مواضيع ذات صلة علي خميس انفض موسم توزيع الغنائم بالتصويت على استفتاء الدستور بتصدع واضح فى البنيان الداخلى والنسيج الاجتماعى لا تفلح معه محاولات الترقيع والترميم المنتظر أن يقوم بها البرلمان القادم.. الكل خرج من السباق ولم يعد فى المشهد بعد عامين فقط من الثورة سوى الإخوان والسلفيين رغم أن مشهد الثورة صنعه الجميع وكان بمقدوره أن يسع الجميع، ولكنها سنة السياسة فى مصر الحديثة (لا صوت يعلو فوق صوت الفصيل الحاكم). البعض يرى أن إقرار الدستور هو بمثابة نصر سياسي، وهو كذلك فى إطاره الخارجى ولكن التدقيق فى تفاصيل المشهد تقول إن المنتصر لقى هزيمة أخلاقية تعودنا عليها مع النظام السابق الذى أباح لنفسه استخدام كل أدوات التزوير فكان مكانه الطبيعى ليمان طره، وفى تصورى أنا وغيرى من المخدوعين بالثورة أن المشروع الإخوانى هو مشروع أخلاقى بالأساس ومن أجل هذا تعاطفنا معه ضد فلول النظام البائد، ولكن يبدو أن السياسة تلوث كل شىء بدليل المخالفات العديدة التى شابت نزاهة الاقتراع على استفتاء الدستور وأغلبها كان بفعل فاعل، بدءا من العناد السياسى للسلطة ومرورا بعنف الميليشيات وصولا إلى التسويد الجماعى للبطاقات، وجميعها ممارسات تعيدنا إلى المشهد الانتخابى للحزب الوطنى فى عامى 2005 و2010، وهى ممارسات تتناقض مع المشروع الأخلاقى للتيار الدينى الذى جنب مرحليا قاعدة الحلال والحرام ولجأ إلى قاعدة «اللى تغلبه العبه» فى تعامله مع الاستفتاء الأخير. لعل الإنجاز الأكبر الذى تحقق فى هذا الاستفتاء هو أن كرس التحرك فى الشارع المصرى على أساس طائفى وتناسينا أن الطائفية شكلت فى لبنان معضلة أساسية يزداد تأثيرها السلبى على الدولة والمجتمع، مع تزايد الأزمات الداخلية والصراعات الإقليمية والدولية. وتعدد الأديان والطوائف فى لبنان كما ذكرت سابقا لم يكن هو المشكلة، بل المشكلة تكمن فى النظام الطائفي، فى نظام إدارة المجتمع والدولة على أساس طائفي، مما يتيح استخدام الدين والطائفة فى التجاذبات والصراعات الطبقية السياسية لقوى داخلية وخارجية ذات مصالح خاصة بها ومتعارضة. والإبقاء على الطائفية وترسيخها، يكمن فى تمسك الطبقة السلطوية بها، فالأساس الطائفى للنظام، وتغذية الطائفية فى المجتمع وفى الحياة السياسية، يوفر شروط استمرار نظام الطبقة المسيطرة، وتجديد نفسها، وسلطتها، كما يخدم القوى الخارجية التى ترى فى الطائفية والتناقضات التى تعززها، مدخلاً لها تستخدمه وفقاً لأغراضها ومصالحها داخل لبنان وفى محيطه. ومع كل يوم يمر دون التوصل إلى حل للأزمة التى تواجهها لبنان حاليا يترسخ هذا الاستقطاب الطائفي، بل برز قطاع لا بأس به من الشباب اللبنانى العاطل عن العمل بسبب تردى الأوضاع الاقتصادية مهيأ نفسيا لخوض تجربة حرب أهلية جديدة بعد أن أجبرهم جو الشحن الطائفى على التمترس فى الخندق الطائفي. وبعد 22 عاما من وضع الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها لا يبدو لبنان أقل انقساما مما كان عليه لدى اندلاع الحرب الأهلية فى 13 أبريل من عام 1975 وإن اختلفت أوجه وأسباب الانقسام، تلك الحرب التى استمرت 15 عاما، قتل فيها 150 ألف شخص وأصيب مئات الآلاف بينما لا يزال مصير الآلاف مجهولا حتى الآن. والخوف كل الخوف هو أن اقتلاع بذرة الصراع الطائفى أصعب ألف مرة من قرار إنهاء حرب، بدليل أن الانقسام السياسى والاجتماعى الذى يمر به لبنان حاليا أعمق مما كان كان عليه خلال الحرب الأهلية السابقة، فرغم أن الانقسام خلال الحرب الأهلية كان ما بين المسلمين والمسيحيين لكنه كان أيضا ذا طابع سياسى واضح ما بين قوى سياسية يسارية وقومية عربية لبنانية ذات توجهات علمانية وأخرى دينية إلى جانب قوى سياسية عابرة للطوائف مثل الحزب الشيوعى من جهة وقوى مسيحية تمثلت بالكتائب والقوات اللبنانية ذات توجهات يمينية غربية من جهة أخرى. أما حاليا فإن الانقسام الأعمق يبدو بين سنة لبنان وشيعته الذين برزوا كأكبر قوة سياسية وعسكرية فى لبنان مع انتهاء الحرب اللبنانية وتعززت قوتهم مع انسحاب إسرائيل من جنوبى لبنان عام 2001. أما الوجه الآخر للانقسام اللبنانى الحالى فيتمثل بالانقسام فى الشارع المسيحى على خلفية الانقسام الحاصل بين الإسلاميين أنفسهم (سنة وشيعة)، أى أن الانقسام الواحد تتولد منه انقسامات وجماعات وفرق لا حصر لها ليصبح المجتمع فى النهاية مثل لوحة «الفسيفساء» من كثرة التجاذبات والصراعات، فما تعجز عنه الحروب تحققه الخلافات. والعبرة الثانية الشاخصة أمامنا تكمن فى تجربة العراق التى راهن الأمريكان على أن تكون واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط، فإذا بنا نفاجأ أننا أمام دورة جديدة للعنف والصراع الطائفى بسبب تقارب النتائج الانتخابية بين معسكر إياد علاوى ومعسكر نورى المالكي، وهذه التجربة القاسية تخبرنا أن محصلة (50% + 1) قد تتحول إلى مفرخة للعنف ما لم تبادر السلطة بزرع آليات جادة وعملية لتحقيق لم الشمل والوفاق الاجتماعي.. فهل نفيق ونصحح مسارنا قبل فوات الأوان؟