محمد نجيم (الرباط) قدّم الفنان التشكيلي المغربي زين العابدين الأمين، مؤخراً برواق مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية بالرباط، أحدث لوحاته الفنية التي أنجزها خلال السنوات القليلة الماضية. واللوحات هي منجز فني مُغاير عبّر فيه عما يختلج ذات الفنان وتحفر في أعماقه ويعتمل فيها، وهي لوحات جمعت حولها الكثير من عشاق الفن وكتبت حولها العديد من الرؤى والمُقاربات. كما أنها لوحات تأخذنا إلى «نوستالجيا» والحنين إلى زمن الفوتوغرافيا البطولي المرتبط باللونين الأبيض والأسود اللذين يكتسحان أرضية اللوحات بانسياب وتناغم شاعري وبتكافؤ سجالي منذور لتناغم الامتلاء والفراغ، على حد تعبير الناقد الجمالي بنيونس عميروش، خلال افتتاح المعرض الذي أضاف أن أعمال هذا الفنان «نادراً ما ينضاف الأحمر أو الأزرق إليها بحسبان التذكير بفعالية التلوين وجدواه، في الوقت الذي نعي فيه أن الأبيض والأسود ينصرفان من دائرة الألوان، ولذلك يتخذان الحياد. أليس هو الحياد الذي يجعل الأعمال مدفوعة لتندمج في ديمومة تجريبية تتطلع إلى استدراج مفاتن النور ونقيضه». في هذا السياق تنبعث، في تجربة زين العابدين الأمين التجريدية اللاشكلية عامة والمُفعلة بحركية اليد، وهي تُهيكل التضادات القصوى، ضمن توزيع فضائي يتوخّى التوازن البصري بقدر ما يقيم توليفات عفوية في المظهر ومحسوبة في العمق، الدرجات الضوئية وفاصلها المنتعشة بين انقشاع وانطفاء، إنما هي سيرورة لمعالجة مفهوم الشفافية المتفاعلة بين الخلفية العذراء (بياض القماشة الأصلي) ومادية اللون كعجينة صباغية من جهة، وكسيولة مائية (اللون) من جهة أخرى، من المادة ذات البروز الخفيض إلى الماء إذن، تتخذ الشفافية مجراها، بينما (الإحاطات) وحواشي الأشكال ترسم لتفاعل كيميائي بين الكلّ. وبحسب عميروش، فإن في أعمال هذا الفنان «تتنوع المادة من القماشة إلى الخشب المستعاد من طبيعته التجزيئية (قطع طولية) والمتلاشية. هذه الأخيرة تخضع للمعالجة والتجمع المتجاور، في تواز رائق مع تحميل العلامات المنتصبة والممتدة نحو الأعلى، ضمن تناسلية تحيل على خصوبة ولودة، حيث الحياة تتعدى دلالة الإشارات الخطية الواقفة والمتكررة، لتشمل دينامية التشكيلية الموجهة بإيقاع حركي يستجيب لصدى الذات المحمومة، وهي تنقش أنفاسها عبر وقع الفرشاة العريضة والمتناغمة مع كل شهيق وزفير. بذلك تنطبع تجريدية الجسد المتراقص والمتماهي مع طقوس الحك والدعك، واللمسة المسترسلة والمراوغة ما يدفع بنا لاستدراك «الصور» الكامنة في عمق اللوحات، خصوصاً الدائرية منها». تلك هي ميزة الأسناد الدائرية عند الفنان زين العابدين الأمين، فسرعان ما تقحمنا في مشهدية جغرافية بديعة، تدعونا لقراءة الأرخبيل واليابسة المُستعارة من النتوءات المادية، والمصاغة بشاعرية معيارية تنتصر خلالها الخفة في مقابل الثقالة المقصية. فالخفة في هذه الحال، تظل جوهر الأسلوب القائم على تقشف لوني وشكلي ملحوظين، حيث الشكل نفسه ينصاع للتفجير بتداخل الضربات الخاطفة والمتعاقبة في تذويب حدودها، لتوسيع مجال توليف العلاقات السلسة بين مجموع أركان المساحة التي لا تكاد تخلو من هبوب الفراغ، وكأننا في حضرة الاختزال التعبيري الموصول بقصائد «الهايكو». إن المتأمل لأعمال الفنان زين العابدين الأمين، ينشدّ بكل حواسه، ليكون في لحظة الوجد الصوفي، ويدخل في طقس احتفالي تتناغم فيه الألوان مع إشراقات ساحرة تمنح الفرح والانتشاء، وتزرع السؤال في المتلقي، برقصات على إيقاع الألوان. الاتحاد الاماراتية