كل دروب التاريخ في مصر القديمة تقودك إلى الأزهر، ولما توارت الفرعونية خلف حجب العصر، انبثق أمل جديد تشعبت مشاهده في قباب منارات الحضارات، ولد الأزهر من قلب الخلافة الفاطمية على يد المعز لدين الله الفاطمي، واحتشد في سمائه الكوكب الدري واستعصى على حوادث الأيام أن تثنيه عن بلوغ ما أراد أن يبلغ، كل الجبابرة كانت وجهة الشر فيهم نحو صوب الأزهر، دخل نابليون بخيله بهو الجامع العريق يبغي تمزيق عمائمه، فسقطت غايته وتجلت للعمائم أضواء تلتقيك في أدغال أفريقيا ومن وراء بحار بلاد جاوة بإندونيسيا وبلاد الملايو بماليزيا، وللأزهر في كل فجاج الأرض منها قباب علم سامقات. كل ما حول الأزهر يعود إلى الأزهر فضله، علماؤه وقباب الصالحين العاكفين الساجدين العابدين والعابدات، ويقف صرح بيت السحيمي العربي في الثوب العثماني وقد تقادم عليه العهد، فتقلب في عهد العثمانيين من ثراء إلى ثراء حتى رسا به مربعه عند آل السحيمي محمد أمين الذي يطل مقام سيده من مشيخة رواق الأتراك في الأزهر، حيث كان مالكه الأخير، فسمي باسمه فأصبح بيت السحيمي. وهو بيت معمر له من العمر ثلاثمائة وأربعون عاماً، فقد قام بناؤه في عام 1648، ومكانه يتربع واسطة عقد حي الجمالية الإسلامي الفاطمي العريق بالقاهرة برقم ال 19 بدرب متفرع من شارع المعز لدين الله الفاطمي، ويعد من قلائل ما تبقى من عمران ذلك العصر، ولم يزل محتفظاً ببهائه وجلال معماره رغم مرور العصور، واقفاً على مقربة من الدرب الأصفر بأحجاره الصخرية المشرئبة مضلعة المظهر، يزاحم تعرجات الدروب وضيقها وتقلبات الزمن، ومن بين كل كتل الزحام تداعب وجوه زائريه لطائف النسائم بهواء يسري على مهل يدفع عن ضيفه حرارات الشمس وضيق المكان. السلاملك والحرملك وتلعب علاقة الدين والظروف الاجتماعية والمناخ وجغرافية الموقع الدور الأهم في تكعيبات التصميمات المعمارية لبيوت تلك الحقب، وهي أمور تحسها وتكاد تلمسها في كل أركان المكان من ذلك المنزل العجيب، فمن عامل الدين تلمس محارمه، فحرمة أماكن النسوة، تجعل البيت ينأى بالنساء عن أعين الرجال، فيخصهن بموضع خاص بالنساء أو «الحريم» كما كان يطلق عليهم. ويطلق على هذا الجزء «الحرملك» ويقع بالدور العلوي في منزل السحيمي، وهناك، ممنوع على الغرباء منعاً باتاً الاقتراب من المكان، وزيادة في الحرص على هؤلاء النسوة، وحتى يطمئن رب البيت إلى أن أرجل الغرباء لن تعرف طريقها إليهن، فقد تم تصميم الطريق المؤدي للحرملك في صورة دهاليز لا تمضي في مستوى واحد، وإنما تهبط فجأة في مواضع عدة هبوطاً يشبه درجات السلم، ولذلك لابد للمتسلل إلى الحرملك بلا حق من التعثر في هذه الأماكن «السرية» التي لا يعرفها في ظلال الدهليز إلا كل معتاد على الدخول إليها، وعندئذ يكتشف أمره ويكون العقاب على أشده. ... المزيد الاتحاد الاماراتية