منذ السبعينات انعكست على اليمن ظروف سياسية وصراع دولي وإقليمي، حيث كان الشمال والجنوب حينها كدولتين خاضعتين لنفوذ ذلك الصراع وكأننا ساحتان له من قبل الدول العظمى. وفي ظل تلك الظروف نشأ المد الوهابي، وكانت الشمال مسرحاً له، وحتى أن محافظة صعدة كمحافظة تعتبر معقل الزيدية منذ أكثر من ألف عام قد قبلت ودشنت على أرضها معهداً ومدرسة تعتبر نقيضاً للمذهب الزيدي، وتعتبر هذه المدرسة «معهد دماج» أساساً هي مصدر خطر من الناحية العقائدية والفكرية ضداً على المذهب الزيدي .. فكيف مرت مثل هذه القضية بهدوء وسلام، ولم يتم التذمر والقتال معها وصولاً إلى إلغائها وإخراجها من صعدة إلا بعد أكثر من ثلاثة عقود . هل المذهب ومحاربة ما يسمى بالمد الاشتراكي الشيوعي كان هو البساط الذي مهد الأرض شمالاً لتوسعة تلك المعاهد، بالطبع المدارس الفكرية والفقهية الإسلامية لم يعرف عنها وخصوصاً المذاهب الأربعة المشهورة «الحنبلي، الشافعي، الحنفي والمالكي» ثم مؤخراً المذهب الزيدي، لم يعرف عنها أنها شنت الحروب وأشهرت سلاح التكفير بينها البين، بل تعايشت كمدارس اجتهادية في مسائل الخلاف في الفروع ولم يكن هناك تقديس أو عصمه لما يقولونه. في عصرنا الحالي تحولت تلك المدارس وخاصة التي انبعثت عن المذهب والفكر الحنبلي نسبة إلى الإمام المجتهد أحمد ابن حنبل، ولكن حتى ابن حنبل لم يأتي بمثل تلك الأفكار، ولكن اجتهاد أحمد ابن تيمية الحراني وتلميذه ابن القيم الجوزي ذلك الاجتهاد الشخصي وبناء على فهمهم في ظل ظروف القرن السابع الهجري، عصر انهيار دولة الإسلام ممثلة ببغداد والعباسية، وكانت الجهالة قد توسعت والفرق الإسلامية قد تفرعت وانتشرت الطرق الصوفية فيه بشكل كبير مما جعلها، أي الطرق الصوفية ومحاربة التتار «المغول» هي الهدف الأول لابن تيمية . اليوم تحرفت الكثير من المفاهيم والاجتهادات وتوسعت المدارس والشيوخ، وأصبح من حفظ مائة حديث شيخاً وعلامة، وأصبح في ظل غياب إشراف الدولة على التعليم الديني، أصبحت مثل تلك المدارس ومثل أولئك الشيوخ مصدر تهديد للأمن والاستقرار في اليمن، بل وأصبحت هذه المدارس عبارة عن فقّاسات للتحزب والتعصب للفكر، الذي تحمله وتعلمه ولم يعد دورها كمدارس تعلم جميع المذاهب والأفكار الدينية على أساس من المساواة والتعريف وإيضاح التنوع المتسامح للاجتهادات في إطار المعتقد الواحد . فاليوم أصبحت الرقابة واعتماد المدارس والمواد من قبل الدولة ضرورة ملحة في البداية وحالياً، حتى ينقطع المدد للتطرف والإرهاب من خلال بث أفكار تدعو إلى التكفير والقتل .. اليوم الناس في حاجة إلى نشر القيم الحقيقية والسمحة للدين الحنيف، ومذاهبه المتنوعة .. فكيف أن الذين ابتكروا هذه المدارس «المذاهب كل إمام اعترف بالإمام الآخر ولم يكفره؟ بل تعايش معه وسنوا سنة حسنة، هي رأيي صحيح يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، وكل ما قالوه هو الرأي، ولم يقولوا أن ما أنتجوه مقدس ولا يجوز مخالفته . كيف لنا اليوم أن نرى من يتبع أو يقول أنه يتبع مذهب ابن حنبل، ابن تيمية، ابن عبدالوهاب .. كيف له أن يكفر الآخر؟! بين صاحب المذهب الأصل الذي يقولون أنهم يأخذون منه لم يكفر زملاءه من الأئمة الآخرين؟ . هل اتضحت الأمور؟ إن المسألة هي سياسة في سياسة وكل دولة امتلكت المال تريد أن تفرض المذهب أو الفكر الذي تطبقه .. نحن بحاجة إلى تطبيق المدرسة الأولى للإسلام وللأئمة الأربعة ولجامعة الأزهر فيما بعد، التي لا تزال تنتهج النهج الوسطي والمعتدل. وأرى بضرورة أن تتولى الدولة مسؤولية التعليم الديني كما هو في مصر، حيث يتولى الأزهر ذلك، وفي السعودية أيضاً، حيث تتولى جامعة الإمام محمد بن سعود مسؤولية التعليم الديني، وأن تغلق الأربطة الصوفية والمعاهد السلفية والحوزات في غير مناطقها، وكذا الجامعات والكليات الدينية والحزبية، والله من وراء القصد . حياة عدن