ليبيا بعد عامين على التغييربعد عامين من سقوط نظام معمر القذافي الدكتاتوري، وانتخاب برلمان، وفوز حكومة منبثقة عنه بالثقة، مازالت الأوضاع في ليبيا تسير في دائرة العنف نفسها في ظل بقاء السلاح في ايدي الميليشيات. الدول الغربية، والولايات المتحدة في وجه الخصوص، التي أرسلت طائراتها وخبراءها العسكريين للمساهمة في حملة عسكرية لاطاحة النظام السابق لا تريد ان يعرف العالم حقائق ما يجري على الارض من انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال القتل، وغياب شبه كامل للخدمات. فعندما تقتحم مجموعة مسلحة أحد المعتقلات لتحرير عدد كبير من الضباط المعتقلين المتهمين بأعمال قتل، وتجري بينهم وبين الحراس معركة يقع ضحيتها أربعة أشخاص يوم أمس الأول في مدينة بنغازي، فان هذا يعني غياب اي امل للقانون، وانهيار لهيبة الدولة، هذا إذا وجدت. ولعل ماهو أخطر من ذلك اعتزام السلطة الليبية اصدار قانون يمنع فتح قضية مقتل اللواء عبد الفتاح يونس قائد قوات الثورة الليبية أمام المحاكم المدنية أو العسكرية، وبالتالي التحقيق مع المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق أحد المتهمين في هذه القضية. ليبيا الجديدة باتت بدون قضاء، ولا مصالحة وطنية، وتخضع لسلطة الميليشيات المسلحة، والجماعات الجهادية المتشددة، بينما تزداد السلطة المركزية ضعفا، وتنحصر سيطرتها على معظم أنحاء البلاد. لم تفاجئنا الأخبار التي تحدثت عن تحول مدينة درنة إلى إمارة اسلامية، تطبق فيها الشريعة الاسلامية ، ولم نستغرب تحول مصراتة الى دولة داخل الدولة، ولم نر جديدا في اعلان مناطق الجنوب الليبي منطقة عسكرية مغلقة في محاولة يائسة لمنع تسلل عناصر مسلحة اليها بعد ان باتت مرتعا لها. ندرك جيدا ان ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، وان النظام الجديد ورث ارثا ضخما من الدمار وانعدام المؤسسات وهياكل الحكم، ولكن هذا لا يبرر حالة الفوضى الحالية واستفحال الفساد، وعدم تقديم أبسط الخدمات للشعب. فكيف نفهم وجود أكثر من عشرين الف مريض ليبي، يتلقون العلاج في الأردن من أمراض بسيطة يمكن علاجها في عيادات متنقلة، ثم لماذا لم يتم بناء هذه المستشفيات في ليبيا واستقدام الأطباء الليبيين أو العرب للعمل فيها، خاصة ان الدخل الليبي من العوائد النفطية يزيد عن ستين مليار دولار سنويا؟ المستقبل لا يبعث على التفاؤل، فقد اعترف وزير الداخلية التونسي بأن قوات أمنه اعتقلت مجموعة (ارهابية) تنتمي الى كتيبة عقبة بن نافع تلقت تدريبا على أعمال العنف في ليبيا، واعترف الوزير أن هناك قواعد للجماعات الجهادية في تونس وليبيا. النخبة الحاكمة في ليبيا لم تنجح حتى الآن في اخراج البلاد من أزماتها ، وتخيب بذلك آمال الشعب الليبي الذي ينتظر نظاما بديلا أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق طموحاته في حياة أفضل.