مواضيع ذات صلة احمد المرشد عكست قرارات وتوصيات قمة المنامة استعدادا خليجيا للتعاطي مع المخاطر التي يمكن أن تواجهها دول التعاون، سيما الداخلية منها مع صعود تهديدات لم يكن متصورا قبل سنوات حدوثها من قبيل عمليات التطرف والإرهاب التي شملها البيان الختامي للقمة بالإدانة، ولا ينفصل عن هذا ما تعرضت له المملكة طوال الفترة الماضية، وهنا قد نجد لزاما علينا أن ننقل إشادة قادة دول مجلس التعاون بحسن تعامل المملكة مع تلك المخاطر التي تعرضت لها ، وكذلك إعلان القادة الخليجيين تضامنهم الكامل مع جهود المملكة للحفاظ على وحدتها وأمنها وسلامتها. فالقمة عقدت في ظروف وأجواء داخلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد القمة، ويمكن تلمس ذلك في هذا الوعي العميق بالمخاطر التي تواجه منظومة المجلس والمنطقة بفعل الظروف المحيطة. ومن حصاد قمة المنامة هو تأكيد القادة على مبدأ الأمن الجماعي المشترك من خلال العمل على تطوير القدرات العسكرية والبناء الذاتي لكل دولة من دول المجلس، والالتزام بتعزيز وتطوير منظومة الدفاع المشترك عن مقدرات ومكتسبات دول وشعوب مجلس التعاون، باعتبارها رمزا للتكاتف ووحدة المصير والهدف وتجسيداً للدفاع المشترك. ومن هنا تصدر الأمن الخليجي أولويات عمل القادة ، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة والعالم لجهة محاولات زرع الفتنة بها والتدخلات في شؤونها الداخلية وخطر امتدادات التوترات الإقليمية إلى قلبها، ولهذا زادت حدة الاهتمام بهذه القضايا التي تمثل في الحقيقة الهاجس الأول والأكبر للمنظومة الخليجية برمتها. ويعكس هذا الاهتمام ما مثله البيان الختامي للقمة من مواقف جادة حيال التصرفات الإيرانية، سواء أكانت بتدخل طهران في الشؤون الداخلية لبعض دول مجلس التعاون أو لجهة احتلال الجزر الإماراتية وأخيرا ما يتعلق بملفها النووي الذي يؤرق دول المنطقة والعالم أجمع. ويمكن وصف الموقف الخليجي الراهن من التصرفات الإيرانية بأنه يمثل في الواقع إدراكا حقيقيا بالمخاطر التي يشكلها نظام دولة مجاورة، فضلا عن التوترات التي يسببها وتعاني منها دول قريبة تحيط بالمجلس وتشكل جوارا أساسيا له انعكاساته على أمن واستقرار دول التعاون. ويصب في هذا الاتجاه بالتأكيد إقرار القمة إنشاء قيادة عسكرية موحدة وتطوير قوات درع الجزيرة ، وذلك حتى تكتمل مقومات وقدرات المظلة الدفاعية الخليجية في وجه أي طارئ يتعرض لها أمن المنطقة . وهذا في حد ذاته يعد تحقيقا لمطلب مهم جدا طالما رأته دول المجلس محفزا نحو التكامل الدفاعي والتعاون العسكري. ومما يؤكد إدراك القادة أهمية تكريس مبدأ التعاون العسكري والأمني لمواجهة أية مخاطر تهدد دول المجلس هو اعتماد الاتفاقية الأمنية التي أقرها وزراء الداخلية في نوفمبر الماضي بعد التعديلات التي أُدخلت عليها، وعمليات التنسيق وتبادل المعلومات المتواصلة بين وزارات الداخلية وقوات الأمن العام لرفع الكفاءة. ما سبق يعكس أهمية الملفات التي عرضت على القادة الخليجيين وكانت محل مباحثاتهم سواء التحضيرية منها أو التي عُقدت خلال الجلسات المغلقة وتطلبت منهم في مداولاتهم المطولة إعطاء أولوية قصوى لقضايا العمل المشترك ومتطلبات استكمال المواطنة والوحدة الخليجية. ومما خرج به القادة هو