزال القرار السياسي في حاجة ماسة إلى سرعة اتخاذ القرار الحاسم في الوقت الحاسم, وعدم ترك ما يستدعي الردع والحسم إلى وقت يكون معه أي قرار صفرا على الشمال لا يحضر إلا للصورة. كما وأيضا – وهذا ما هو أهم - لا يزال القرار الممسك بزمامه رئيس الجمهورية بحاجة أمسّ إلى «تعيين الكفاءة المناسبة –رجلا كان أو امرأة شابا أو شيخا- في المكان المناسب». كثير من التعيينات في أجهزة الدولة كانت ولا تزال في خانة المحاصصة, والمحسوبية وبشكل بدأ في بعضها أفج مما كان يعمله الرئيس السابق. وفي حرب الجيش ضد تنظيم القاعدة في كل من أبينوشبوة, كان أن ظهرت بعض خفايا السلسلة الرابطة بين بعض القوى العسكرية والدينية والسياسية وبين تنظيم القاعدة. حسنًا, معها بدأت الأماني أوضح من أطراف عدة, كل طرف يريد الجيش أن يدخل في خط المعارك الثأرية مباشرة. وفي حين دعا الرئيس «كافة القوى السياسية الوطنية لتوحيد موقفها إيثاراً لمصلحة الشعب والوطن بمنأى عن أية اعتبارات وولاءات وانتماءات حزبية ومناطقية ومذهبية أو أية اعتبارات ومصالح شخصية وآنية ضيقة بل وزائلة», وجه دعوته أيضًا «الباب ما زال مفتوحاً لمن لم يتمكنوا من المشاركة في الحوار الوطني باعتبارها خياراً لا يضاهيه خيارٌ آخر لرفعة اليمن ونهضته وازدهاره وتطلعه صوب غد المستقبل الجديد والعيش الرغيد». تلك نقطة محورية من المتوقع أن تجسر الهوة مع قوى ومكونات الحراك الجنوبي فيما من شأنه إحراز تقدم لصالح القضية الجنوبية بالصيغة التي تستوعب أهمية العمل السياسي وفقا للممكن, مع ضرورة استيعاب جانبي التمسك بالقضية وحلولها ومحاولة التوصل إلى ما يظل وسطا يخدم ولا يضر كلا الطرفين يتقدم ولا يتراجع في مسار المعادلة السياسية لمستقبل يمني مختلف. أعي جيدا ماذا يعنيه مطلب «فك الارتباط» لمن ضحى في سبيل هذا المطلب منذ العام 2007 بل قدم الغالي والنفيس في سبيله (وبالنظر إلى ما جرى في 1994 وما بعدها فإنه من حيث المبدأ يظل مطلبا مشروعا), وتلك الجرائم التي ارتكبت بحق شعب أعزل لا يخرج إلى ممارسه حقه في التظاهر إلا بملابسه وأحذيته وشعاراته وأصواته فقط لا تسقط بالتقادم.. ولكن مما يحزن في هذا الجانب أن الحراك الجنوبي افتقد كثيرا إلى وجود قيادة سياسية وإلى عدم خلق الحامل السياسي الذي كان من المفترض أن يسير سياسيا جنبا إلى جنب مع الجهد الشعبي الخلاق والعظيم والذي لا يزال يُبذل, وما كان مشهد «مليونية المعلا» بآخر مشهد يسطره الجنوبيون في سبيل الانتصار للقضية الجنوبية. ولما كان من غير الممكن توصل الفرقاء الجنوبيين إلى إدارة تنوعهم, بل على العكس من ذلك سارت بعض الحوارات مؤخرا إلى طريق شبه مسدود, سيبدو من الذكاء بمكان قبول مكونات الحراك الحوار مع من تختلف معه, لتدارك ما يمكن تداركه لصالح القضية الجنوبية التي أضحت في مشهد لا تُحسد عليه؛ فصحيح أن الحشد الشعبي لا يزال سيد الأرض في جنوباليمن, لكن غياب الإرادة والقيادة السياسية يصيب هذا الهدير في مقتل. وعودة. أشار الرئيس هادي في كلمته بمناسبة عيد الوحدة (الذي لا يعد عيدا في جنوباليمن منذ 1994) إلى الصعوبات التي تواجهها اليمن على الصعيد الاقتصادي, والتي يمكن إيجازها فيما يلي: أولا: عجز الموازنة العامة للدولة في الموارد المالية التي يذهب جزء كبير منها في دعم المشتقات النفطية. والموارد النفطية هي المصدر الرئيسي للموارد المالية في موازنة الدولة. قال الرئيس إن «هذا العجز في الموازنة ناتج عن عدة عوامل، أهمها الاعتداءات المتكررة على خطوط أنابيب النفط الذي أدى إلى انخفاض كمية الصادرات النفطية». ثانيا: تحصيل الإيرادات الضريبية والجمركية ليس بالكفاءة المطلوبة ولا يتناسب مع حجم النشاط