من المعروف أن أي تسرب أو ارتفاع في معدل أحد الغازات السامة في معامل قطاع النفط والغاز يؤدي إلى نتائج غير محمودة، وفي جامعة الإمارات نجح فريق بحثي مكون من اربعة أساتذة وثلاث طالبات مؤخراً في صناعة أول محلل غاز ثاني أكسيد الكربون، مهمته حماية العاملين في تلك الحقول من التعرض لهذا الغاز السام، وللتأكد من عملية تنقية الغاز الطبيعي منه بصورة كلية قبل استعماله، حيث تستخدم في العادة أجهزة رصد وتحليل مكلفة وقصيرة العمر، وقد تعطي نتائج غير دقيقة في بعض الأحيان، وهو ما دفع الطالبات إلى تطوير جهاز أكثر دقة لرصد وجود الغازات السامة، يتميز بالسعر الاقتصادي والاستخدام العملي والنتائج الدقيقة . يتكون فريق الباحثين القائمين على المشروع من الطالبات أفراح العامري وجوزفين أنور وفاطمة عبدالله من قسم الكيمياء، والأساتذة سيد مرزوق، أستاذ الكيمياء التحليلية، ومحمد المرزوقي، أستاذ الهندسة الكيميائية، ومنى بوفروشة استاذة الكيمياء، ومحمد العزب من قسم الكيمياء . حول كيفية بداية المشروع يؤكد د . سيد مرزوق أنه عام 2006 ويقول: بعد أن حصلت وزميلي الدكتور محمد المرزوقي على مشروع بحثي مدعوم من مركز التعاون الدولي الياباني للبترول، يقوم على دراسة إمكانية استخدام الأغشية البلاستيكية في تنقية الغاز الطبيعي من الغازات الحمضية السامة، ولإجراء التجارب اللازمة لذلك كان يتعين علينا شراء أجهزة تحليل الغازات مثل أجهزة تحليل غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز كبريتيد الهيدروجين، لفت نظرنا ارتفاع سعر هذه الأجهزة التي قد يصل سعر أحدها إلى 30 ألف دولار أمريكي، إلى جانب أنها لو تعرضت للتلف، وأردنا استبدال إحدى قطع الغيار المكونة لها نتحمل تكاليف أخرى لا تقل عن 11 ألف دولار، كما يصعب إصلاح أية قطعة عطل فيها إلا عبر الشركة المصنعة لها . وحول مهمة الجهاز الجديد، تقول الطالبة أفراح العامري: يتولى هذا الجهاز عملية قياس تركيزات الغازات المهمة في العمليات الصناعية والبترولية، مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وغاز كبريتيد الهيدروجين، وغاز ثاني أكسيد الكبريت، بحيث تكون قليلة التكلفة وفي متناول الأيدي، ويمكن أن ننتجها على مستوى تجاري، فنسهم بذلك في تعزيز اقتصاد المعرفة الذي تسعى رؤية أبوظبي الاقتصادية 2030 إلى تحقيقه، مع التركيز على ضرورة أن تكون هذه الأجهزة المراد إنتاجها متطورة عن الموجودة في الأسواق، وتعكس قدرتنا على الإبداع . وعن مراحل المشروع تؤكد الطالبة فاطمة عبدالله: أولها كانت مرحلة إيجاد الفكرة والتأكد من إمكانيتها واختبارها عبر الدراسة المختبرية في مختبرات كلية العلوم والهندسة في الجامعة، الأمر الذي استغرق عاماً بأكمله تكللت جهودهما في النهاية بالنجاح، فسارع الباحثان الدكتور سيد مرزوق ومحمد المرزوقي إلى حماية فكرتهما وحفظ حقوق ملكيتها عبر تسجيلها في مكتب حقوق الملكية الفكرية في اليابان، وتولت الجامعة ومركز التعاون الياباني البترولي النفقات، علما أن الفكرة التي سجلت كانت تتعلق بمحلل غاز ثاني أكسيد الكربون، أما محلل غاز كبريتيد الهيدروجين فقد تولت لجنة أبوظبي لتطوير التكنولوجيا "برنامج تكامل"، عملية تسجيلها في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وسيتبعها العمل على تسجيل حقوق ملكية للمحلل الثالث الخاص بغاز ثاني أكسيد الكبريت . ويقول الدكتور محمد المرزوقي: كل محلل من المحللات الثلاثة يختلف عن غيره تماماً كما تختلف ماهية الغازات نفسها عن بعضها البعض، ومثلاً يعمل محلل غاز كبريتيد الهيدروجين للحصول على جزيئات كبريتيد الهيدروجين بشكل مستمر من تيار الغاز الطبيعي، ومن ثم تفاعلها مع محاليل قاعدية مؤكسِدة، لإنتاج كمية كبيرة من الحرارة نستطيع من خلالها تحديد نسبة كبريتيد الهيدروجين في تيار الغاز، فنستفيد من ذلك في العمليات الصناعية وفي الدراسات البحثية . ويؤكد الدكتور محمد العزب: انتهينا من المرحلة الثانية لمشروعنا، والتي تهدف إلى تجميع الأجزاء المكونة لأجهزة المحللات الثلاثة، وتركيبها لتصبح أجهزة عملية محمولة سهلة الاستخدام، ويمكن تسويقها تجاريا، ولا تقل هذه المرحلة أهمية وصعوبة عن سابقتها لأن إيجاد علاقة تكاملية تفاعلية صحيحة بين أجزاء الجهاز أو المحلل وتصغير هذه الأجزاء، وضمها في قالب أو شكل مناسب ليس بالأمر السهل، ومن أجل ذلك شرعت الدكتورة منى بوفروشة والدكتور محمد العزب بالمساعدة . وعن نتائج التجارب، يقول الدكتور المرزوقي: بعد أن عملنا لمدة 10 أشهر في تركيب أول الأجهزة المحللة الثلاثة وهو محلل غاز ثاني أكسيد الكربون، وأصبح هذا الجهاز بشكله النهائي ونسخته المحمولة قادرا على تقديم قراءات مستمرة ودقيقة لنسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في تيار غازي ولمدة تصل إلى 16 ساعة، تم إرسال هذا البحث إلى مجلة علمية عالمية متخصصة . وحول المكونات الأساسية لمحلل غاز ثاني اكسيد الكربون، تقول الطالبة جوزفين أنور: يتكون محلل غاز ثاني أكسيد الكربون من غرفة تحتوي على محلول منظم مخفف يسري بفعل الجاذبية، ما يعني الاستغناء عن المضخة اللازمة لنقل المحلول، فأصبح الجهاز أخف مما هو عليه وتكلفته أقل، كما تم استحداث خلية سريان مبتكرة لقياس التغير في درجة الحموضة نتيجة امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وعبر هذه الإشارات المرسلة من هذه الخلية يمكن التعرف إلى تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغاز الذي يمر فيه وبعدها قمنا بتجميع أجزاء محلل غاز كبريتيد الهيدروجين . واستحداث نسخة محمولة منه، حيث سيكون العمل في هذا الجهاز أصعب من سابقه لأن غاز كبريتيد الهيدروجين أكثر خطورة وسمية من غاز ثاني أكسيد الكربون، فلا بد من اتخاذ الإجراءات المناسبة أثناء العمل للوقاية .