رحل الموسيقار الكبير عمار الشَّريعي لأسبوع الماضي ليسدل الستار على مسيرة فنيَّة ناجحة امتدت لنحو 40 عامًا، قدَّم خلالها العديد من المقطوعات الموسيقيَّة وتعاون فيها مع عدد كبير من الفنانين. القاهرة: يبقى الموسيقار عمار الشريعي واحدًا من أهم موسيقيي جيله ليس فقط لتفرُّده في الموسيقى، ولكن أيضًا للعلاقة الطيبة التي جمعت بينه وبين غالبية زملائه ومن عملوا معه، فلم يكن الموسيقار الراحل من هواة الأزمات أو المشاكل مع الفنانين ولم نسمع يومًا أنه قدَّم لحنًا لإثنين من الفنانين على سبيل المثال. "كانت لهم مع الموسيقار ذكريات" هكذا تحدث زملائه ورفاقه ل"إيلاف" معربين عن أسفهم لرحيل الموسيقار الراحل الذي كان بمثابة الأب لبعضهم والصديق الأقرب للبعض الآخر، بينما تستعد نقابة الموسيقيين لتكريمه في حفل يقام في ذكرى أربعينه عبر حفل غنائي يقام بدار الاوبرا المصرية. وقال الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي أنه على الرغم من طول الفترة التي لم يتعاونا معًا فيها بسبب الخلاف بينهما، إلا أنه يعتزّ بالأعمال الكثيرة التي قدَّماها معًا، خصوصًا شارة مسلسل "عبدالله النديم" والثلاثية الأخيرة، موضحًا أن لقاء جمع بينهما العام الماضي في فيلته بالإسماعيلية ولا يزال يتذكر كافة تفاصيله. وأكد الأبنودي أن الشريعي كان أحد الملحنين الذين يتذوقون الشعر بشكل عام وليس الكلمات التي يلحِّنها فقط، لافتًا إلى أن الموسيقى المصرية خسرت برحيله الكثير، وفقدت واحدًا من أفضل الموسيقيين. أمَّا الفنانة عفاف راضي، فقالت أن عمار الشريعي لم يكن ملحنًا عاديًا، مشيرة إلى أن أول لقاء بينهما كان بالصدفة وتعرف فيه كل منهما على الآخر لتبدأ بعدها رحلة من الصداقة والعمل معًا حيث قدما أكثر من عمل. وقالت عفاف أن عمار الشريعي كان صاحب فكرة تقديمها أول ألبوم لأغاني الأطفال مع الشاعر سيد حجاب، حيث لحَّن الكلمات التي كتبها حجاب وسجَّلها بصوته وأصرَّ على تقديمي لها على الرغم من عدم تحمسي في ذلك الوقت لتجربة الألبوم الكامل الموجَّه للأطفال لأن رصيدي الغنائي لم يكن وقتها سوى ألبومًا واحدًا. وتشير المطربة الكبيرة إلى أن الموسيقار الراحل هو صاحب الفضل في تركيزها على أغاني الأطفال حيث قدم معها أكثر من عمل مميز ونجحت في أن تصل من خلاله إلى قلوبهم، لافتة إلى أنهم تعاونوا في أغاني الأطفال والأغاني الرومانسية وشارات الأعمال الدرامية وآخرها شارة "أوبرا عايدة". فيما كان الفنان علي الحجَّار يعتبر الموسيقار الراحل بمثابة الشقيق الأكبر له، فعلاقتهما لم تكن علاقة عمل فقط ولكن علاقة صداقة امتدت على نحو ربع قرن قدَّما خلالها عددًا كبيرًا من الأعمال الغنائية المميزة التي يعتز بها الحجار ويعتبرها من أفضل ما قدم في مسيرته الفنية. وكان صوت الحجَّار مليئًا بالشجن خلال الحديث عن وفاة صديقه، الذي بدأت علاقته به كما يروي ل"إيلاف" في نهاية السبيعنات عندما رشَّح الحجار لغناء شارة مسلسل "الأيام" الذي قدمه الفنان الراحل أحمد زكي، لتنشأ من خلالها