غدا بدء العام الدراسي الجديد    خبير أثار يكشف عرض 4 قطع أثرية يمنية للبيع بمزاد عالمي    الوزير البكري يزور مسجد عمر بن الخطاب في عدن ويستنكر اقتحامه واعتقال إمامه    روسيا.. استخراج كهرمان بداخله صرصور عمره حوالي 40 مليون سنة    الأوقاف: اقتحام المساجد أمر مستنكر يسيء إلى هيبة الدولة ويزرع الفوضى ويفتح أبواب الفتنة    الحثالات في الخارج رواتبهم بالدولار ولا يعنيهم انهيار سعر الريال اليمني    أحزان الكعبة المشرفة.. هدم وحرائق من قبل أمراء مسلمين    خبير دولي يحذر: العد التنازلي للمؤامرة الكبرى على مصر بدأ    مورفي يكذب مزاعم ترامب تدمير البرنامج النووي الإيراني    مانشستر سيتي ينتظر الهلال السعودي في ثمن نهائي كأس العالم للأندية    الفزعة الإماراتية.. نخوّة وشجاعة في كل موقف    الهلال السعودي إلى ثمن نهائي كأس العالم    نادي النصر يجديد عقد الأسطورة البرتغالية كريستيانو رونالدو    في مساحة الاختلاف.. يبقى الوطن أولاً..    لماذا لن يقمع الانتقالي مظاهرات الجنوب الحقيقية؟    وزير الأوقاف يؤكد أن ما حدث لشيخ الكازمي في المسجد يعد انتهاكًا صارخًا ومرفوضًا لا يقره دين ولا قانون    امتيازات خيالية وأرقام ضخمة بعقد رونالدو الجديد مع النصر السعودي    عراقجي: لا نقبل حاليا زيارة غروسي لطهران    Fairphone تعود لعالم أندرويد بهاتف منافس    عدن تشتعل بالأسعار بعد تجاوز الدولار حاجز 3 آلاف ريال    حقيقة "صادمة" وراء تحطم تماثيل أشهر ملكة فرعونية    كأس العالم للاندية: السيتي يكتسح اليوفنتوس بخماسية ليخطف الصدارة    التكتل الوطني يحذر من تفاقم الأوضاع ويدعو الرئاسة والحكومة لتحمل مسؤولياتهما    عدن.. انعقاد الورشة التشاورية لصياغة خطط حماية المرأة ضمن برنامج تعزيز الوصول إلى العدالة للنساء والفتيات    شهادات مروعة.. معتقلون يكشفون تفاصيل تعذيبهم داخل زنازين الحوثي    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    إدارة أمن عدن توضح حول اقتحام مسجد في المنصورة وتلمح إلى الاسباب    كلمة السيد القائد بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وآخر المستجدات (فيديو)    وفاة واحد من ابرز الجيولوجيين اليمنيين    عبده شرف الشامخ بفكره وعلمه ومبادئه    مبابي يتهم باريس سان جيرمان بالتعامل معه بطريقة "غير أخلاقية"    الارصاد يتوقع استمرار هطول الامطار الرعدية على المرتفعات    الدولار يسجل مستويات متدنية وسط مخاوف أمريكية    شرطة تعز تلقي القبض على متهم بارتكاب جريمة قتل في مديرية مقبنة    استبصار وقراءة في سردية احمد سيف حاشد الجزء الثاني (فضاء لايتسع لطائر)    زينة: «ورد وشوكلاته» يكشف مشاكل الشخصيات    صفقة جديدة تثير الجدل في ليفربول.. ومخاوف من التأثير على دور محمد صلاح    من الماء الدافئ إلى دعامة الركبة.. دراسة: علاجات بسيطة تتفوق على تقنيات متقدمة في تخفيف آلام الركبة    بفاعلية الحقن ودون ألم.. دراسة : الإنسولين المستنشق آمن وفعّال للأطفال المصابين بالسكري    طرق الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة    تسجيل هزات أرضية من المياه المجاورة لليمن    من يومياتي في امريكا .. مرافق بدرجة رجل أعمال    كيف نطالب بتحسين الأوضاع    استئناف نقل النفط الخام من عقلة شبوة لكهرباء الرئيس    من يدير حرب الخدمات وتجويع المواطنين في عدن؟    فعالية ثقافية في مديرية السخنة بالحديدة إحياءً لذكرى الهجرة النبوية    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    عينيك تستحق الاهتمام .. 4 نصائح للوقاية من إجهاد العين في زمن الشاشات والإضاءة الزرقاء    5 مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم بسبب موجة الحر    تجارة الجوازات في سفارة اليمن بماليزيا.. ابتزازًا مُمَنهجًا    الشاعر المفلحي.. رافعات الشيادر روحن فوق جيل الديس    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    الحديدة و سحرة فرعون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بماذا يدين المصريون؟ - الشرق الاوسط اللندنية - مأمون فندي
نشر في الجنوب ميديا يوم 24 - 12 - 2012


مواضيع ذات صلة
مأمون فندي