التجاري والاقتصادي القائم, وهي المورد الثاني لموازنة الدولة بعد النفط. قال الرئيس إن «ظاهرة التهرب الضريبي والتهريب الجمركي ما زالت بمعدلات مرتفعة رغم الجهود الإيجابية الملموسة أخيراً في مكافحة التهريب». ثالثا: انعدام الاستثمارات الخارجية, وتوقف قطاع السياحة. قال الرئيس «إن الأعمال الإرهابية تسببت وما زالت في هروب الاستثمارات الخارجية، وفي توقف قطاع السياحة.. الخ». إلى ذلك أوضح هادي أن عدم تمكن الحكومة من تحقيق الوفرة المطلوبة للسوق من المشتقات النفطية يعود إلى «الحرص على عدم استنزاف الاحتياطي النقدي في شرائها لأنها لو بدأت في اقتطاع قيمة المشتقات من الاحتياطي فلن يأتي نهاية العام إلا وقد تم استنزاف النصف منه، الأمر الذي سينتج عنه ارتفاع العملة الأجنبية وانخفاض قيمة العملة الوطنية». ولم يفت الرئيس هادي الإشارة إلى ما سماه «الوجه الآخر للإرهاب», وقال إن هذا الوجه «يتمثل في أصحاب النفوس المريضة والجشعة الذين يتاجرون بأقواتكم واحتياجاتكم ويعبثون بالخدمات التي تقدمها الدولة ويعملون على قطعها وضربها واستهدافها سواء ضرب الكهرباء أو قطع الطرق على الناقلات... الخ». وأكد الرئيس في كلمته «الشروع في عدد من الإجراءات ومواصلة بعض الإجراءات الأخرى», ومنها «استكمال نظام البصمة والصورة في الأجهزة المدنية والعسكرية والأمنية بهدف إنهاء الازدواج الوظيفي وإلغاء الأسماء الوهمية»، و«زيادة الربط المقرر هذا العام على الإيرادات الجمركية والضريبية واتخاذ كافة الإجراءات التي تكفل تحقيقه على الوجه المنشود وتحسين مستوى كفاءة التحصيل والحد من التهرب الضريبي والجمركي». بالفعل فإن المرحلة مكبلة ب«تراكمات سنوات طويلة من السياسات الاقتصادية الخاطئة ومن الفساد الذي استشرى في كل مرافق وأجهزة الدولة». ولا ينتظر الشعب اليمني الموجوع في قوته اليومي, وصحته وتعليمه, ونواحي حياته المختلفة, إلا أن يمضي القرار السياسي إلى الشاطئ الذي تصفو هذه المرة دون أن تهب الغيوم مرة أخرى. هذه مرحلة تحتاج إلى الوقوف إلى جانب الرئيس هادي ما دام (بل عليه أن يكون) جادا في المضي قدما من أجل الإنسان والحياة على تربة هذا الوطن. بغض النظر عن نقاط الاتفاق أو الاختلاف, فلا بد من موقف صريح يقول للرئيس هادي «نحن معك, وكلنا في سفينة واحدة. لا لمن يريد التدمير, ولا لمن يريد إغراق السفينة». ولكن مع كل ذلك فليبق النقد وسيلة للتقويم لا مداراة فيها ولا محاباة. لا تواطؤ, وسيظل الموقف هو الموقف, من كثير من القضايا وفي مقدمتها القضية الجنوبية, ومسائل أخرى سبق الإشارة لها أيضا. سيادة الرئيس, تقبل النقد المسئول واعمل به من أي كان. امضي قدما من أجل الإنسان واليمن, كن قويا, غير هياب. اعمل ما يجب عليك فعله وتحتمه الضرورة الوطنية. من يحمل ذرة خير سيقف إلى جانبك ما دمت كذلك. ويلزم تذكيرك بأنك أخفقت في كثير من القرارات سابقا, ويحين الوقت أن تصحح ما كان خطأ, وتمضي باليمن نحو العدالة الاجتماعية ودولة العدالة والقانون. * كان حري بهذه المادة أن تُنشر الأحد الماضي لولا ظروف عارضة.. (الكاتب). عن صحيفة "الامناء" العدد 209 الصادرة اليوم تهمّنا آراؤكم لذا نتمنى على القرّاء التقيّد بقواعد التعليقات التالية : أن يكون للتعليق صلة مباشرة بمضمون المقال. أن يقدّم فكرة جديدة أو رأياً جدّياً ويفتح باباً للنقاش البنّاء. أن لا يتضمن قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم. أن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية. لا يسمح بتضمين التعليق أية دعاية تجارية. ل "الأمناء نت" الحق في استخدام التعليقات المنشورة على الموقع و في الطبعة الورقية ". الامناء نت