علاقة الصداقة. ويشير الحجار إلى أن الشريعي وجَّهه خلال تقديم الأغنية وأخبره بضرورة أن يشعر المستمع بصوته وأن يتعايش مع الكلمات التي يقوم بغنائها بشكل مختلف يميل إلى البساطة وأن لا يبذل مجهودًا كبيرًا فيها لتخرج الأغنية بشكل أفضل، لافتًا إلى أن جلسات الود كانت لا تنقطع بينه وبين الشريعي وحجاب والشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي. وأضاف أنه خلال الفترة الأخيرة كان دائم التردد على الموسيقار الراحل للإطمئنان عليه في المستشفى والتواصل معه عبر الهاتف، وأن الشريعي على الرغم من الآلام التي يعاني منها بسبب مرضه لم يكن يشعر بالضيق أو الضجر من المرض معتبرًا أنه ابتلاء من الله. ويتحدَّث الحجار عن الشريعي وصفاته قائلاً: "كان رجلاً بمعنى الكلمة، ويساعد الفنانين الشباب والموهبين في مجال الغناء، ويميِّز بين الصوت الجيد والردئ، كما أنه ورث عن بيئته الصعيدية صفات التحدي والإصرار والتمسك بتحقيق الهدف مهما بلغت الصعوبات". ويواصل حديثه قائلاً: "الندم كلمة لم تكن في قاموس الشريعي، فهو لم يعرف الندم مطلقًا حتى عندما قامت الثورة ونزل إلى ميدان التحرير لم يندم على تلحينه للرئيس السابق، فهو قدم الأغنية في توقيت مختلف، ولم يعرف الندم على أي عمل قام به حتى عندما ساعد البعض وتلقى الإساءة مقابل الإحسان". ويشير الفنان المصري إلى أن تحدي الشريعي جعله قادرًا على التجديد والتنويع في الموسيقى مع اختلاف العصر ولم يكن لديه غضاضة في الإطلاع على الجديد، واستطاع أن يقدم موسيقى مختلفة. وكانت هدى عمار أحد الوجوه الشابة التي قدمها الشريعي للمنتج محسن جابر لتكون ضمن فريق الأصدقاء بعدما أعلن عن رغبته في إعادة إحيائه، بعدما قدمت له شريط كاسيت عليه أغاني بصوتها فاتصل بها لاحقًا وعرفها على المنتج محسن جابر ووقف إلى جانبها من أجل خروج البومها الأول للنور. وتشير هدى إلى أن الشريعي لم يكن يبخل عليها بمساعدتها حيث ظل يوجهها حتى تمكنت من الوقوف على قدميها في مجال الغناء، لافتة إلى أنها كانت حريصة على الاطمئنان عليه. الشريعي هو نفسه من لحن الاغنية الأولى للمطربة الشابة غادة رجب وكان عمرها 8 سنوات فحسب، حيث وقف إلى جوارها كما قالت ل"إيلاف" مشيرة إلى أن علاقاتها بالموسيقار الراحل بدأت وهي في عمر 5 سنوات وتنبأ لها بمستقبل كبير في مجال الغناء على الرغم من حداثة سنها. وقالت غادة أنها كانت تعتبر الموسيقار الراحل بمثابة والدها ولم تنسَ فضله عليها، مشيرة إلى أن هناك العديد من الذكريات الطيبة التي جمعت بينهما ولا يمكن أن تنساها. وتعرَّفت لبلبة على عمار الشريعي خلال مشاركتها في احتفال أعياد الطفولة التي كان يحرص على تقديم أغاني جديدة بها وكانت تقوم هي بغنائها، حيث جمعت بينهما صداقة جعلتها تشعر بأنها فقدت شقيقها بعد رحيله. وقالت لبلبة أن علاقتها بالشريعي لم تنقطع على الرغم من ابتعادها عن الغناء، وكانت تحرص دائمًا على التواصل معه بين الحين والآخر والاطمئنان عليه حتى أيامه الأخيرة حيث زارته قبل وفاته في المستشفى.