أن مشروع الاتحاد الخليجي الذي بادر خادم الحرمين الشريفين إلى الدعوة إليه في قمة الرياض العام الماضي أصبح مطلبا شعبيا ألزمت بها دول المجلس نفسها ويسعى قادتها إلى تجسيده على أرض الواقع. ولعل الإرهاصات التي سبقت صدور البيان الختامي للقمة وإعلان الصخير، تعد تعبيرا واضحا عن ذلك، ورسالة جلية لشعوب المنطقة وأطراف إقليمية معينة بأن دول المجلس لن تقف بمفردها وحيدة أو مكتوفة الأيدي في وجه الاعتداءات الصارخة التي تحاول النيل منها ومن مواقفها وسياستها، وأنها بصدد التكتل معا وبشكل رسمي، وذلك عبر التحول مستقبلا إلى اتحاد حقيقي متكامل، لمواجهة مخاطر هذا الزمان الذي لم يعد يتحدث إلا بلغة التحالفات والتكتلات الجماعية. وواقع الأمر أن الدفع نحو تحقيق مطلب الاتحاد، مثلما ورد في البيان الختامي ، حيث الالتزام بتطبيق كافة قرارات المجلس الأعلى المتعلقة بالتكامل الخليجي في جميع المجالات، جاء ليعبر بصدق عن منطق الإنجاز الذي يحكم منظومة العمل بدول المجلس، والمضي قدما في البرامج والخطط الموضوعة نحو التكامل الفعلي، وذلك وفق خطوات متدرجة ومدروسة وتبعا لخصوصية الوضع الخليجي بعيدا عن أي قفزات فجائية لا تراعي ظروف المرحلة. ويستطيع من يرصد مفردات البيان الختامي للقمة وإعلان الصخير أن يخرج بنتائج مهمة ، منها مسعى القادة الخليجيين الحثيث لدعم أمن واستقرار ومكانة المجلس كقوة يحسب حسابها في النظامين الاقتصادي والسياسي العالميين، ولا أدل على ذلك من تعزيز وضعيته الداخلية والثبات على مواقفه فضلا عن ترسيخ علاقاته وشبكة تحالفاته عبر الحوارات الإستراتيجية مع القوى العالمية وغيرها مما يكشف التأثير الذي بات يحدثه في معادلة التفاعل الدولي والسمعة التي حققها ولا يمكن التنازل عنها كمنظومة عمل جماعية ومستقرة. وحسنا فعلت القمة برصد تطلعات الشباب وضرورة العمل على تحقيقها واستثمار طاقاتهم ، وتنمية مواهبهم والتوجيه بإجراء دراسة شاملة للتعرف على البرامج المنفذة في مختلف الأنشطة الشبابية في دول المجلس ، لأن هذا يؤكد حرص قادة المجلس على دعم هذا القطاع العريض من سكان المنطقة، فهم عماد الوطن والاتحاد، ومنهم من سيقود هذا الاتحاد في المستقبل، ومن هنا ، فإن الاهتمام بقضايا الشباب – وهو ما تأخرنا فيه كثيرا – سيكون من أهم إنجازات المجلس ، ولا يجب أن نبكي على اللبن المسكوب، ولكن الأهم أننا وضعنا أيدينا على الجرح، وهو الشباب والذي باتت شريحة منه تفكر في الهجرة إلى الخارج طالما لم تتحقق طموحاتها في داخل أوطانها. إجمالا.. لقد فاقت النتائج التوقعات، خاصة بعدما شددت قمة المنامة على تعزيز التكامل والاندماج الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي وإقرار إنشاء قيادة عسكرية مشتركة وتفعيل المواطنة الخليجية لدى مواطني دول مجلس التعاون في مختلف المجالات.. والتأكيد على ضرورة إنشاء "منظومة اتحادية" للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان قوي متماسك يلبي تطلعات مواطني دول المجلس. وسيكتب للبحرين التي كانت على مدى الأيام الماضية ملء السمع والبصر في كافة أنحاء العالم، وهي كعادتها بلد مضياف.. أنها كانت المكان الذي خرج منه الوعد بتنفيذ تطلعات مواطني دول المجلس ويلبي طموحاتهم في مستقبل أكثر ازدهارا وإشراقا.