لو كنت زائرا من ثقافة أخرى ولم يخبرك أهل مصر بديانتهم وحاولت أن تكتشف بنفسك من خلال لباس المصريين وسلوكهم أو ما يكتبون، من الدستور إلى الصحيفة أو ممارساتهم اليومية والفجوة بين المكتوب والممارس، ما هو دين المصريين، ستجد نفسك في حيرة كبيرة في تحديد ديانة المصريين وستجد صعوبة بالغة في الوصول إلى نتيجة مقنعة لا لذاتك فقط وإنما نتيجة يمكن شرحها للآخرين من حضارات أخرى بشكل منطقي متماسك. أعرف أن سؤال: بماذا يدين المصريون؟ هو سؤال بديهي وبسيط، إن الإجابة عنه واضحة وضوح الشمس لأصحابها ممن لا يرون التناقض بين سلوكهم والقيم التي يدعون التمسك بها، ولكن لمن يبتعد خطوة عن كونه ممثلا في المسرحية ذاتها ستكون الإجابة عن السؤال صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة. أما محاولة سبر أغوار الظاهرة في كيف ولماذا فهذا أمر شديد التعقيد ويحتاج إلى بحث طويل ليس محله مقالا في صحيفة. أبدأ محاولة الإجابة عن السؤال ب«ماذا يدين هؤلاء؟» من خلال تحليل بسيط لمجموعة من الأمثلة التي نحاول أن نستشف من خلالها ديانة المصريين. وأبدأ بالجسد كلوحة إعلانات عن الهوية. ثم بعدها أتطرق للفجوة بين القيم التي يدعي الناس أنها تحكم سلوكهم وممارساتهم اليومية، ثم أنتقل إلى موضوع الدستور كوثيقة قد تعكس دين هؤلاء ثم الدين التلفزيوني وعلاقته بخليط الديانات في المجتمع أو التنوع المربك داخل الديانة الواحدة.
يعتبر الجسد في كل الحضارات لوحة الإعلانات الأولى التي نتعرف من خلالها على هوية الأفراد ودياناتهم، فقلنسوة السيخ الزرقاء توحي بأن الرجل يدين بديانة السيخ، وكان الطربوش في تركيا يحدد الهوية الإسلامية، ولما أتى أتاتورك أزال الطربوش من على رؤوس الأتراك لبناء هوية علمانية، وكان ماو تسي تونغ يطالب بالبدلة الزرقاء كلباس جديد لثورة ثقافية جديدة في الصين. باختصار وفي كل الحضارات يبقى الجسد هو لوحة الإعلانات الأولى المحددة للهوية، كالجلباب الأبيض في الخليج، ونوعية الغترة والعمامة في الصعيد والسودان، إلى آخر تلك العلامات الأولية الكاشفة عن الهوية. إذا أخذنا الجسد كلوحة إعلانات للتعرف على ديانة المصريين، سيصاب المرء بالحيرة في تحديد تلك الهوية. فمثلا أصبح غطاء الرأس بالنسبة للمرأة في مصر هو وسيلة تعبير عن الهوية الإسلامية، فإذا ما كنت قادما من حضارة أخرى ولفحتك الحجب عند وصولك للقاهرة مثلا فقد يصيبك ذلك بالارتباك، فمنها غطاء الرأس الكامل ومنها ما هو نصف غطاء ومنها ألوان مختلفة من المزركش إلى الأسود إلى الأزرق ومنها ما هو كاس للوجه والرأس والرقبة والصدر ومنها ما هو حاسر عنها، ولا تدري بأي ديانة يدين هؤلاء؟
أما إذا ما نظرت أسفل الرأس إلى بقية الجسد فقد تلمح جلبابا أحيانا أو سروالا من الجينز الأزرق الملتصق بالجسد وحذاء يبرق أو من نوع الكعب العالي وحزاما لا تدري هل هو من نيويورك أم من باريس. هذا فيما يخص المرأة، أما الرجل فالقصة تبدو أكثر تعقيدا، إذ بدا من المتعارف عليه الآن أن وجه الرجل كلوحة إعلانات هو المحدد للهوية، فمثلا هناك نوعية من الرجال من تجد على جبهته علامة سمراء أحيانا على شكل دائرة كبيرة وأحيانا أخرى على هيئة بقعة سوداء في الجبهة، أو خط أسود إلى آخر تلك العلامات التي تسمى في مصر بالزبيبة، وهي إشارة إلى أن صاحبها كثير السجود. والظاهرة هذه مصرية بامتياز؛ حيث لا توجد في إندونيسيا التي بها غالبية المسلمين أو في مسلمي بقية البلدان العربية أو في مسلمي الهند إلخ.. إلخ. ويقال إن هذه العلامة تصنع كما الوشم عن طريق ربط ليمونة ساخنة على الجبهة، شيء أشبه بالتاتو عند الغربيين. ثم يتبعها من علامات الوجة لحية، أحيانا يتبعها شارب، وأحيانا أخرى لا يتبعها، وكما الحال في المرأة ترى هؤلاء في المظاهرات وقد لبس بعضهم السروال الجينز وال«تي شيرت» بعلامة شركة من شركات ملابس الرياضة، فلا تدري هل هذه اللحية تدل على تدين أم هي مجرد لحية كما كان يفعل شباب كاليفورنيا في زمن الهيبيز؟
باختصار، لا تستطيع من خلال الملبس أن تعرف ديانة هؤلاء، وتزداد العملية تعقيدا عندما ترى بعضهم يلبس بدلة أو جلابية من جلابيب أهل الخليج المتنوعة أو جلبابا محليا كجلباب أهل القرى في الصعيد والدلتا، أي أن المظهر بتناقضاته بين ما هو غربي وشرقي على لوحة الإعلانات ذاتها أو ذات الجسد لا توحي بحضارة واحدة أو ديانة واحدة، هي خليط بين هذا وذاك يظنه أهل البلاد علامة هوية رغم أن هذا الخليط يكون مربكا لمن هم من حضارات أخرى من حيث فهم هوية هؤلاء.
