أكد وزير المياه والبيئة اليمني عبد السلام رزاز أن البديل الأمثل لمعالجة أزمة المياه لن يكون إلا بالاعتماد على التحلية من البحر، ونسف الاعتقاد التاريخي لدى المواطنين عن أهمية السدود في تغذية المخزون الجوفي للمياه، وأعلن عن مشروع لتحلية مياه تعزإب بكلفة 300 مليون دولار بتمويل كامل من السعودية. وفي حواره مع «البيان» أوضح الوزير أن الأزمة التي تعصف بالمدن حالياً سببها خروج منظومة الكهرباء الوطنية عن الخدمة بفعل الاعتداءات، وانعدام مادة الديزل لتشغيل مضخات المياه للاحياء، وشكا من غياب الإجراءات العملية لوقف الاستنزاف والحفر العشوائي للآبار، كما طالب بوقف زراعة القات وغيره من المزروعات التي تتطلب كميات كبيرة من المياه، والاعتماد على معالجة مياه الصرف الصحي لتغطية احتياج الزراعة، وأعمال البناء والإنشاءات. وتاليا نص الحوار: متى يصبح الماء من أولويات الدولة؟ أشكر اهتمامكم بهذا الموضوع وهو الأخطر على الصعيد المحلي، ويفترض أن تكون المياه، قضية البلاد الأولى . بينما الواقع يشير أن الأولوية في هذه المرحلة الانتقالية للسياسة. ولهذا فإننا مهما رفعنا أصواتنا وبذلنا من جهود، ورغم استقطابنا للكثير من المساعدات لقطاع المياه، إلا أن الدولة لاتستطيع أن تضع المياه في سلم أولوياتها حاليا. وبلدنا شبه جاف، ونعاني جفافا وسبحان الله غيرنا يعاني من الفيضانات. ومشكلة المياه في العالم ذات وجهين، جفاف أو فيضانات. هل تعتقد أن الوضع يحتمل انتظار الناس حتى بناء الدولة الاتحادية وإعادة هيكلة الجيش، بينما المؤشرات تؤكد إمكانية الانزلاق نحو حرب مياه بين السكان؟ دعني أكون صريحاً معك، ما هو المرصود للمياه عشرون مليار؟، وهي لا تصل إلى واحد في المائة من الموازنة العامة، وهذا المبلغ يتعلق بالتزامات سابقة، ومع هذا لم يصرف حتى الآن. لماذا لم يصرف؟ يقال إن الحكومة لا تملك سيولة؟ الحكومة تملك السيولة لكنها تصرف على القبائل، ومفجري أنابيب النفط ؟ هذا الموضوع يوجه لوزير المالية، فاذا كان يصرف مثلما قلت ولا يصرف مخصصات البنية التحية، وهي بالحد المعقول فتلك كارثة، ولا أعتقد أن وزير المالية يتصرف هكذا، فأنا أعرفه فهو حريص جدا ونزيه للغاية. الناس في العاصمة بدون ماء من أربعة أشهر بينما المؤسسات المحلية تبيع مخصصاتها من الديزل بالسوق السوداء، والمضخات لا تعمل ما رأيك ؟ إذا كانت المؤسسات المحلية تبيع الديزل بالسوق السوداء فيجب تقديم دليل على ذلك حتى تتم محاسبة المسؤولين فيها. وصحيح المناطق التي لا ترتبط فيها المضخات بالشبكة العامة للكهرباء، تعتمد على المولدات وعندما ينعدم الديزل فهي تتوقف. وبشكل عام المياه مرتبطة بالكهرباء. وعندما تنقطع الكهرباء يتوقف ضخ الماء، وعندما ينقطع الديزل يتوقف الضخ أيضا، وإذا استمرت مشكلة الكهرباء فإن مشكلة المياه سوف تفجر الأزمة. وقد حاولنا منذ عام 2011 أن نعيد الخدمة إلى ماكانت عليه، ولا أريد المبالغه فقد نجحنا في تحسين الخدمة بل وأعدناها كما كانت. عندما تسملت الوزارة كان الصراخ في كل مكان وكل حارة ومدينة، وفي عام 2013 تراجع الصراخ إلى نقطة الصفر، واعتبرت تلك معايير أقيس عليها فأعدت أن الخدمة إلى ماكانت عليه، وفي هذا العام لم أتلق أي اتصال. غلاء الماء كيف لم تصلك شكوى واحدة وعبوة سيارة بيع المياه في صنعاء بلغت ثمانية آلاف ريال؟ ممكن أن يصل المبلغ إلى أكثر من الذي ذكرته، فعندما ينعدم الديزل أو تنقطع الكهرباء فالمواطن مضطر أن يشتري ولو بالغالي. هل من المعقول إلا توفر لكم الحكومة كميات كافية من الديزل لتشغيل مضخات مياه الشرب ؟ مؤسسة المياه خدمية تدار عبر السلطات المحلية، ونحن في الوزارة نرسم سياسات ونشرف ونراقب فقط. وقد ساعدنا تلك المؤسسات لتعتمد على نفسها، والجميع قد لا يعرف حجم الدعم الذي يقدم للكهرباء من الدولة فهي أرقام خيالية، أما ما يقدم للمياه، فهي أرقام نستحي أن نتحدث عنها. ذلك يؤكد أن الحكومة غير مهتمة بقضية المياه في المطلق ؟ نحن في المرحلة الانتقالية حاولنا أن نجعل المؤسسات المحلية تعتمد على نفسها، وكل ما أريده هو الديزل، لا أريد من وزارة المالية ريالاً واحداً، وكل ما أريده من وزارة النفط، أن توفر الديزل وأنا أشتريه، حتى لا تنقطع خدمة المياه. بمعنى أني كمؤسسة محلية للمياه أنا أشتري الديزل لكن الديزل غير موجود، بينما غيري يأخذ ديزل حتى دون أن يدفع!. وتواصلنا مع وزارة النفط خلال الفترة الأخيرة، فوفرت كميات ليست كبيرة. كيف يمكن معالجة مشكلة المياه في اليمن ؟ بلدنا شحيح في المياه، والمزارع وصاحب المصنع وجميع الأعمال الإنشائية وكذا الشرب كلها تعتمد على المياه الجوفية، وهذا أمر خطير، فلا توجد دولة تسحب من المياه الجوفية إلا للضرورة، أما نحن فنسحبها للزراعة وللمنشآت وللشرب ولكل شيء. وإذا استمرينا على هذا النهج فإننا سنصل إلى مرحلة لانجد فيها مياه للشرب. وماهي استراتيجتكم ؟ لدينا استراتيجية للمياه صدرت عام 2005 وأخرى للبيئة فالأولى ترتكز على مجموعة حلول، أولها أن نذهب نحو التحلية لانقاذ المدن الساحلية وعلى رأسها تعزوإب وعدن والمهرة ،أما صنعاء فستدخل بمشروع التحلية مستقبلا، لأن بإمكانها أن تكافح لخمسة وعشرين سنة إضافية. ولدينا مصادر مياه في شرقها وغربها وفي جنوبها. وهناك دراسة يمولها البنك الدولي لتقييم كميات المياه في تلك الأحواض، من أجل تغذية العاصمة بالمياه لأن الآبار القائمة اليوم نصفها جف. القات كارثة التغذية للشرب فقط، كيف ستواجهون زراعة القات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه الجوفية ؟ القات في صنعاء كارثة، لأنه يسحب من حوض صنعاء60% من المياه، وصنعاء يفترض أن يتوقف زراعة القات فيها ،أو ان تقلع بقرار حاسم. وهناك زراعات بالحوض يفترض أن تمنع، مثل الحمضيات، الخضار، أي زراعة تحتاج لكميات كبيرة من المياه يفترض أن توقف. لكن ليس بأيدينا أي شيء! لدينا تعاون مع وزارة الزراعة لكنها لا تستطيع السيطرة على المواطن. وفي إطار استراتيجية التحلية، لدينا مشروع تحلية مياه تعزإب بكلفة 300 مليون دولار بتمويل كامل من المملكة العربية السعودية. وسيتم الأعلان قريباٍ عن البدء بالعمل بهذا المشروع الذي عملنا عليه مدة سنتين، إذ إنني أتيت إلى الوزارة وهو في الصفر، ووصلنا الآن إلى نتيجة مضمونة مائة بالمائة .. يقال إن مشروع تحلية مياه تعزوإب سينجح لقرب المدينتين من البحر، بينما التحلية لصنعاء سيكون مكلفاً وغير ناجح نظرا لبعد المسافة مارأيك؟ قلت إن صنعاء ستمول من المناطق المجاورة إلى نحو خمسة وعشرين عاما، وخلال هذه المدة سنحصل على تكنولوجيا رخيصة للطاقة ومشكلة التحلية الآن تتمثل في توفر الطاقة لضخ المياه. وعندما تضخ المياه من الحديده إلى صنعاء بارتفاع من ثلاثة إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة متر تحتاج لطاقة كبيرة، وذلك سيضاف على فاتورة المستهلك. لكن بعد خمس وعشرين سنة ستكون هناك تكنولوجيا رخيصة وسيصل معها سعر المتر المكعب من المياه ليصبح أرخص من قيمة سيارة المياه التي تباع حاليا، وعندي أمل وثقة كبيرة جداً. والخيارات الأخرى للحفاظ على الأحواض، أن تمنع الزراعة التي تحتاج لكميات كبيرة من المياه، وفي مقدمتها القات. وأن تقام محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في ري المزروعات، والإنشاءات لأن تكلفة المعالجة ستكون عالية جدا. وما يتم الآن هو ري المزروعات خصوصا في صنعاء بمياه الصرف الصحي دون معالجة وتلك كارثة صحية وبيئية، فمحطة المعالجة الموجودة حاليا أقيمت بدون أفق، فقد بنيت لأربعمائة ألف شخص، بينما سكان العاصمة اليوم ثلاثة ملايين نسمة وكان يفترض عند بناء المحطة أن يترك لها مساحة لتستوعب مخرجات مليون ونصف المليون شخص، وهنا يظهر سوء التخطيط غير الاستراتيجي ووصلنا الآن إلى نتائجه السيئة.. وماذا لديكم من بدائل أخرى ؟ أبرز البدائل مياه الأمطار، إلا أن الناس تعتقد أن السدود تغذي الأحواض الجوفية وذلك غير صحيح، وأتحدى خبراء الدنيا، ليقولوا لنا كم يغذي سد مآرب المخزون الجوفي! .ومايحدث في سدودنا أن طبقة طينية ناعمة تتراكم لتسد المسامات فورا، ولاتسمح بتسرب المياه إلى جوف الأرض مطلقا. وتقع اليمن في منطقة درجة حرارتها عالية، و80%من مياهها تتبخر. وعندما نقيم سدودا تخزينية فكأننا نجمع المياه لتتبخر. وعليه فإن فكرة السدود غير مجدية، وهي مطلوبة فقط للري المباشر. أي أن تجمع مياه الأمطار عند نزولها وتستخدم لري المزروعات بعد أيام من توقف المطر. والسدود القديمة كانت تحويلية وتتميز بقنواتها، وكانت تستخدم للري وليست تخزينية، لذا كانت اليمن السعيدة. وسد مأرب ملآن بالطمي وتتجمع المياه فيه لتتبخر، فالسد ليست لديه قنوات تصريف. عجز أشار الوزير رزاز إلى أن العجز السنوي من المياه باليمن يبلغ مليار وخمسمائة مليون متر مكعب، فهي تستهلك ثلاثة مليارات وخمسمائة مليون متر مكعب سنويا. والتعويض من الأمطار ملياران، أي السحب من الاحتياطي نحو مليار ونصف المليار، وسنصل يوما لمرحلة الصفر. البيان الاماراتية