عندما زارتها "الخليج" قبل شهور قليلة في مستشفى دبي، كانت السيدة المواطنة "ع .ن" (75 عاماً) في وضع صحي ونفسي سيئ، وبالكاد أفصحت همهماتها وإشاراتها غير المفهومة تماماً، عن معاناتها المرض، وتقلبات الدهر، وقد أعيتها السنون، وأرهقها الاستلقاء على سرير المستشفى الذي لا تحتاجه صحياً . أما اليوم فقد بدأت آثار التحسن تظهر على صحة "ع .ن" إثر نقلها إلى استراحة دار الشواب للمسنين، بعد أن قضت تسعة شهور في مستشفى دبي تتلقى رعاية صحية لا تحتاجها، وفقاً لأطباء المستشفى الذين أكدوا آنذاك أن كل ما تحتاجه المريضة هو رعاية منزلية مناسبة، لأنها طريحة الفراش تعاني خرف الشيخوخة وعدم القدرة على الكلام، فيما وضعها الصحي بات مستقراً . وقد وجدت "ع .ن" هذه العناية في استراحة الشواب، حيث تقوم الممرضات والاختصاصيات بإجراء حمام سباحة يومياً لها، وتجوالها بين قاطني الاستراحة عبر سرير طبي خاص، كي لا تزيد العزلة والوحدة من وضعها، الأمر الذي بدأ ينعكس تدريجياً على حالتها، وتطوير قدرتها على التواصل مع المحيطين بها، حتى إنها تمكنت من إجراء مكالمة هاتفية مع أحد أقربائها . وروت ليلى عبدالله الحداد رئيسة شعبة الخدمات الاجتماعية في مستشفى دبي ل"الخليج" قصة المريضة "ع .ن"، حيث توفي زوجها منذ زمن ولم ترزق أولاداً، فعاشت وحيدة لعدم وجود أقرباء لها . ولتتمكن من تأمين مصاريف وتكاليف المعيشة، قامت بتأجير جزء من منزلها، ثم ما لبثت أن سكنت مع جارتها وصديقتها الوحيدة التي لم يبق لها من الدنيا سواها، إضافة إلى خادمة لازمتها لسنوات طويلة تقوم على رعايتها، وبقيت مقيمة مع جارتها لسنوات عديدة تؤنس كل منهما الأخرى، إلى أن توفيت الجارة، ما أثر في حالتها النفسية والصحية، وبعد أسابيع قليلة أدخلت إلى المستشفى وهي بوضع صحي سيئ . وأوضح الدكتور فاضل مصطفى عبدالله، استشاري ورئيس شعبة الأمراض الباطنية في مستشفى دبي، أنه عندما أدخلت المريضة إلى المستشفى تبين إصابتها بالعديد من الأمراض أدت إلى وهن شديد بجسدها وانخفاض بوعيها وصل إلى مرحلة الخرف، فعالجها فريق من أطباء الباطنية والجراحة، وتحسنت حالتها سريعاً، وخلال عشرة أيام من بدء العلاج باتت بوضع صحي يسمح بمغادرتها المستشفى، إلا أنها كانت بحاجة إلى من يرعاها كطفل صغير، ويقدم لها الأدوية يومياً وفق مواعيدها . وأشارت ليلى الحداد إلى أن المستشفى لم يتمكن من الوصول لأي قريب للمريضة، يقوم بتسلمها، وقد رفض أبناء صديقتها المتوفاة تحمل مسؤولية رعايتها، لاسيما أنها ليست قريبة لهم، ولم يزرها أو يلازمها سوى خادمتها، وأن مستشفى دبي استمر في أداء واجب الرعاية لهذه المريضة، من منطلق إنساني، إلى أن تم التنسيق مع استراحة الشواب لنقلها إليه . فيما أكدت خادمتها "الآسيوية" التي تلازمها منذ 16 عاماً، أن القدر قسا على هذه السيدة الطيبة، وأنها لم تكن تتوقع عندما تم نقلها إلى الاستراحة منذ شهر تقريباً أن تلحظ التقدم بحالتها واستجابة وعيها لما يحيط بها خلال هذه السرعة . ووفقاً لهيئة الصحة بدبي، فإن هناك 75 حالة مقيمة في مختلف مستشفيات الهيئة لفترات طويلة، لا تحتاج إلى خدمات علاجية، بل تقتصر الخدمات المقدمة لهم على الرعاية التي يمكن أن يقدمها لهم ذووهم في المنازل، ما يزيد من معاناة أصحابها من جهة، ويسبب تكاليف عالية وشغل أسرّة يحتاجها مرضى آخرون على امتداد العام من جهة أخرى .