أما عن الفجوة بين القيم المدعاة والسلوك، فحدث ولا حرج، فبينما مثلا تدعي جماعة أبو إسماعيل أنهم يتبعون السلف الصالح والدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة لا يفوتك أن تلاحظ أنهم يلقون الناس بالحجارة أمام مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية ويضربون الشباب ويسحلونهم أمام الاتحادية وأمام مبنى المحكمة الدستورية، فما هي علاقة الحكمة والموعظة الحسنة المدعاة بحجارة الممارسة وسكاكين الممارسة ومولوتوف الممارسات اليومية؟ كيف لمظهر يتمنى أن يعكس هوية إسلامية هو في سلوكه لا يمت لمبادئ الإسلام بصلة؟ أين القبول بالآخر في مبدأ من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟ وأين اللين والحكمة والموعظة الحسنة في شج رؤوس من خالفك الرأي؟ وأين طيب القول في قذف المحصنات وكم من الرجال ...؟ إن الحديث عمن هم في التحرير إذا ما استمعت إلى كثير من القنوات التي تدعي أنها دينية في مصر هو حديث فاضح ويخدش الحياء وليس هناك علاقة بين نوعية الألفاظ المستخدمة في تلك الأحاديث وما يدعو إليه الدين الإسلامي من خفض الصوت واتباع اللياقة الاجتماعية وعدم التعرض للناس بالأذى اللفظي أو الجسدي، لا علاقة للقيم المدعاة من قبل هؤلاء وممارساتهم اليومية. إذا ما كنت قادما من ثقافة أخرى إلى مصر وتابعت ما يفعل هؤلاء وما يقولون فأنت أمام أمرين: الأول هو أن هؤلاء لا يدينون بأي ديانة معلومة لدى أنواع البشر المختلفة، وإذا ما أصر هؤلاء على أنهم مسلمون، وأنت لا تعرف الكثير عن الإسلام وقيمه السمحة فليس أمامك إلا أن تلصق سلوك هؤلاء بالإسلام، ويصبح تعريف الإسلام عندك محكوما بسلوك هؤلاء، فليس لديك وقت لقراءة التفاصيل، أنت كغريب تكون صورة عن دين هؤلاء من خلال حاصل جمع مجموعة السلوكيات التي شاهدتها من مديات وسكاكين يشهرها البعض في وجوه خصومهم أو من شتائم تسمعها أو من دعوة إلى تكفير هذا وقتل ذاك، هذه هي الصورة التي ستكونها عن دين هؤلاء سواء أعلن هؤلاء أن دينهم هو الإسلام أو المسيحية أو البوذية.
أما إذا قرأت وثيقة كتبها المصريون مثلا مثل دستور بلادهم بعد ثورة يناير، فلن تجد فيها ما يعينك على معرفة قيم هؤلاء، فهو ليس دستورا إسلاميا وليس دستورا مدنيا كالدساتير الأوروبية، لا هو مع كل صحيح الإسلام ولا مع كل صحيح العلمانية الغربية، هو خليط مقزز من الاثنين، إذا ما اجتمعا كانت المحصلة أسوأ ما في الحضارتين. أما ممارسات الحكم الذي يدعى أنه إسلامي فأول ما يلفت نظرك أن حكومة الرئيس مرسي زادت الضرائب على الخمور ولم تمنعها، وزادت الإتاوة على كازينوهات القمار في مصر ولم تمنعها، رغم أن القيم المدعاة لحكومة مرسي أنها حكومة إسلامية إخوانية، فهل يؤمن الإخوان فقط بزيادة الضريبة على القمار والخمر بينما الإسلام الذي يدعون التمسك بقيمه يحرمها؟ بعد أن تلاحظ تناقضات كهذه، وهناك مئات الأمثلة على كل منها، لا يتسع المجال لذكرها، تخرج من مصر وأنت تسأل نفسك: يا ترى، ما هو دين هؤلاء؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.